أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
صناعة الأدوية من الداء إلى الدواء!
20 أكتوبر 2016
> أدارت الندوة ــ سحر عبدالرحمن > أعدها للنشر ــ علاء عبدالحسيب > تصوير: محمد ماهر

شارك فى الندوة:
> د. محمد رءوف حامد ــ أستاذ علم الأدوية بالهيئة القومية للبحوث والرقابة الدوائية
> د. محيى الدين عبيد نقيب الصيادلة
> د. على إبراهيم الأمين العام لاتحاد الصيادلة العرب
> د. على عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية
> محمود فؤاد مدير مركز الحق فى الدواء
> د. عبدالسلام نور الإسلام ــ نقيب صيادلة الأقصر


 



 



ارتفاع أسعار الأدوية أخيرا أمر أرهق الكثير فى مصر، ربما للظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد والتى عادت بالطبع سلبياً على الأوضاع المعيشية للمواطن، وربما أيضًا لكثرة انتشار الأمراض من حولنا، فأصبحت عملية توفير الأدوية لا تقل أهمية عن مطلب توفير المأكل والمشرب، وأمرًا ملحًا عليه أن يأخذ حيزًا كبيرًا من حسابات وخطط الحكومة المصرية التى اتهمها القائمون على الشأن الدوائى خلال «ندوة الأهرام» بأنها حكومة لا تمتلك رؤية سياسية واضحة لتطوير صناعة الأدوية، أو دعم شركات قطاع الأعمال التى تخضع لإشراف الدولة والتى تُركت فريسة سهله أمام الشركات الأجنبية ورجال الأعمال.



وأكدوا أن غياب هيئة عليا للدواء تُشرف على القرارات المهمة فى هذا الشأن، وتبحث بحرفية آليات حل المشكلات الطارئة كارتفاع الأسعار واختفاء الأنواع التى يتوقف عليها حياة عشرات المرضي، من الأسباب أيضًا التى زادت من حجم الأزمة، كما وضعوا حلولًا كثيرة قادرة - من وجهة نظرهم - على الخروج من هذا النفق المظلم الذى تكاد تنحدر إليه صناعة الأدوية، والعودة بالصناعة إلى سابق عهدها تكون قادرة على تغطية احتياجات السوق المصرية وتدخل كصناعة وطنية فى تنمية الدخل القومي.



الأهرام: ما أسباب ارتفاع أسعار الأدوية فى مصر.. وهل له علاقة بأزمة ارتفاع سعر الدولار؟



الدكتور على عوف، رئيس شعبة تجارة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية: أزمة نقص الأدوية هى ظاهرة عالمية، وليست فقط على مستوى مصر، لكنها زادت فى مصر خاصة بسبب الأوضاع التى طرأت على البلاد أخيرا، فمصر تستورد 95 % من مكونات الأدوية والخامات التى تدخل فى صناعة الأدوية، حتى الورق الذى يدخل فى التغليف والنشرات الموجودة داخل العبوات فنحن نقوم باستيراده، ولا شك أن أزمة الدولار الأخيرة تسببت فى زيادة الأزمة، كما أن «التسعيرة الجبرية» التى وضعتها الدولة تسببت فى خسائر الشركات القابضة مما تسبب فى تباطؤ إنتاج المصانع من الأدوية لأنها كلما أنتجت أكثر خسرت أكثر بحجة أن المريض غير قادر، ولا يمكن تحريك سعر الأدوية، وهذا يتطلب تفعيل منظومة التأمين الصحى وإيجاد مشروع مواز يعرض السعر المتاح، كعملية توزيع الألبان وماحدث بها من العروض المدعمة والسياحية الموجودة فى الأسواق، وهناك مراحل فى عملية التوزيع حيث وفرت وزارة الصحة عبوة لبن مدعم للأطفال بسعر 5 جنيهات لغير القادرين، ثم وفر الجيش عبوة موحدة بسعر موحد 30 جنيها للقادرين، ثم هناك العبوة السياحية أو غير المدعمة والموجودة بالصيدليات بسعر 60 جنيهًا وأكثر، وهذه المنظومة من المفترض أن تُطبق على عملية بيع وتسويق الأدوية، وعدم الالتزام بالتسعيرة الجبرية التى أدت إلى تراجع الإنتاج.



