أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
انجليكا والموت
28 أكتوبر 2016
د. سهير عبد الفتاح

الاسم يوناني، لكن أنجليكا ليست يونانية خالصة، إنها مزيج من أوروبا وإفريقيا، من الشرق والغرب، ومن الشمال والجنوب، أبوها مصري. وأمها يونانية، والبلد الذي ولدت فيه وتربت وحصلت علي جنسيته وماتت هو فرنسا. والقصة طويلة ومؤلمة، أبدأها من أولها.


في أواخر السبعينيات من القرن الماضي كنت مع زوجي وأولادي في باريس. في الحي الثالث عشر، وبالتحديد في Rue de La Samte شارع الصحة.



كانت الشقة التي استأجرناها في هذا الحي تقع في الدور الخامس من العمارة وتطل علي الشارع المواجه لمستشفي Sante Anne وهو مصحة مخصصة للأمراض العصبية والنفسية تحتل الجانب المقابل من الشارع وتضمن لنا ولغيرنا من السكان حياة بعيدة عن الصخب بما يسودها من هدوء وبالحديقة الواسعة التي تحيط بها خاصة في الأمسيات التي كنا نقضيها في شرفتنا الواسعة المطلة علي المصحة وعلي حديقتها.



كان المرضي في هذه المصحة يتحركون بحرية ومنهم من يتجول في الشارع يتأمل المارة ويتوقف هنا وهناك، لا يتعرض لأحد ولا أحد يتعرض له أو يمنعه من مواصلة طريقه. فالديمقراطية الفرنسية حياة يومية يمارسها الجميع، حتي المرضي النفسيون!.



هكذا كنا نشعر بالقرب من الجميع، رغم أننا أجانب بالنسبة لفرنسا ولباريس ولجيراننا في العمارة التي سكناها والتي كانت تقع بالقرب من بلاس ديتالي، وتولبياك، والحي اللاتيني وهي مناطق قريبة من وسط باريس، وحية دائما وتجمع بين التجمعات السكنية والمحال والمقاهي والمؤسسات الثقافية، والفنادق الصغيرة والمتوسطة، وكانت بالتالي تجمع بين الفرنسيين والأجانب الزوار والمقيمين. لهذا لم نكن نشعر بأننا في وسط باريس فقط، بل في وسط العالم.



كنا نستطيع أن نركب الأتوبيس أو المترو من قرب منزلنا لنكون خلال دقائق في الحي اللاتيني أو في شارع تولبياك حيث يتجاور الفرنسيون والمهاجرون الآسيويون والعرب والأفارقة يتحدثون لغاتهم الأصلية وتجمع بينهم اللغة الفرنسية. منطقة كوزمو بوليتانية لا يشعر فيها الإنسان بالغربة لأنها تجمع بين كل الجنسيات وتلبي مطالب الجميع بمحالها المتنوعة وأسعارها المعتدلة.



ومن الطبيعي أن يختلف الحي اللاتيني عن تولبياك، لأن الحي اللاتيني هو السوربون والكوليج دو فرانس والسياح الذين يبدأون زيارتهم لباريس من الحي اللاتيني، فالحي اللاتيني هو قلب باريس وعقلها. كنا نأخذ الأتوبيس رقم 21 لنصبح بعد محطات قليلة في قلب شارع سان ميشيل في قلب الحي اللاتيني بمعالمه المشهورة. المكتبات والمعارض الفنية ودور السينما، والمقاهي التي كان يرتادها الكتاب والشعراء الفرنسيون فرلين، وجان بول سارتر، والأرصفة التي لا تستخدم للمشي فقط بل تستخدم للرسم أيضا، فالفنانون الشباب من مختلف الجنسيات يأتون بألوانهم ليحولوا أسفلت الشارع إلي لوحات فنية رائعة. والبهلوانات يستعرضون ألعابهم الأكروباتية، والأفارقة يرقصون، والقديس سان ميشيل يجلس ـ تمثاله طبعا ـ داخل النافورة يراقب الجميع.



أطلت عليكم في هذه البداية، لكني أردت أن أضعكم في الجو الذي تعرفت فيه علي أنجليكا.



