أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
أن تكون مثقفا عربيا اليوم!
5 أكتوبر 2016
◀ بقلم: أحمد عبدالمعطى حجازى

يوم الأحد المقبل ينعقد فى القاهرة الملتقى الثقافى المصرى- اللبنانى الذى تنظمه صحيفة «الأهرام» هى و«جمعية الصداقة المصرية اللبنانية لرجال الأعمال» حول «العلاقات الثقافية المصرية اللبنانية: التاريخ والمستقبل»، وقد كنت مدعوا للمشاركة فى هذا الملتقى ولرئاسة الجلسة الثانية من جلساته التى سيكون موضوعها هو «معنى أن تكون مثقفا عربيا اليوم»، لكنى اضطررت قبل بضعة أيام للسفر إلى فرنسا فى رحلة كانت مقررة ومعدا لها من قبل، ولهذا اعتذرت آسفا عن المشاركة فى هذا الملتقى الذى كنت أتمنى المشاركة فيه، فأنا أعرف لبنان وأحب لبنان، ورأيت أن أعوض عن حضوره بكتابة هذا المقال.

سأبدأ بتحية واجبة للذين فكروا فى عقد هذا الملتقى الذى أعتقد أنه كان ضرورة غائبة أو منسية، لأن عقده الآن يذكرنا بتاريخ نحتاج لأن نتذكره، ويفتح الطريق لمستقبل نحتاج لأن نتهيأ لدخوله.

والتاريخ الذى يجب أن نتذكره يتلخص فى عبارة و احدة هى أن النهضة العربية بدأت بالنهضة المصرية، وأن النهضة المصرية بدأت بالعلاقات الثقافية بين مصر ولبنان.

فى كل مجالات النشاط الأدبى والفنى فى مصر كان المثقفون اللبنانيون حاضرين، وكانوا فى كثير من هذه المجالات مؤسسين، فى الصحافة أنشأوا «الأهرام»، و«الهلال»، و«روز اليوسف»، ونقلوا «المقتطف» من بيروت إلى القاهرة، وفى الأدب كان للشاعر خليل مطران ـ شاعر القطرين ـ دوره المؤثر فى الحركة الشعرية المصرية، خاصة فى حركة التجديد الرومانتيكية، وفى المسرح كانت بداية هذا الفن على أيدى أديب إسحق، وسليم ومارون نقاش، وأنطون الخياط، ومن بعدهم جورج أبيض، وفى الموسيقى كانت الرحلة التى قام بها سيد درويش لمدن لبنان وسوريا ميلادا جديدا له وللموسيقى المصرية التى اغتنت بأصوات المطربين اللبنانيين والسوريين، وكما شارك اللبنانيون فى هذه الفنون شاركوا فى السينما وفى غيرها من صور النشاط الثقافى الذى مارسوه من منطلقين اثنين: الأول أنه نشاط جامع يتسع لمن يمكنه أن يشارك فيه من المثقفين العرب أيا كان بلده، والآخر أنه مدخل للنهضة العربية التى بدأت من الثقافة ومن مصر، لكنها تتجاوز الثقافة إلى غيرها من المجالات، وتتجاوز حدود مصر إلى ما حولها من الأقطار العربية.. وهنا يجب أن أذكر بالدور الذى لعبه الأمير اللبنانى بشير الشهابى فى مشروع محمد على الذى بدأت به النهضة المصرية والعربية، كما يجب أن أشير أيضا إلى أن العلاقات الثقافية المصرية - اللبنانية كانت وجها مشرقا لعلاقات أوسع تحققت فى ميادين أخرى شارك فيها المهاجرون اللبنانيون الذين تدفقوا على مصر بين أواسط القرن التاسع عشر وأواسط العشرين.