وأشار: بعد أن قام رئيس مجلس الوزراء بتزويد سعر الأدوية لـ20% بدأت صناعة الأدوية تتعافي، ومع ارتفاع سعر الدولار بدأت تتراجع مرة أخري، حيث إن هناك بعض الأدوية لم ترتفع قيمتها منذ أكثر من 20 عاما، فى ظل ارتفاع سعر الدولار يوما بعد يوم، مما تسبب فى خسارة كبيرة للشركات المنتجة للدواء، وهناك أدوية أيضًا لم يزد سعرها منذ عام 1995، وكان سعر الدولار وقتها 3 جنيهات، فى حين أن سعره الآن يتعدى الجنيهات العشر، حيث إن تعامل الدولة بنفس السياسة المتعلقة بعدم زيادة السعر سينتج عنه خسائر فادحة لمصانع الأدوية، وهناك 9 مصانع بالدولة خسرت 180 مليون جنيه العام الماضي، حيث إن ارتفاع سعر الأدوية، التى يقل ثمنها عن 30 جنيها، إلى 20% فى مصلحة المواطن والحكومة، إذ يحمى الدولة من الخسارة والاضطرار لوقف الدواء، وبالتالى تحمى المواطن من اللجوء للبديل الأعلى سعرًا، فلو زاد سعر الدواء 20% فلن يؤثر على المريض، فمثلا هناك أدوية سيزيد سعرها إلى جنيهين، أفضل من أن يلجأ لشراء البديل بأسعار مضاعفة.



المشكلة قديمة



الدكتور محيى الدين عبيد، النقيب العام لصيادلة مصر: مشكلة الدولة ليست جديدة وهى مشكلة من قديم الأزل حتى الدولار عندما كان منخفضًا كانت الشركة القابضة تحقق خسائر تصل لـ 180 مليون جنيه، ومن ثم بدأ تحريك الأسعار من قبل مجلس الوزراء وبدأت الشركات فى أخذ قبلة الحياة لكن سرعان ما ارتفع سعر الدولار، وابتلع أرباح تلك الشركات دون أن تكون هناك خطة عاجلة للتعامل مع الأزمة، فمصر ليست بها رؤية لتطوير المنظومة الدوائية، ومن المؤسف أن يكون لدينا 150 مصنعا وشركة لإنتاج الأدوية ويكون حجم صادراتنا للخارج 250 مليون دولار فقط، حيث إن مصر بدأت فى صناعة الدواء عام 1934، فى حين أن الأردن التى لا تمتلك سوى 7 مصانع فقط، تقوم بتصدير أدوية بـ 3 مليارات دولار للخارج، وتقوم بإنشاء وعمل مصنع لأدوية الأورام، حتى إسرائيل التى لدينا دائمًا عداء معها تقوم بتصدير أدوية إلى الخارج بـ 11 مليار دولار وبالتحديد للسوق الأفريقية، لكن مصر أصبحت لا تصنع دواءً، ولكنها تقوم بتعبئته فقط، مضيفًا أننا أمام مشكلة حقيقية لغياب الرؤية واحتياجنا لوزير صحة يفهم فى منظومة الدواء ويعجل فى إنشاء «هيئة عليا للدواء» تُشكل من مجموعة من المتخصصين، وكذلك سرعة حل أزمة ارتفاع سعر الدولار لعدم تأثر واردات مصر من الخامات الدوائية .