لقد تعرفت عليها عن طريق جارة لنا في العمارة التي كانت هي الأخري برج بابل، لأن سكانها كانوا نماذج مختلفة في كل شيء.



كنا لا نلتقي إلا في المصعد، نتبادل التحية من بعيد بكلمات قليلة، ووجوه لا تعبر إلا عن نفسها. وجه أليف يرحب بغيره، ووجه متجهم، ووجه حزين، ووجه شارد، وقد مرت سنوات قبل أن نتعرف عليهم ويتعرفوا علينا.



منهم زوجان في نحو السبعين من عمرهما. كنت أقابلهما دائما في المصعد والشارع وأحيانا في السوبر ماركت. وكانا دائما معا لا يفترقان، الرجل أنيق دائما باسم الوجه حنون يتأبط ذراع زوجته العجوز المحافظة علي جمالها، كأنه يخاف أن تضيع منه في الزحام، وهي لا تقل أناقة وحريصة دائما علي أن تكون في أجمل مظهر، يسيران معا كأنهما دائما في الطريق إلي حفلة ساهرة. لكن الزوج كان يظهر وحده في الصباح ليشتري من المخبز المجاور الكرواسان للفطور وجرائد الصباح. فجأة أصبح ينزل وحده وقد تكرر هذا مرات جعلتني أسأل إحدي جاراتي التي أخبرتني بأن رفيقة عمره توفيت فى أثناء عملية جراحية بسيطة أجريت لها، شعرت بحزن عميق، ثم لم يمض إلا شهران اثنان ولحق الزوج الوفي بزوجته.



وفي نفس الدور الخامس الذي كانت فيه شقتنا وبجوارنا مباشرة كان يسكن مسيو ومدام لافار من المرتينيك وهي جزر قريبة من البرازيل استعمرها الفرنسيون وضموها لبلادهم فأصبحت جزءا من فرنسا وأصبح أهلها ومعظمهم من أصول زنجية فرنسيين ومنهم مسيو ومدام لافار، هو مدرس في إحدي المدارس الثانوية بباريس وهي مغنية أوبرا مغمورة، لكنها تتصرف علي اعتبار أنها فنانة معروفة. وهما يتمتعان بصفات وطباع قريبة من طباعنا الشرقية ولهذا أصبحنا أصدقاء.



وكانت تسكن معنا أيضا في العمارة سيدة فرنسية اسمها آن ماري، كانت في نحو الستين من عمرها وكان زوجها في سنها تقريبا. في يوم من الأيام دخلت المصعد فوجدت نفسي مع مدام آن ماري التي بادرتني بالتحية. وعندما وقف بنا المصعد وصرنا في الشارع أمام باب العمارة واصلت حديثها فتعارفنا وتبادلنا أرقام التليفون. وبعد أيام طلبتني لتدعوني إلي فنجان شاي في منزلها فلبيت الدعوة التي بدأت منها هذه القصة.



في لقاء من لقاءاتنا التي تكررت وجدت عندها سيدة في مقتبل العمر قدمتها إلي وقالت أعرفك علي ابنتي ماري. والغريب أنني شعرت منذ الوهلة الأولي بأني أعرف هذا الوجه. شعرها المجعد ولون بشرتها المائل للسمرة. غريبة. وحتي تكوين جسمها الذي يعطيها ملامح شرقية ويمكن أن تكون مصرية.



قلت لها وأنا أعرفها بنفسي: سهير. قالت: وأنا أنجليكا. غريبة. لكن والدتك وهي تناديك تسميك ماري؟ قالت هذه حكاية طويلة لابد أن أحكيها لك في يوم ما. وانصرفت ماري أو أنجليكا بعد أن تبادلنا أرقام التليفون وانصرفت أنا أيضا لتمر أيام انشغلت فيها بشئوني وشئون دراستي. حتي رن جرس التليفون لأفاجأ بصوت أنجليكا. قالت: أريد أن أدعوك أنت وأسرتك للعشاء عندي يوم السبت المقبل. كانت لطيفة جدا ولهذا رحبت بالدعوة كما رحب زوجي وفرح أولادي مها وعمرو. وجاء يوم السبت فذهبنا إلي حيث تسكن أنجليكا في ضواحي باريس. رحبت بنا وعرفتنا علي أسرتها. زوجها أندريه ويعمل مهندس كهرباء وطفليها إيمانويل وهو في الخامسة وستيفان وهو في الثانية.