غير أن الأحداث والتطورات التى شهدتها مصر ولبنان والمنطقة خلال العقود الأخيرة لم تساعد هذا النشاط على أن يتواصل. وربما كان لها تأثير سلبى فيه. المناخ السياسى الذى ساد مصر بعد حركة يوليو العسكرية لم يكن يسمح بالنشاط الحر، لا فى الثقافة، ولا فى غير الثقافة.أما فى لبنان فقد اختلفت وتضاربت مواقف اللبنانيين من حركة يوليو ومن الشعارات التى رفعتها والسياسات التى اتبعتها فى مختلف القضايا خاصة فى القضية الفلسطينية، ووصل الاختلاف والتضارب إلى حد التصادم بين الأحزاب والطوائف اللبنانية المختلفة.

والذى حدث فى لبنان حدث فى غير لبنان، وانتهت هذه الأحداث بالانقلابات العسكرية التى توالت فى المنطقة وبهزيمة يونيو وما تلاها فى السبعينيات والثمانينيات من أحداث فاجعة منها الحرب الأهلية اللبنانية، والحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية السودانية، وغيرها وغيرها من الأحداث التى تراجع فيها مشروع النهضة وثقافة النهضة وأحزابها وجماهيرها ليحل محلها البديل الوهابى الإخوانى السلفى، ولتصل أوضاع المنطقة إلى ما وصلت إليه فى السودان، ثم فى سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن.

من هنا أصبحنا فى أمس الحاجة لإحياء حركة النهضة، وإحياء ثقافتها.. وهذا هو المشروع الذى أتمنى أن يتبناه هذا الملتقى، وأن يكون أول خطوة فى الطريق إليه، فالمصريون واللبنانيون هم آباء النهضة العربية وهم روادها الأوائل، وليس معنى هذا أن المطلوب هو إعادة إنتاج النهضة الأولى، وإنما المطلوب هو الانتفاع بخبراتنا فى النهضة الأولى لنبنى عليها ونضيف إليها ونشرك الأطراف العربية التى أصبح لها فى العمل الثقافى تجارب مرموقة، وخاصة فى بلاد المغرب العربى والخليج.. وهنا نصل إلى موضوع الجلسة الثانية من جلسات الملتقى التى كنت أتمنى أن أشارك فيها: معنى أن تكون مثقفا عربيا اليوم.

فلنبدأ بالصفة الأولى: أن تكون مثقفا، ما معنى أن تكون مثقفا؟ معنى ذلك أن تكون قادرا على التفكير الموضوعى فى القضية التى تتصدى لها، وأن تكون مستقلا غير خاضع فى الرأى الذى تراه، والحكم الذى تصدره إلا للحق الذى يجب عليك أن تصدع له وتقف إلى جانبه وتدافع عنه، كما دافع سقراط، وفولتير، وإميل زولا، وجان بول سارتر، وبرتراند رسل عن الحق كما عرفوه.

فإذا انتقلنا للصفة الأخرى أصبح المطلب صعبا، لأن كونك مثقفا عربيا خصوصا فى هذه الأيام، معناه أن تشهد على هذا الواقع العربى الراهن شهادة الحق، أى أن تكون خصما لكل المشاركين فى صنعه بالقول وبالفعل، وبالعلم وبالجهل، ومعنى هذا أن تكون وحيدا تماما، وأن تكون هدفا سهلا لكل ما تغضبه شهادتك أو تزعجه وتخفيه وتهدد سلطته التى اغتصبها معتمدا على الخدم وشهود الزور وعلى المثقفين الموظفين.

أن تكون مثقفا عربيا اليوم، معناه أن تتعرض لما تعرض له فرج فودة، ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبوزيد، وإسلام بحيري، وأحمد ناجى وسواهم فى مصر، وما تعرض له محمد محمود طه فى السودان، وعبدالقادر عللولة، والطاهر جاووت فى الجزائر، وأخيرا وليس آخرا ناهض حتر فى الأردن.

هذه هى إجابتى على السؤال الصعب.. وسوف أتابع إجابات الأساتذة المشاركين.. ولعلى أتمكن من الدخول فى الحوار الذى سوف يدور.