وأضاف أن أسباب نقص أنواع من الأدوية جاء بسبب غياب الإستراتيجية الواضحة لتطوير المنظومة، واعتماد مصر كليًا على الخامات من الخارج وعدم الاهتمام بهذا القطاع الاقتصادى الكبير الذى تستفيد منه عشرات الدول، وتحقق أعلى أرباح منه، لكن زيادة الأدوية كان من شأنها توفير النواقص وعدم اعتماده على المستورد من الأدوية وعدم تفاقم أزمة الدولار، المريض ليس له علاقة ولا ذنب فى مشكلات الدولة خاصة بعد زيادة أعداد النواقص، وقد أبلغت الشركات بوجود نقص كبير فى الخامات، هدفنا أن تكون مصر خالية من الأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية، وقد أصبحت منظومة غسل السوق للأدوية المحلية أمرًا حتميًا يسهم فى القضاء على الأدوية منتهية الصلاحية، مشيرا إلى أن هناك ثقافة سيئة للأسف ساعد فى انتشارها الطبيب نفسه، وهو التخوف من وجود أنواع الأدوية البديلة التى تتمتع بنفس الكفاءة والمادة الفعالة بها، حتى أصبح المريض لديه يتخوف من وجود بديل للنوع الذى يقره له الطبيب المعالج، وهذا الأمر هو تجارى «بزينس» يستفيد منه الطبيب ويروج لشركات بعينها، بناءً على صفقات واتفاقيات مشتركة بينه وبين هذه الشركات، وهذا الأمر ساعد على زيادة تفاقم أزمة ارتفاع الدولار.



وأوضح أن النقابة قدمت العديد من المناشدات والخطابات لمجلس الوزراء للعمل بالاسم العلمى للدواء، وآخرها للجنة الصحة فى مجلس النواب، ولكن رئيس اللجنة قال إن القرار يحتاج لمناقشة ودراسة، مؤكدًا أن هذا القرار سيحل مشكلة نواقص الأدوية وأسعارها لعدة أسباب أولها أن الدواء المصرى آمن وفعال، وثانيًا لأن لكل دواء أكثر من مثيل بنفس التركيز والكفاءة والفاعلية، أما فيما يخص البسطاء ومحدودى الدخل، فسيكون عليهم فقط سؤال الصيدلى عن البديل الأرخص فى حالة ارتفاع سعر الدواء، حيث تلقت النقابة حتى الآن 199 صنفًا ناقصًا فى المستشفيات والصيدليات الأهلية وتمت صياغتها وإرسالها بخطاب رسمى للدكتور مجدى مرشد، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، ويجرى إعداد قائمة بباقى النواقص التى نتلقاها، مشيرًا إلى أن وزير الصحة يحتاج إلى أن ينظر إلى حجم استثمارات الأدوية فى مصر بعين الاعتبار والتى وصلت إلى 40 مليار جنيه .



وأضاف نقيب الصيادلة أن مصر بدأت صناعة الدواء مع الهند والآن أصبحت الهند تصدر المواد الخام للولايات المتحدة الأمريكية أما فى مصر فأصبحت الأردن هى التى تورد لنا أدوية الأورام والسعودية المراهم والمضادات الحيوية، وهذا يدل على غياب تام للاستراتيجية المحددة، مشيرًا إلى أن هناك أزمة فى نواقص بعض الأدوية منها أصناف عاجلة يجب توافرها باستمرار داخل المستشفيات والصيدليات الأهلية من الممكن لبعض العمليات أن تقف بسبب عدم توافر أمبول أو محاليل طبية، ومن هنا خاطبنا المستشفيات لإرسال قائمة بالنواقص المهمة لإرسالها لمجلس الوزراء لتوفير هذه النواقص، حيث إن هناك لجنة مُشكلة فى وزارة الصحة باسم لجنة نواقص الأدوية من المفترض أن يتركز دورها على بحث نواقص الأدوية وتوفير بدائلها خاصة العاجلة منها، إلا أنه فى الفترة الأخيرة انحصر دورها فى إرسال مخاطبات بالفاكس للمستشفيات للاستعلام عن حالة النواقص فقط، ولكن دورها كلجنة وزارية داخل وزارة الصحة توفير هذه النواقص، الحل الحقيقى لأزمة النواقص هو تطبيق الاسم العلمى للدواء بدلاً من الاسم التجارى لتسهيل توفير البدائل الفعالة، خاصة أن كل صنف موجود له أكثر من مثيل ولو طبقنا الاسم العلمى سنجد أن 70 أو 80% من نواقص الأدوية موجودة بمصر، وهذا الأمر يحتاج فقط لقرار ، ولن يكلف الدولة شيئًا.



