أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الصناديق الخاصة مالها وماعليها؟ (3)
5 أكتوبر 2016
عبد الفتاح الجبالى

تناولنا خلال المقالين السابقين الأوضاع المالية والإدارية والاطر القانونية المنظمة لعمل الصناديق والحسابات الخاصة، والآثار المختلفة المترتبة عليها (إيجابيا وسلبيا)، والتى أهمها ترك الملايين من الجنيهات تحت تصرف هذه الجهات دون رقابة حقيقية،
الامر الذى أدى الى هدر كبير فى هذه الموارد وسوء الاستخدام، ناهيك عن مخالفتها للمبادئ الأساسية للموازنة العامة خاصة الشمولية والعمومية. مع التأكيد ان هذا القول لا ينطبق على الجميع فهناك جهات تقوم بأدوارها على الوجه الصحيح وتسهم كثيرا فى تحقيق الأهداف المنوطة بها، والبعض الآخر على العكس تماما. وبالتالى يجب ألا نضع الجميع فى سلة واحدة فالمسألة ليست بالسهولة والبساطة التى يتحدث بها البعض خاصة بعد ان تشعبت هذه الظاهرة وشملت العديد من المجالات خاصة التنموية والتعليمية والصحية. ولذلك لم يعد من المنطقى الاكتفاء بالنسبة التى تحصل حاليا من هذه الصناديق والتى تتراوح مابين 10% و15% من ايراداتها، بل ان الامر يتطلب دراسة الموضوع برمته بحيث نضع الآليات السليمة والمناسبة للتعامل معه بما يضمن تحقيق الاهداف المنوطة به، ويساعد على تحقيق متطلبات الشفافية لكل بنود الموازنة ومصادر التمويل وكذلك تعميق المفاهيم المحاسبية للإدارة المالية السليمة، وضبط التدفقات النقدية فى الخزانة العامة بما يعزز من مفهوم وحدة الموازنة لإحكام ضبط الإنفاق العام فى المجتمع.وأصبح التساؤل هو كيف يمكن التعامل معها ؟ هنا يطرح البعض ضرورة ضمها جميعا الى الموازنة العامة، وسن تشريع جديد يتم بمقتضاه تعديل القانون بحيث ينص بشكل صريح على ضم هذه الصناديق الى الموازنة مع تثبيت كل العاملين بها على الباب الأول (وهو المشروع الذى تقدم به بعض أعضاء مجلس الشورى فى نوفمبر 2012 ويتبناه بعض أعضاء مجلس النواب الحالى). وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأى فإنه يؤخذ عليه العديد من الأمور، أولها ان هناك بالفعل المئات من هذه الصناديق والحسابات بالفعل داخل الموازنة، ثانيا ان هناك صعوبات فى ضم بعضها إما لأنها منشأة بموجب اتفاقيات دولية تشترط فتح حساب خاص لمراقبة ومتابعة أوجه الصرف او تمويل صندوق بعينه لأنشطة محددة مثل المراكز البحثية فى الجامعات او مكتبة الإسكندرية او صناديق تؤدى خدمات محددة مثل مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا. وعلى الجانب الآخر تعتمد بعض الصناديق على تبرعات وهبات ووصايا من المواطنين والذين لا يرغبون فى تقديمها للخزانة العامة لعدم ثقتهم فى العمل الحكومى ويرون الأفضل تقديمها لهذه الجهات مباشرة وبالتالى فسوف يتوقف هذا المصدر تماما حين ضمها للموازنة مثل مركز الكلى بجامعة المنصورة او مركز مجدى يعقوب للقلب وغيرهما الكثير.

ولهذا فقد أحسن قانون ربط الموازنة رقم 8 لسنة 2016 صنعا حين استثنى حسابات المشروعات البحثية والمشروعات الممولة من المنح والاتفاقيات الدولية والتبرعات وحسابات الإدارات الصحية والمستشفيات وصناديق تحسين الخدمة الصحية ومشروعات الإسكان الاقتصادى من ايلولة 15% من الإيرادات الشهرية للخزانة العامة وكان القانون رقم 19 لسنة 2013 استثنى هذه الجهات من توريد نسبة 25% من ارصدتها فى نهاية يونيو 2013 الى الخزانة العامة

عموما فإن الأمر يتطلب وضع أطر محددة للتحرك لحل هذه المشكلة وذلك عن طريق العمل على محاور عديدة، منها التأكيد على ضرورة الالتزام بنص القانون رقم 193 لسنة 2006 بعدم فتح أى حسابات او صناديق خاصة خارج البنك المركزى، على ان يكون الانشاء بقرار من رئيس الجمهورية.

وعلى الجانب الآخر يجب حظر صرف أموال هذه الصناديق او الحسابات فى غير الأغراض المخصصة لها او المنشأة من اجلها وذلك وفقا للأطر والنظم واللوائح المالية المعتمدة من وزارة المالية. يضاف إلى ما سبق ضرورة تفعيل دور المراقبين الماليين ومديرى الحسابات بالوحدات الحسابية المختلفة (التابعين لوزارة المالية) مع وضع الضوابط التى تحكم عملهم وذلك عن طريق عدم حصولهم على أى مبالغ مالية من هذه الجهات. مع عدم جواز عضوية أكثر من مجلسين او لجنتين لإدارة هذه المشروعات.

ومن اهم الآليات التى يمكن الاعتماد عليها فى هذا الصدد تطبيق نظام إدارة المعلومات المالية الحكومية (GFMIS ) الذى يقوم بميكنة كل العمليات الموازنية ويضمن الشفافية ومراقبة الإنفاق والموارد ويوفر البيانات الدقيقة لصانع القرار.

كل هذه الأمور وغيرها تتطلب مراجعة الأطر القانونية للمشروعات الإنتاجية او الخدمية المقامة بالجهود الذاتية او المنبثقة من حساب الخدمات والتنمية المحلية والممولة من خارج الموازنة العامة. وهو ما يدفعنا للمطالبة بتشكيل فريق عمل من لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ووزارة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات والبنك المركزى ووزارتى التعليم العالى والتنمية المحلية وبعض الخبراء للنظر فى الأطر القانونية واللوائح المالية والنظم المحاسبية والرقابية المنظمة لعمل هذه الصناديق بغية النظر فى القانون الحالى وتعديله بما يتلاءم مع الأغراض المنشئة له ووضع لائحة مالية موحدة تتطبق على الجميع. وهنا تجدر الإشارة الى ان قانون الخزانة الموحد يعانى مشكلتين أساسيتين، أولاهما انه سمح لوزير المالية استثناء بعض هذه الجهات او الشخصيات الاعتبارية العامة من الانضمام لحساب الخزانة الموحد وسمح لها بفتح حسابات باسمها او باسم الصندوق والحسابات الخاصة التابعة لها خارج البنك المركزي، وهو استثناء لامحل له من الاعراب فى هذه الحالة، حيث يفتح الباب على مصراعيه لوزير المالية للتحكم فى هذه المسألة، فإذا كان لابد من هذا الموضوع فيجب ان تنتقل السلطة الى مجلس الوزراء وليس الوزير.

وعلى نفس المنوال فقد اعطى القانون المذكور لوزير المالية الحق فى منح عائد على هذه الاموال لبعض الجهات دون غيرها، وفى هذا تفرقة لا معنى لها وتعطى لوزير المالية حقوقا كثيرة وقدرة على التحكم، وبالتالى فالأصل فى الاشياء ان تحصل هذه الجهات على العائد دون تفرقة.