أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الانفصال المتحضر
21 أكتوبر 2016
000;

أرجو من كل مقبل على الزواج أن يدقق فى اختيار عائلة شريك حياته، ويتعرف على مدى حبهم المال، وأتطلع الى أن يتحرك من بأيديهم الأمر لإصلاح وتقويم القوانين الحالية الظالمة التى تشجع الجشع لدى أهل المطلقة، وتضر الأطفال، وتربى أجيالا لا تصل الرحم،


فأنا شاب فى سن الخامسة والثلاثين، أقيم فى الخارج، وفى إحدى إجازاتى القصيرة تزوجت بطريق «الصالونات» من فتاة لم أعرف شيئا عنها ولا عن أسرتها، وأصر أهلها على أن يحصلوا على مهر كبير فى العقد لتفادى المصروفات الإدارية، وفقا لما قالوه لى وقتها، مع كتابة مؤخر صداق كبير، وكان منطقهم أنهم يريدون أن يضمنوا فى حالة طلاقى لها، وجود مال يكفيها للمعيشة والحياة، وقد وافق والداى وقتها على هذا الشرط على مضض.



وبعد عقد القران سارعت زوجتى إلى كتابة عنوان البيت الذى كنت أقيم فيه بالقاهرة، وهو عقار بناه ويمتلكه أبي، والمدون فى قسيمة الزواج، على بطاقتها الشخصية الجديدة لتتمكن من استخراج جواز سفر، واللحاق بى فى الخارج عقب الزفاف، ولم التفت لذلك حينها، وحينما جاءتنى فى البلد الذى أعمل به لاحظت بها عيوبا لا أطيقها كالكذب وحبها المال، والادعاء أمام الآخرين بثراء عائلتها على الرغم من أن ذلك غير حقيقي، وتعجبت من عقليتها التى تظن أن قيمتها أمام الناس مرتبطة بما قد تملكه من عقارات فى مصر أو فى الخارج، مما يدفعها الى التمادى فى الكذب، وبعد أن حملت فى طفلتنا طلبت منى أن يجيء والدها ووالدتها إلينا فى الخارج لمساعدتها فى عملية الولادة وما أن وطئت أقدامهما أرض البلد الأجنبى حتى اختلقت أزمات من أتفه المواقف، ومنها مثلا أنها لا يمكن أن تغسل الأطباق لأن ذلك ليس من مقامها، مع العلم بأن هذه الدولة ليس فيها أصلا «رفاهية الخدام» ولم يكن لدى أسرتها يوما أى خادم أو حتى مساعدة فى ترتيب المنزل!



وبعد أن رزقنا الله ببنت أصروا على العودة الى القاهرة، فرفضت فى البداية، ثم نزلت على رغبتها على أساس أنها سوف تعود إلىّ بعد ثلاثة أسابيع على أقصى تقدير، بحجة أنها فى حاجة الى فترة نقاهة فى بيت أسرتها، لكن ذلك لم يحدث، إذ راحت تتحجج بأسباب غير مقنعة لتبرير تأجيل عودتها إلىّ، وبمرور الوقت قررت أن أنهى عملى بالخارج لكى أكون قريبا من ابنتى التى لم أعد أعرف عنها شيئا، ولما جئت إلى القاهرة فوجئت برفضها الإقامة معى فى أى شقة مادامت غير مسجلة باسمها، وطال بعدها عنى الى عام ونصف العام، وهى مصرة على ذلك، ولكن ماذا أفعل، فحتى لو وافقت على تسجيل الشقة التى نسكن فيها، باسمها فإننى لن استطيع ذلك لأنها شقة أبي، ولما يئست من رفضها الدائم الرجوع الى شقتنا طلبت منها «الانفصال المتحضر»، بمعنى أن نتفق على الطلاق فى عقد ودي، مادامت تنفذ كلام والدها الذى يقدر المال أكثر من أى شيء آخر!