الأهرام : وما هو مستقبل الدواء فى مصر فى ظل هذه الأزمات؟



الدكتور محمد رءوف حامد أستاذ علم الأدوية بالهيئة القومية للبحوث والرقابة الدوائية: فالحقيقة أزمة الأدوية هى ليست وليدة الساعة فى عام 1933 تم إنشاء معمل أدوية كان بمنزلة أول محاولة مصرية لإنتاج أدوية ذات مواصفات نمطية وكانت أول محاولة لانشاء صناعة دواء وطنية كانت لبنك مصر عندما أنشأ شركة مصر للمستحضرات الطبية وأعقبها تأسيس شركة ممفيس الكيمياوية، وقد كانت صناعة الدواء فى عام 1952 تغطى 10% من حاجات البلاد بينما كان الباقى يتم تغطيته من الاستيراد لأنواع أخرى من الأدوية بربحية لا تقل عن 65% مما دفع حكومة الثورة إلى تخفيض سعر البيع على الأدوية المستوردة بنسبة 15% وقد ضاع إثر هذا التخفيض نتيجة تحايل المستوردين برفع قيمة فواتير الاستيراد ثم تشكلت بعدها لجنة بقرار من وزير الصناعة للنهوض بصناعة الدواء والتى نتج عن أعمالها استصدار قرار جمهورى بإنشاء الهيئة العليا للأدوية وتبعها تكوين لجنة تنفيذية لتصنيع الأدوية مشكلة من اللجنة العليا للأدوية ووزارة الصناعة لدراسة إنتاج الخامات الدوائية، تقرر بعدها قصر استيراد الأدوية على الهيئة العامة للأدوية وكذلك قصر توزيع الأدوية المستوردة والمحلية على المؤسسة المصرية لتجارة الأدوية وقد تمكنت الدولة عن طريق ذلك من تخفيض أسعار بيع الأدوية المستوردة وألبان الأطفال بمقدار 25% وكان الإنتاج المحلى وقتها يغطى حاجات البلاد بنسبة 28 % والتى بلغت المتطلبات وقتها 14 مليون جنيه .



وأضاف الدكتور رءوف: تأممت بعدها صناعة الدواء وتبع ذلك إنشاء المؤسسة المصرية العامة للأدوية لتكون مسئولة عن توفير الدواء سواء بالإنتاج أو الاستيراد، ثم تم بعدها إنشاء شركات القاهرة والإسكندرية والنيل والعربية للأدوية وتختص جميعها بإنتاج المستحضرات الدوائية، وتلا ذلك افتتاح أول شركة لإنتاج الخامات الدوائية وهى شركة النصر للكيماويات الدوائية بأبى زعبل كما تم إنشاء شركتين لتجارة الأدوية وهما الجمهورية لتجارة الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية وشركة المصرية لتجارة الأدوية وتلاها بعد ذلك افتتاح مركز الأبحاث والرقابة الدوائية لكن فى كل مرة فى هذه الإجازات كانت خطة الإنشاء تقليدية لما قبلها دون النظر فى تطوير خطوط إنتاج حديثة تتواكب مع العصر والتطورات من حولنا وكذلك بيئة الأمراض الموجودة والسوق الخارجية، ومع الانفتاح الاقتصادى تم إلغاء المؤسسة المصرية العامة للأدوية وأنشئ بدلًا منها المجلس الأعلى لقطاع الدواء والذى اقتصرت مهامه على أمور تخطيطية وسياسية وكانت البوادر الأولى للانفتاح فى عام 1974 قد شهدت الموافقة المباشرة من رئيس مجلس الوزراء على قيام مصنع أدوية أجنبى برأسمال أجنبى كامل وقد افتتح هذا المصنع باسم شركة سكويب الأمريكية مما انخفض نصيب صناعة الدواء الوطنية فى تغطية احتياجات السوق المحلية من 84% إلى 80.4% خلال 3 سنوات، ثم عادت بعدها المؤسسة المصرية العامة للدواء للوجود تحت مسمى جديد وهو «هيئة القطاع العام للأدوية».



