أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
العيش الكريم (2)
4 نوفمبر 2016
د. شوقى علام


انطلق إعلان القاهرة للتعايش الصادر عن المؤتمر الأول للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم من معرفة عميقة بسمات المرحلة التاريخية الفاصلة التى تمر بها الإنسانية فى صياغة مجتمع إنسانى على المستوى المحلى والعالمى يقوم على التعايش والتعاون والتواصل بدلًا من التحارب والتناحر والقطيعة، حتى تستأنف البشرية مسيرة العمران والحضارة.



وهو مبادرة حقيقية تعد الأولى من نوعها كميثاق شرف للأقليات المسلمة تتخذه طواعية واختيارا فى مسيرة تعايشها وتعميق المشتركات الإنسانية بينها وبين مجتمعاتها، فقد تضمنت جملة من المبادئ المستمدة من الشرع الشريف ومقاصده العليا التى إذا ما روعيت عند التطبيق والممارسة العملية تتحقق دعائم الاستقرار وتظهر سمات الانطلاق نحو المعرفة والتقدم، مع قطع الطريق أمام الجماعات والتنظيمات المتطرفة ذات المرجعية الموازية، والتى تمثل حاجزا يحرم المسلمين فضلا عن الأقليات من التفاعل بإيجابية مع مستجدات وقضايا العصر، وفق مناهج السلف الصالح لا مسائلهم.



وقد تناولت فى المقال السابق المبادئ التى تضمنها هذا الإعلان بشأن بيان الإطار العام والمبادئ الكلية الموضحة لأسس التعايش مع الآخر، والمبرزة لسمات التفاعل الإيجابى مع الواقع ومقتضياته، وفى هذا المقال نشرع ببيان المبادئ التى تؤسس الاستقرار وتدعم مظاهره وأسبابه، حتى تتحقق مشاركة المسلمين الإيجابية فى العمل والإنتاج.



نعم تضمنت هذه الوثيقة صيغة موجزة ناظمة لأبعاد وجوانب دوائر ولاء الإنسان المتعددة كانتمائه إلى أسرته ووطنه وقوميته ودينه وعلاقته مع أخيه الإنسان ومع بقية المخلوقات، وهى دوائر تبدو كثيرًا متداخلة متشابكة ومتقاطعة. لكن هذه الدوائر واضحة جدًا فى الإسلام، فهى مؤسسة على أن الإنسان هو خليفة فى الأرض وسيد فيها، ليعمرها من حيث المظهر بإقامة سننه سبحانه، وتحقيق منافع أحكامه تعالى ومصالح عباده، ويرشد إلى ذلك قوله تعالي: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30]. كذلك لم يترك الإسلام هذا الخليفة دون بيان وافٍ كافٍ لحقوق وواجبات كل دائرة من تلك الدوائر، حتى تكون متساندة ومنسجمة ومتراكبة، فأظهر أن بين المسلم وأخيه المسلم رباطًا من الأخوة الإسلامية، كما أن بينه وبين كل إنسان رباطًا من الأخوة الإنسانية، وهذه وتلك من الأرحام التى يجب وصلها وأداء حقوقها. وهذا يقتضى شرعًا وطبعًا وعرفًا وصل هذا الرباط الوثيق ومد جسور التواصل بين المسلم وأخيه المسلم وبين المسلم وأخيه الإنسان من كل لون وجنس وملة أيضًا، قال الله تعالي: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات: 13].



ولقد روعى فى مبادئ هذه الوثيقة التنبيه على ضرورة الحفاظ على الأسرة والحث على صلة الأرحام، انطلاقًا من الوجوب الشرعى وضرورة تماسك المجتمعات وتدعيم العلاقات الإنسانية الرشيدة، لأن الأسرة هى الأساس الذى بقدر ما يكون راسخًا متينًا، يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخًا منيعًا. كما لفتت المبادئ قادة العالم وفى مقدمتهم قادة الرأى الدينى إلى بذل مزيد من الاهتمام بالإصلاح المجتمعى ودعم المجتمعات بكافة الوسائل نحو التوافق والتعاضد، شريطة ابتعاد هذه الجهود عن الأيدلوجيات والصراعات السياسية الحزبية. ولا شك أن الدعوة إلى الخير وترسيخ سمات الإصلاح تحتاج إلى أن يعقبها إعلان البراءة من كل يد تسعى إلى إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل وغير ذلك من أفعال التخريب التى أنتجتها مناهج الإرهاب والتطرف لزعزعة الأمن والسلم المجتمعيين داخل الوطن وخارجه؛ لأنها يد دخيلة على الإسلام بل على الأديان جميعًا، وبهذا الفهم الصحيح لعلاقة المسلم بالآخر من منظور تكاملى حضارى يظهر سعى المسلمين ومؤسساتهم نظرًا وعملًا لدعم الاستقرار الوطنى والإقليمى والعالمى بكافة الوسائل المتاحة والقنوات المشروعة، تأييدًا للاستقرار وتثبيتًا لدعائمه وأركانه، وقطعًا لأى سبب يؤدى إلى الفساد أو الفوضى أو التخبط أو الاضطراب؛