وكبرت ابنتى وبلغت عامين من عمرها، ولم أرها ولو مرة واحدة، وفوجئت بمطلقتى تتوجه الى قسم الشرطة وتدعى أنها تقيم معى فى الشقة وأننى طردتها منها، وتطلب تمكينها منها، وأكدت التحريات كذبها، وتم حفظ المحضر، وعرفت أن أهلها كانوا يهدفون من تطليقها إلى أن تتزوج من شخص كانت على علاقة به ويقيم فى الخارج!، ولم أجد سبيلا للحفاظ على ابنتى سوى رفع دعوى ضد مطلقتى لمنع ابنتى من السفر الى الخارج بصحبتها، وطلب رؤيتها، فحكمت لى المحكمة برؤيتها ثلاث ساعات أسبوعيا فى ناد عام!



وتعجبت من هذا الحكم فالطفل الذى لا يحتك بأبيه سوى هذه الفترة القصيرة يصبح معقدا نفسيا، وهناك ما يقرب من سبعة ملايين حالة مماثلة لوضع ابنتي، وهم ضحايا «قوانين ظالمة»، وأرجوك أن تتبنى إلغاء النظام العقيم المسمى «الرؤية»، فابنتى محكوم عليها ألا تعرف أهلها، ولا يمكنها أن تعرفنى أنا شخصيا ولا أخى ولا أختي، وهذا النظام يضر الطفل والأب أيضا، والأبوة فى النهاية معاشرة واحتكاك، فلماذا لا يتم وضع الطفل فى حالة الانفصال على قوائم الممنوعين من السفر تلقائيا لكى يضمن الطرفان عدم اختفائه، ثم يتم النص على استضافة والده له أسبوعا فى الشهر أو خلال فترات محددة، ولماذا تفعل ذلك دول ليست إسلامية مع أن صلة الرحم قيمة إسلامية فى الأساس، بل هى أمر إلهى فى القرآن الكريم؟.. ولماذا لا يتحرك أحد من المشرعين للطعن بعدم دستورية هذا النظام الذى يفكك العلاقة بين الطفل وأبيه؟ ولماذا لا يترك القانون للقضاة السلطة التقديرية فى الرؤية أو الاستضافة لكل حالة على حدة؟.. ثم هل الأب الذى يعمل فى الخارج، ولا يزور القاهرة سوى أيام معدودة يتعين عليه ألا يرى ابناءه سوى يوم الجمعة من الثالثة الى السادسة مساء؟.. ألا يكون الأفضل والأوفق أن يستضيفهم فى فترة إجازته؟ فبأى منطق وأى قسوة نسمح باستمرار هذا الوضع؟



إن تعديل القانون بحيث ينص على الاستضافة مع وجود ضمانات يحددها القاضى وليس الطرف الحاضن أو غير الحاضن، أمر سهل ويمكن أن يتحقق فى يوم واحد، كفانا كلاما ولغوا وعلينا إصلاح قانون الرؤية، وأرجوك أن تتبنى فى بريدك واسع الانتشار قضية الأطفال الذين يتيتمون وآباؤهم على قيد الحياة.





 ولكاتب هذه الرسالة أقول :



لكل النتائج التى ذكرتها فى رسالتك والتى ترتبت على زواجك السريع دون تريث، ننصح دائما بأن يتحرى الطرفان عند الزواج أسباب نجاح زيجتهما واستمرارها الى النهاية، واذا كانت الشريعة الإسلامية قد أباحت الطلاق بالمعروف، فإنها طالبت أيضا بمراعاة الأبناء، والتأكيد على حسن تربيتهم وتنشئتهم، ولن يتحقق ذلك فى ظل استمرار الضغائن بين الأبوين، ومحاولة كل منكما تدبير المكائد للآخر، ولقد ناقشنا هذه القضية كثيرا، وحان الوقت لوضع قانون جديد شامل للأحوال الشخصية تحدد فيه الضمانات التى تكفل حياة مستقرة لأبناء الطلاق، ويتمكن الأب والأم من القيام بدورهما تجاه أبنائهما دون أن يجور أحدهما على حق الآخر بالاستئثار بأبنائه دونه، وصار على الجهات المسئولة فى الدولة إقرار القانون لوضع حد لمآسى هؤلاء الأطفال.