ورغم تاريخ هذه الصناعة الوطنية الكبيرة فى مصر فإن هناك «تقليدا» فى الاستراتيجية المتبعة وغيابا تاما للإدارة الدوائية وأصبح تدهور قطاع الدواء فى مصر يحتاج إلى مجلس أعلى للدواء بدلًا من الهيئة يدير وينظم عملية اتخاذ القرار ويتيح الفرصة للشركات المصرية للتطوير ويبتكر طرقًا لإنشاء منافذ إنتاج والحد من الاستيراد المتكرر للأنواع التى من الممكن إنتاجها داخل مصر، للنهوض بالقطاع ومواكبة عصر الصناعة كباقى الدول التى أدخلت التطوير فى صناعة الأدوية ببلادها، فعلى سبيل المثال أدخلت الأردن الصناعة عام 1989 وقامت بتطويرها حتى أصبحت من الدول المصدرة، وذلك لغياب الرؤية الواضحة فى تطوير هذه الصناعة، فصناعة الدواء تتميز بخصوصية مهمة وهى اعتمادها الدائم والمستمر على البحث والتطوير بحيث يطلق عليها صناعة قائمة على العلم، أو صناعة ناتجة عن البحوث وهى فى ذلك تختلف عن صناعات أخرى يقل فيها الوزن النسبى للمكون البحثى التطوير مثل صناعات البناء أو النسيج أو الصناعات الغذائية، ويتعلق المكون البحثى التطويرى فى صناعة الدواء فى كل الأبعاد التنكنلوجية لهذه الصناعة وباعتبار المستحضرات الدوائية ذات قيمة مضافة عالية فإن تكنولوجيتها سريعة التأثر بالتقدم العلمى العالمي، حيث يعتمد تصميم أدوية جديدة على مدى معرفة التداخل بين الدواء والنسق البيولوجى وكلما توصل علماء الكمياء والفسيولوجى إلى معرفة نقاط محددة لهذا التداخل أمكن إحداث تحويرات فى تصميم أدوية تتفاعل مع هذه النقاط بطريقة تؤدى إلى تغير مسارات خلوية فى اتجاه مستهدف علاج مرض أو تغيير وظيفة من وظائف الجسم .



وأضاف الدكتور رءوف: تعتمد صناعة الدواء فى وجودها واستمرارها على البحث والتطوير فإن هذا الاعتبار قد تلاشى فى مصر منذ أواخر الستينيات وجرى التركز أساسًا على التقدم الأفقى المتمثل فى زيادة عدد المصانع لتغطية الاستهلاك المحلى طبقًا لسياسة «من يده لفمه»، ولم يحدث انتباه إلى أن الصناعة القائمة ليست أكثر من دمج صناعى للمواد الخام طبقًا لطرق ومواصفات معروفة عالميًا، وأن ذلك أمر سهل ومحدود القيمة المضافة أى محدود الربحية ولا يمثل صناعة دوائية حقيقية.



وأشار: من السلبيات المثارة حاليًا فى مصر بشأن قطاع الدواء الارتفاع غير السوى للاستهلاك نتيجة عمليات الترويج، تركيز شركات القطاع الخاص على مزاحمة شركات القطاع العام فى المجموعة الدوائية التى تنتجها والابتعاد فى الوقت نفسه عن الأدوية المهمة والحساسة مثل أدوية أمراض السرطان والأوردة ومستحضرات التشخيص التى لا يزال يتم استيرادها، الإفراط فى تسجيل الأدوية المتشابهة ذات التوزيع الواسع مثل المضادات الحيوية والفيتامينات وأدوية السعال والمسكنات وخلافها الارتفاع المطرد فى أسعار الادوية، دخول بعض الشركات العالمية لشراء الشركات القائمة، وتغيير نسبة المسهمين فى الشركات المشتركة وميلها إلى ملكية كاملة للجانب الأجنبى هذا بالإضافة إلى تأخر درجة نمو صناعة الخامات الدوائية عن الصناعة التشكيلية، وضعف نشاط البحوث والتطوير المتصل بنمو وتطوير المنتجات والعمليات الانتاجية، وتأخر إنشاء بنية أساسية للتكنولوجيا الحيوية داخل الصناعة الدوائية، وكذلك غياب رؤية قومية لتنمية الصناعة الدوائية تكنولوجيًا .



