أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
أردوغان يطرق بشدة أبواب النظام الرئاسى
24 أكتوبر 2016
سيد عبد المجيد

رغم أن صلاح الدين دميرطاش يترأس حزبا شرعيا ، ألا وهو «الشعوب الديمقراطية» الكردى والذى يحل ثالثا بالبرلمان بعد العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهـورى ويأتى ( فى سابقة هى الأولى التى تحدث بمسيرة الجمهورية ) قبل الحركة القومية اليميني، وبالتالى يحق له أن يطل تليفزيونيا على جماهيره ومؤيديه مرة كل أسبوع أسوة بزعماء الأحزاب الثلاثة، إلا أنه ممنوع من الظهور على شبكات التليفزيون الرسمية والخاصة معا .


وأقواله ومؤتمراته لا تجد منفذا إلا من خلال الصحف العالمية والقنوات الفضائية الدولية ، ومحليا فبالكاد يسمع ويرى من بث إذاعى ومرئى شارد على سبيل المصادفة ، وصحف سيارة هى فى الأصل محاصرةمنها وفى مقدمتها جريدة «جمهوريت» العنيدة ، وهاهى تفتح صفحاتها من منطلق ليبرالى وليس بالضرورة تأييدا لأفكاره ــ لإنتقاداته القاسية التى صوبها ضد مواقف وأساليب رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذى يريد بناء ديكتاتورية ( وهو للأمانة والإنصاف وفقا لساخرين بناها بالفعل) تحت ذريعة محاولة الانقلاب العسكرى الفاشل.



دميرطاش قال فى تصريحاته التى نشرت الأسبوع الماضى ، مدللا على صحة ما يزعمه أن أردوغان يستخدم حالة الطوارئ لصالح حكومته من خلال إصدار مراسم دون تمريرها من خلال السلطة التشريعية الوحيدة ، ولأنه هو فقط الذى اعتبر ما حدث فى مساء الجمعة الحزينة منتصف يوليو الماضى نعمة من الله كى يتمكن من اعتقال معارضيه وظلم المواطنيين وعلى رأسهم أعضاء حزب «الشعوب الديمقراطية» ويبقى السؤال إلى متي؟ .



غير أن الاجابة لا تأتى مبشرة أبدا، بمعنى أن المنحة التى هبطت من السماء يجب أن تكتمل ليواصل المزيد من سطوته التى يراد لها ألا تكون محدودة أنه النظام الرئاسى الذى خفت الحديث حوله قرابة الشهرين، وفى اللحظة الراهنة يدق أبوابه من جديد وبقوة ، كى يتم تفعيله فى حين أنه مطبق عمليا بالفعل على السلطة .



فهو تقريبا يقوم بكل شىء حيث يترأس مجلس الوزراء والقمم الأمنية ويجتمع دوريا فى قصره بالمخاتير ورؤساء البلديات وجميعهم من الحزب الذى اسسه ويديره حتى اللحظة ، ولا يهم إذا كان الحاصل الفعلى يعصف بالدستور الذى رسم وحدد صلاحياته أم لا ؟



ولا يمر يوم واحد إلا ويفتتح مشروعات حتى وان لم تكتمل ( وهذا لا يسلط الضوء عليه ولا يجوز التعليق بشأنه ) ، فلا بأس من تذكير الشعب بها وأن الوعود تتحقق كاملة من أجله ، ويقود مؤتمرات بكل أنحاء البلاد وفيها يتم حشد المواطنين واستنفار الأجهزة المعنية على مدى الساعة حتى تخرج على الوجه الأكمل وبحيث تؤكد للخارج أن ملايين الأتراك يقفون وراء زعيمهم.



وبالطبع تنقل الوقائع على الهواء مباشرة ويعكف على إخراجها صناع ميديا على قدر عال من الحرفية ، إذ يملكون تقنيات مبتكرة تجسد وتضخم الحدث وتجعل من المئات وكأنهم آلاف، وتحتفى بها الأدبيات السيارة فى اليوم التالى تهليلا وتحليلا، وخارجيا يمثل بلاده بكل المحافل بدءا من اجتماعات الناتو مرورا بمجموعة العشرين وانتهاء بالجمعية العامة بالأمم المتحدة وغيرها من مناسبات لا يشاركه فيها رئيس وزرائه، ويقال والعهدة هنا على نائب معارض أن الأخير سيطاح به فى غضون الشهور القليلة المقبلة.



ومع كل هذا يعاود السعى بإستماتة إلى تقنين ما فى يده ، بنصوص دستورية واضحة وحاسمة ونهائية ، وعلى المشرعين أن ينتهوا من ذلك بأقصى سرعة ، فهو على ما يبدو لم يعد يطيق صبرا اكثر من ذلك، فقد مر أكثر من عامين على انتخابه رئيسا (أغسطس 2014 ) ومازال حلمه حبيسا فى مربعه الأول لا يبرحه .