شعرنا بالقرب الشديد من هذه الأسرة التي لم نكن نعرفها قبل هذه الزيارة. وبعد أن تناولنا العشاء تأخر الوقت واقترحت علينا أنجليكا هي وزوجها أن نقضي هذا الويك إند معهم في منزلهم، وهو فيلا صغيرة تحيط بها من كل جانب حديقة بديعة. وكانت فرصة اقتربت فيها من أنجليكا واندمج زوجي مع زوجها الذي عبر عن اهتمامه بالثقافة العربية وبالأدب العربي الذي كان زوجي يقوم بتدريسه في جامعة باريس.



أما أنا وأنجليكا فقد جلسنا في الحديقة لندردش معا وأطرح عليها السؤال الذي حيرني: أنجليكا. أنت اسمك أنجليكا وألا ماري؟ قالت: سهير. الحكاية طويلة. نظرت إليها أشجعها لتسترسل وتحكي لي حكايتها من البداية للنهاية.



قالت: أنا تربيت في ملجأ لا أعرف لي أما ولا أبا حتي بلغت الخامسة عشرة من عمري. ثم تبنتني السيدة آن جارتك وظللت معها حتي صرت في العشرين، وهي السن التي أكملت فيها دراستي في معهد للعلاج بالأعشاب الطبيعية. وكان العلاج بالأعشاب منتشرا جدا آنذاك وحتي الآن في فرنسا. وطوال السنوات الخمس التي قضيتها مع السيدة آن كنت أبحث عن أصلي. من أكون؟ ومن تكون أمي؟.



بدأت البحث بالاتصال بالملجأ الذي قضيت فيه سنوات عمري الأولي. وبعد محاولات عديدة عرفت من هي أمي التي سمتني أنجليكا وأودعتني في الملجأ بعد أن ولدتني بأيام. قالوا لي إن أمي يونانية. وهي التي اختارت لي هذا الاسم اليوناني. وقالوا إنهم لا يعرفون أي شيء عن أبي. لا يعرفون من هو ولا أين يقيم. توسلت إليهم أن يعطوني عنوان أمي إذا كان عندهم. وبعد محاولات عديدة أعطوني العنوان ورقم التليفون وقالوا إنهم ليسوا متأكدين من أنها تقيم في هذا العنوان الآن. وقد اكتشفت لحسن حظي أن عنوان أمي لم يتغير.



طلبتها في التليفون. رد علي صوت نسائي خشن. قلت: أنا أنجليكا. هل أنت أمي؟ وكانت المفاجأة ردها. قالت: نعم هو أنا. لكن اسمعي. أنا لا أريدك أن تتصلي بي مرة أخري. خلاص. أنا لي حياتي وأنت لك حياتك. وأغلقت في وجهي التليفون!.



وانخرطت صديقتي في البكاء حتي انهارت. ورحت أخفف عنها حتي استعادت هدوءها وواصلت الحديث. قالت: حاولت كثيرا أن أكلم أمي أو أن أقابلها لكنها كانت ترفض باستمرار. وبعد محاولات مستميتة وافقت أن تقابلني في منزلها. وذهبت إليها يغمرني شعور عارم بالفرح لأني سأري أمي بعد كل هذا العمر للمرة الأولي. وكنت خائفة أيضا بل مرتعبة وأنا في طريقي إليها.