وأكد أستاذ علم الأدوية أن من آليات تطوير المنظومة عمل التحالفات الاستراتيجية بين الدول العربية والأجنبية فى إطار مشروعات بحثية وتسويقية على أن يكون هدف التحالفات اكتساب قدرات تطويرية فى مجالات التكنولوجيا العالمية الجديدة، مثل تصنيع المواد الخام والتشكيل الصيدلى المتطور، الاهتمام بالتكنولوجيا الحيوية، ثانيًا إنشاء مركز بحوث قطاع خاص من التحالف بين شركات الدواء والبنوك العربية وبتسهيلات من الحكومات القائمة على أن يدير هذا المركز بحوث تطويرية وأساسية موجهة طويلة المدى يكون هدفها عمل اختراق بحثى يعين الصناعات الدوائية العربية على التعامل مع التطورات الجذرية فى التكنولوجيات الدوائية ومن الضرورى أن تجرى أعمال المركز من خلال المشروعات والتعاقدات بحيث يكون له عائد مادى يتم توزيعه على المسهمين فيه، وبحيث يُجرى تطبيق إنجازاته البحثية بواسطة الشركات المسهمة فى إنشائه، ثالثًا تنسيق التنافسية العربية وتحقيق مايمكن أن يطلق عليه «عوربة» صناعة الدواء فى المنطقة بحيث يأخذ فى الاعتبار تكامل الاتجاهات التكنولوجية مثل التشكيل الصيدلى التكنولوجيا الحيوية التشييد الكيميائى على المستوى العربى مع إتاحة التنافس داخل كل اتجاه ذلك، الاستفادة القصوى من الفترة الانتقالية قبل تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية، ويكون ذلك بتنمية القدرة التطويرية الوطنية خاصة فى مجال التكنولوجيا الحيوية والذى يشكل حاليًا هدفًا رئيسيًا للاستثمارات الدوائية ويعتبر ولا يزال نسبيًا فى بداياته، مشيرًا إلى أن أزمات الأدوية ليست وليدة الساعة، وإنشاء «مجلس أعلى للدواء» أصبح ضرورة للنهوض بالقطاع.



تصحيح المسار



الأهرام: وما هى الرؤية التى يمكن من خلالها تصحيح مسار منظومة الدواء؟



قال محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء: الحقيقة نحن فى مشكلة حقيقية خاصة أن هناك 8% من سكان مصر من أسر مُعيلة لا يملكون تغطية صحية، ولدينا مرضى يعانون نقص الأدوية وتدهورت حالتهم بسبب غياب بعض الأدوية رغم أنهم أصحاب أمراض مستعصية، ففى آخر 5 سنوات أصبح قطاع واحد هو المستفيد والمحتكر لسوق الدواء، بناءً على أرباحه ومصالحه الشخصية واستحوذ على هذه الصناعة الحيوية على مرأى ومسمع من الجميع، وقام فى حماية الحكومة برفع الأسعار.. لكن السؤال هل هناك دراسة وافية تم تقديمها لرئيس مجلس الوزراء لتقييم قرار رفع أسعار الدواء .. أم أنه تم اتخاذ هذا القرار مجازًا وتحت قيود بعينها تخدم مصالح أيضًا بعينها؟, حيث إن صناعة الأدوية فى مصر مشروع قومى كبير منتج وليس عبئًا على المواطن، الحكومة أصبحت لا تجد حلًا سوى وضع يدها فى جيب المواطن لابد أن تضع حلولًا للابتكار وتطوير منظومة الأدوية فى مصر والاستفادة من هذه الصناعة، ولابد أن تكون عند الحكومة إرادة، فالألبان بدأت أزمتها فى 2008 عندما بدأت الحكومة تقييد دعم ألبان الأطفال فى ظل زيادة أعداد الأطفال التى تعتمد على هذه الألبان، لا بد من تقعيل قانون التأمين الصحى ووضع سياسات واضحة تمنع ظاهرة اختفاء الأدوية من الأسواق ومنع احتكار هذه السوق الكبيرة لمصلحة تجار البيزنس ورجال الأعمال.