وإذا كان الأمر يتعلق بالنصاب القانونى بالبرلمان (330 نائبا حتى يمكن اللجوء للإستفتاء ) ، فقد حان الوقت وعلى القوميين وتحديدا قائدهم دولت بهتشلى القومى المتشدد أن يرد الجميل ويكمل اعضاءه الباقى ( 316 هم نواب الحزب الحاكم)، فقبل اسابيع كان يمكن أن يطاح به وبأنصاره لولا نفوذه الجامح.



الرجل من جانبه لم يبد ممانعة ، فقط أراد منحه بعض الوقت ليمهد للأمر تدريجيا، وكى لا يتهم بأنه انقلب على نفسه مائة وثمانين درجة ، خاصة أنه سبق وأعلن مرارا وتكرارا رفضه بشدة أى تغيير يطول النظام البرلمانى المعمول به فى تركيا الكمالية ، فماذا حدث ؟



لقد مر بمحنة عظمى عندما تمرد عليه خصومه من حزبه وجمعوا عشرات التوقيعات وفقا للائحة الداخلية المعمول بها بالحزب لانتخاب قيادة جديدة لحزبهم، ولأنه انهزم شر هزيمة فى انتخابات نوفمبر المبكرة 2015، فطبيعى كما فى البلاد المتحضرة أن ينسحب مادام أخفق ، لكن بهتشلى باعتباره زعيم حزب بالعالم الثالث تمسك بالكرسى فبعده أين سيذهب ؟



فما كان من الساخطين إلا أن يلجأوا إلى القضاء الذى منحهم حكما مبدئيا ، بعقد مؤتمرهم الطارئ وكان عليهم ان يعقدوه فى مكان آخر ، بعد أن أوصدت وزارة الداخلية (مدفوعة بأوامر عليا) وبمبررات واهية أبواب الحزب أمامهم لدواع أمنية ، لكنهم اجتمعوا والتقوا بأحد فنادق العاصمة ، وخلصوا إلى قرارات بالدعوة إلى حتمية إجراء تغيير فى القيادات التى أخفقت وباتت عبئا يحول دون تقدم الحزب للامام ، وهنا أعلن «العجوز» بهتشلى ( الذى اجرى تغييرا لعدد من شرايين قلبه العليل ) رفضه بشدة منقضا على الأعراف الديمقراطية رغم تشدقه بها ليل نهار.وطبقا لما تناثر من معلومات مصحوبة بحكايات هى أشبه بقصص الأفلام يتداولها نشطاء خلسة فيما بينهم خشية من بصاصر النظام الذين جندوا لخدمة بهتشلى ، لجأ الأخير سرا إلى من كان ساعده وسنده قبل أن يغدر به وينشق عنه لينضم إلى العدالة الحاكم ، أنه تورجل توركيش ، وتجاوز عن اتهاماته السابقة له بالخيانة لمبادئ أبيه « توركيش آلب أرسلان» مؤسس الحركة القومية .



وسرعان ما رن هاتف بهتشلى ليأتى صوت يعرفه جيدا قائلا له أنت الآن فى الضياع ؟ فجاء رده خانعا مستسلما وفيه أبدى استعدادا لعمل كل ما هو صالح للوطن واستقراره وهو ما علق عليه معارضا، أن بهتشلى ومن أجل السلطة أعطى أخيرا الضوء الأخضر الذى من شأنه أن يصبح حلم أردوغان حقيقة واقعة.



وهكذا تدخلت الأجهزة لتحبط عقد المؤتمر الاستنثائى وبسرعة البرق تصدر محكمة التمييز حكمها النهائى ليطيح بالمعارضين الذين لو تمكنوا وتسيدوا الحركة القومية وقضوا قضاء مبرما ليس فقط على بهتشلى بل على كل طموحات ساكن القصر الابيض بضفاف أنقرة فى أن يصبح رئيسا بصيغة الإمبراطور.



وها هو رئيس الوزراء بن على يلدريم يؤكد تصميم حكومته على وضع دستور جديد للبلاد يضمن لها دوام الاستقرار السياسى والاقتصادى والسبيل الوحيد لذلك يمر من النظام الرئاسي، مدللا على ما شهدته تركيا عقب انتخابات 7 يونيو العام الماضي، وفيها لم تتشكل الحكومة حينها، ولو استمر الوضع الذى كان سائدا وقتها لما استطاع الاناضول مواجهة المنظمات الإرهابية.



لكن يلدريم تناسى أن رئيسه هو من عطل تشكيل الحكومة الإئتلافية بوضعه شروطا تعجيزية أمام الشعب الجمهورى الذى لم يجد مفرا سوى إعلان رفضه أن يكون شريكا فيها وتلك هى النتيجة التى أعد لها أردوغان البدايات كى تصل إلى الهدف المنشود.