كنت أحمل معي باقة من الزهور اخترتها بعناية فائقة. وحين وصلت وقفت أمام باب شقتها دقائق استعيد هدوئي قبل أن أمد اصبعي إلي جرس الباب. وأخيرا استجمعت شجاعتي وضغطت علي الجرس لأجد نفسي أمام سيدة في نحو الستين من عمرها عليها مسحة من الجمال. قابلتني بوجه متجهم قاس وأشارت لي برأسها أن أجلس. وجلست. وبدأت هي الكلام: ماذا تريدين مني؟ استغربت السؤال وقلت لها: ماذا تريد بنت من أمها؟ نظرت إلي نظرة في منتهي القسوة وقالت: ماذا تريدين مني؟ ليس عندي وقت أضيعه معك. صمت. لم أستطع الكلام. وواصلت هي بعنف أكثر وهي تسألني من جديد: ماذا تريدين مني؟ كظمت غيظي وقلت لها: أريد أن أعرف لماذا تركتني في ملجأ أيتام وأنت أمي؟ وأريد أن أعرف من هو أبي؟ ولماذا تعاملينني هذه المعاملة القاسية؟ يجب أن تعرفي أني لست في حاجة مادية لأحد أنا أعمل. وأنا متزوجة وعندي طفلان. فقط أريد أن أجد إجابة علي هذه الأسئلة التي تعذبني منذ سنوات. وجهت لي من جديد نظرتها الغريبة ثم قالت لي: أولا يجب أن تعرفي أنني لم أشعر في أي لحظة بأنى أمك. لقد حملت فيك عن طريق الخطأ. كنت طالبة في الجامعة صغيرة السن. تعرفت في الجامعة علي زميل في الدراسة ونشأت بيننا علاقة عابرة، كان زميلي شابا مصريا في آخر سنة من سنوات دراسته وكنت أنا في السنة الأولي. أنهي زميلي دراسته ورحل إلي بلاده دون أن يترك لي عنوانه في مصر ودون أن يعرف أني حامل. وحاولت أن أجهض نفسي وفشلت محاولاتي. بعد ولادتك أودعتك الملجأ. ومرت الأيام دون أن أحس بأي رغبة في معرفة أي شيء عنك. وتزوجت وعشت حياتي بعيدا عن هذه التجربة التي نسيتها وعن أي شيء يذكرني بها. لا أعرف أي شيء عن أبيك. وهو لا يعرف أي شيء عنك ولا يعرف أصلا أن له طفلة في فرنسا.



لم أعلق بكلمة علي ما قالته لي هذه الأم الغريبة التي ترفضني رفضا صريحا وقاطعا وظللت أنظر إليها باندهاش، وأخيرا استجمعت شتات نفسي وقلت لها: لا أريد منك أي شيء. وطلبي الوحيد هو أن تعطيني أي شيء يخص أبي. أي شيء، أرجوك أي شيء. وظلت توجه لي هذه النظرة الغريبة حتي يئست. لكنها نهضت فجأة وغابت دقائق ثم عادت ومعها صورة فوتوغرافية أعطتني إياها وهي تقول: هذا هو أبوك. مع السلامة! وهذه هي حكايتي!.



شعرت بألم بالغ وأنا أنصت لأنجليكا، ألم وحزن وإشفاق ومشاعر أخري عنيفة لا أستطيع أن أصفها. وأخيرا سألتها: لماذا تتمسكين بهذا الاسم الذي أعطته لك هذه الأم التي ترفض الاعتراف بك؟ وأجابتني أنجليكا: أتمسك بهذا الاسم لأنه الشيء الوحيد الذي يربطني بأصلي. بأمي بالتحديد. وبقي أن أعرف أبي المصري الذي سأظل أبحث عنه حتي أصل إليه. لابد أن أصل إليه ليعرف أن له بنتا تركها في فرنسا، وليعرف أبنائي أن لهم جدا في مصر. ودون هذ سأظل أشعر بأني غير موجودة.



وهنا طرأت لي فكرة عرضتها فورا علي أنجليكا. قلت لها: لماذا لا تنشرين قصتك هذه في أي صحيفة عربية؟ من يدري؟ ربما قرأ والدك القصة وعرف أن له بنتا في فرنسا! ومن يدري؟ ربما اتصل بك هو. والتفت إلي زوجي وقلت له: لماذا لا تتصل بصديقنا فلان وهو صحفي معروف كان يكتب لصحيفة عربية في باريس ربما استطاع أن ينشر صورة والد أنجليكا، وربما استطاع أن يتحدث مع أنجليكا ويحصل منها علي بعض المعلومات وينشرها مع الصورة؟! وفرحت أنجليكا بالفكرة. واتفقنا علي أن نبدأ التنفيذ فور عودتنا إلي منزلنا في باريس.