وأضاف: مصر تستورد ما يزيد على 95% من مكونات صناعة الدواء من الخارج، وبالتالى تتأثر بارتفاع أسعار العملات وتوجد أزمة متمثلة فى تفاوت أسعار الدواء والتى انتشرت بسبب غياب لجان التسعير، وغياب لوائح عقاب الشركات التى تمتنع عن إنتاج الأصناف الدوائية بحجة الخسارة، وهناك أيضًا عدم وجود سياسات دوائية واضحة تعتمد على توفير الأدوية الحيوية وفقا لخريطة معروفة وواضحة للأمراض المنتشرة والعصرية وتعتمد عليها الوزارة لتوجيه شركات الدواء لتصنيع الأدوية المطلوبة مع توفير امتيازات لهذه الشركات، حيث إن وزارة الصحة منوط بها حماية صحة المصريين بحكم الدستور ويجب أن تنشئ إدارة للتنبؤ بالأزمات وإدارتها، فعملية تصنيع الدواء من بداية استيراد المادة الخام وتحليلها وتصنيعها وتوجهها لشركات التوزيع الى وصولها للمستهلك عملية تستغرق نحو أربعة أشهر إذن يمكن التنبؤ بالأزمة متى ستحدث، وإدارتها بشكل جيد، ولا بديل عن تطبيق قانون التأمين الصحى لأنه سيحل معضلة الاسم العلمي، مما سيؤدى لدخول جميع الشركات المنافسة مصرية وأجنبية مما سيخفض أسعار الدواء. وهناك ب600 مليون جنيه أدوية منتهية الصلاحية تُباع وتُشترى على صفحات الفيس بوك لتغيير تاريخ الإنتاج، وعلى الدولة أن تلزم الشركات المنتجة لهذه الأدوية بسحبها من الأسواق ومنع بيعها مرة أخرى للمواطن.



سمعة الدواء



الدكتور على إبراهيم الأمين العام لاتحاد الصيادلة العرب: سمعة الدواء المصرى فى الأسواق الخارجية طيبة، 20 مليارا حجم استثمارات الأدوية فى مصر، هناك ظاهرة انتشار الأدوية المغشوشة ومجهولة المصدر فى مصر فى ظل فوضى كبيرة وصلت لحد اللعب فى أسعار الأدوية والشطب على الأسعار الجبرية، شركات الأدوية تتحمل جزءا كبيرا من أزمة ارتفاع الأسعار واختفاء بعض أنواع الأدوية، فللأسف مصر ليس بها «رقم وطني» للأدوية وهو أبسط الحقوق التى يجب أن تتمتع بها الصناعة المصرية بالخارج، تلك الصناعة الأقدم فى الوطن العربي، وهو رقم ينظم حركة بيع وتجارة الأدوية فى العالم وهو متوافر فى كل دول العالم، وكان من الواجب أن تقوم مصر بتشكيل لجنة من الخبراء فى شئون الدواء لبحث وضع رقم وطنى للأدوية وذلك للحفاظ على الملكية الدوائية، الأزمة فى وجود استراتيجية كاملة للدواء فى مصر لمنع ظاهرة الغش، واختفاء الأنواع وكذلك دعمه بنسبة 50% لتوفيره للمواطن البسيط مثله مثل رغيف الخبز، فهناك حلول كثيرة وأفكار متنوعة فى تطوير منظومة الدواء وإنقاذ الشركات الوطنية التى ابتلعتها الشركات الخارجية.



وأضاف: ظاهرة غش الأدوية تعتبر من الظواهر الخطيرة التى تهدد صحة الملايين فى العالم، حيث إن خبراء منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والأدوية الأمريكية يقدرون حجم الخسارة التى يتعرض لها الاقتصاد الدولى فالصناعة الدوائية هى صناعة كبيرة تدخل فى دعم وتنمية الدخل القومى للبلاد، وتهتم بها الكثير من الدول العظمي، فهناك 40 مليار جنيه حجم استثمارات الأدوية فى مصر منها 15 % أدوية مزورة ومغشوشة فى مصر، وقد تم وضع الحلول الاستراتيجية للتعامل مع هذه الأزمات من قبل الاتحاد العام للصيادلة العرب، ولكن لم يفعلها أحد وقد قدمنا مقترحات لوزارة الصحة حول مواجهة أزمة ارتفاع أسعار الأدوية واختفاء بعض الأنواع من السوق المصرية، والحقيقة التى لا يعلمها الكثير أنه ليس من العقل أن نعلق كل أخطائنا على الدولار، فالحلول كثيرة وهناك مستفيدون من وجود أزمات فى صناعة الأدوية.



{ الأهرام: وكيف نواجه التسيب الذى تشهده سوق الدواء؟



عبدالسلام نور الإسلام نقيب صيادلة الأقصر: وجود مجلس أعلى للدواء أصبح أمرًا مهمًا وأصبح الهدف الرئيسى الذى تسعى إليه نقابة الصيادلة الآن، لأنه سيعمل على تصحيح مسار صناعة الأدوية فى مصر، والجميع من الحضور متفقون على أن هناك تعمّدا فى هدم قطاع الأعمال الخاصة بالأدوية، وجعله ساحات للصراعات، بالإضافة إلى غياب البحث العلمى فقطاع الأعمال كان فى الفترات السابقة يتميز بالجودة والعالمية فى الصناعة بسبب تضافر الدولة لدعمها، وربطها بالبحث العلمى والذى ساعد على حماية الملكية الإنتاجية، حيث إن هناك غياب السياسة فى التعامل مع الأزمات فعندما حدثت أزمة نقص ألبان الأطفال غابت رؤية الحكومة فى التعامل مع الأزمة، وتركت الجيش يقوم كالمعتاد بالتعامل مع الأزمة والعمل على حلها، رغم أن ما قام به الجيش ليس أمرًا صعبًا، وكان متاحًا أمام معظم الشركات المتخصصة، فلا بديل عن تطبيق منظومة التأمين الصحى وتطبيق التسعيرة الجبرية على المستلزمات الدوائية وألبان الأطفال لمنع التلاعب فى أسعارها.



وأشار إلى أنه لابد أن تدعم الدولة قطاع الأعمال لضمان «مصرية» الدواء وربطها بالبحث العلمي، كما أن الالتزام بالتسعيرة الجبرية أعطى المريض البسيط الحق فى صرف العلاج، فهناك قرارات اتخذتها الحكومة خاصة بالأدوية حيث قامت بحظر بيع بعض الأنواع فى الأسواق واقتصار بيعها داخل المستشفيات مما أعطت الفرصة للمتلاعبين به، وفتحت أبواب الفساد بين العاملين داخل هذه المستشفيات، رغم أن هذه الأنواع كانت فى منافذها بالصيدليات منذ عشرات السنين، كذلك بالنسبة لأزمة المحاليل.. كيف لدينا أزمة ولدينا مصانع كبرى كمصنع النيل، وشركة النصر؟.. فهناك خط إنتاج محاليل مُعطل بشركة النيل تتوقف عودته للعمل على موافقات وإجراءات من وزارة الصحة وهذا أمر مخز تمامًا لزيادة معاناة المرضى بسبب نقص المحاليل فسوء الإدارة هو سبب أزمات الأدوية فى مصر، فهناك تسيب غير عادى فى سوق الدواء المصرية.