اتصلنا بصديقنا الصحفي المصري الذي رحب بلقاء مع أنجليكا يحدد بعده ما يمكنه أن يقوم به علي أن تحمل معها كل ما لديها من أوراق وصور تساعد في كتابة التحقيق، صورة والدها خصوصا وصورها هي وزوجها وأولادها.



وذهبت أنجليكا في الموعد المحدد، ودار الحديث بينها وبين صديقنا بالفرنسية طبعا، وترجم إلي العربية ونشر لتتوالي ردود الأفعال والتعليقات من القراء الذين عبروا عن تعاطفهم مع أنجليكا ومع زوجها وولديها.



ومرت علي نشر اللقاء والصور ثلاثة أشهر دون أن تتلقي أي خبر من القاهرة. وفي يوم من الأيام رن جرس التليفون في منزل أنجليكا لنفاجأ بأن المتحدث هو أبوها!.



قال لها: أنا أبوك. وأنت ابنتي بالفعل. لأنك تشبهينني. كما أن ابنك يشبهني. وكل ما قلته في الصحيفة صحيح. وقفزت أنجليكا من الفرح لتتلقي بهذه السعادة التي أطارت صوابها لطمة أيقظتها علي الواقع المؤلم الذي تعيش فيه. قال لها أبوها: ولكن اسمعي يا ابنتي. أنا لا أستطيع الآن أن اعترف بك. أنا لم أكن أعرف أن لي بنتا في فرنسا. وقد تزوجت وعندي ولدان وابنة متزوجة. وأنا الآن في السابعة والستين من عمري وأشغل منصبا مهما في دبي وأعيش في مجتمع محافظ. واعترافي بك يعرض حياتي كلها للدمار. لهذا أطالبك كأب أن تنسي هذه القصة، وألا تعيدي الحديث فيها مع أي صحيفة. وأنا مستعد لدفع أي مقابل. كم تريدين لتسكتي؟ وأجهشت أنجليكا بالبكاء وقالت لوالدها: لو أنك اكتفيت بالكلام عن ظروفك التي لا تسمح لك بالاعتراف بي لفهمت وعذرتك. أما أن تعرض علي نقودك ثمنا للصمت فهذا ما لا أستطيع أن أتحمله. أنا لا أريد نقودا ولا أحتاج للنقود. أموال الدنيا كلها لا تغنيني عن الأب الذي أحتاج له ولا أستطيع الوصول إليه. وداعا يا أبي! وداعا!.



وأغلقت أنجليكا التليفون وانهارت تماما كما قال لي زوجها.



ومرت الأيام وأنا لا أتلقي منها اتصالا وحين فكرت في الاتصال بها علمت من جارتي أن أنجليكا في المستشفي منذ فترة وأنها تريد أن تراني. لقد أصيبت بالسرطان وهي الآن في أيامها الأخيرة. وذهبت في اليوم التالي إلي المستشفي وصعدت إلي غرفتها ومعي الممرضة لأجد علي السرير شبحا أو هيكلا عظميا لا علاقة له بأنجليكا التي أعرفها. وقد أحست هي فأخفت وجهها بيديها كأنها تقول لي: لست أنا. فاحتفظي في ذاكرتك بصورة أنجليكا التي تعرفينها ولا تخلطي بينها وبين الشبح الذي يتهيأ الآن للرحيل!.



ورحلت أنجليكا في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وظلت أنجليكا ترافقني طوال السنوات التي مضت علي رحيلها وستظل ترافقني طوال حياتي.



وقد شعرت بعد أن كتبت هذه السطور لتقرأ في مصر التي كانت تعتبرها وطنها. بأنني أديت واجبي نحو أنجليكا التي كانت تتمني أن يعترف بها أبوها لكي تعترف بها مصر.