أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
حافظ إسماعيل: لن نقبل بسيادة ناقصة أو اتفاق مؤقت
3 أكتوبر 2016
عبدالجواد توفيق
السادات متحدثا إلى كيسنجر

«نصيحتى للرئيس السادات أن يكون واقعيًّا فنحن نعيش فى عالم الواقع ولا نستطيع أن نبنى شيئًا على الأمانى والتخيلات والواقع أنكم مهزومون فلا تطلبوا ما يطلبه المنتصر لابد أن تكون هناك بعض التنازلات من جانبكم حتى تستطيع الولايات المتحدة أن تساعدك» كانت هذه نص الرسالة التى حملها حافظ اسماعيل مستشار الأمن القومى للرئيس أنور السادات فى فبراير 1973 من هنرى كيسنجر بعد اللقاء الأول مع إسماعيل والذى تم فى واشنطن .


وتلقى السادات رسالة من كيسنجر وطلب منه أن يختار من يمثله لإجراء مباحثات مباشرة مع الولايات المتحدة وكان السادات بالفعل قد أعد إسماعيل للقيام بهذه المهمة.




وقاد حافظ إسماعيل جانبًا مهمًا من الاتصالات السرية مع الجانب الأمريكى ومع بداية عام 1973 قام بإبلاغ الجانب الأمريكى بالرؤية المصرية وهى أن مصر لن تقدم على أى صلح منفرد بعيدا عن الدول العربية.



وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن حافظ إسماعيل مارس ضغوطًا قوية من خلال اتصالاته بكيسنجر حيث بعث إليه برسالة فى الأول من فبراير 1973، محذرًا من أنه فى طريقه إلى إجراء محادثات مع الاتحاد السوفيتى وأن مصر ستتخذ قرارات لا رجعة فيها إذا لم يحدد موعد اللقاء بينهما وكان أول اجتماع سرى بين كيسنجر وحافظ إسماعيل فى 25 فبراير 1973 وفوجئ إسماعيل بمقترحات من كيسنجر تدعو مصر إلى تقديم تنازلات جسيمة فأكد له أنه على الرغم من حرص مصر على التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع العربى الإسرائيلى فإن ذلك لا يعنى السلام بأى ثمن وأبدى استياءه من هذه الأفكار وقد أدرك كيسنجر أن إسماعيل لم يأت إلى الولايات المتحدة وسيطًا وإنما ليوجه إليها إنذارًا دقيقًا ورغبة فى تسوية خلال عام 1973 ورفضا لاى اتفاقً مؤقتً مثل الإنسحاب من قناة السويس ما لم يشكل جزءًا من مخطط كامل يطبق على مراحل وفى أقصر مدة ممكنة.



وتأكد السادات عدم وجود أمل فى جذب اهتمام الولايات المتحدة دون الذهاب إلى الحرب لذا فقد حان وقت الصدمة كما قال السادات لقد حان الوقت لإحياء الخيار العسكرى حرب أكتوبر 1973 والذى أوصل الأمر إلى مرحلة اليقين مادار فى اجتماع اسماعيل – كيسنجر الثانى فى باريس.



ففى 20 من مايو 1973 كان اللقاء الثانى فى باريس وبعد مباحثات مطولة ليرفض خلاله الصياغة المرنة التى يريدها كيسنجر لأنها ستؤدى حتمًا إلى نفس نتائج القرار 242 مالم تحصل مصر على موقف أمريكى محدد ومكتوب لتأييد «السيادة المصرية» ولكن كيسنجر رفض هذا أو أى التزام حول الحدود الدولية لمصر .



كما تمت مناقشة المشكلة الفلسطينية حيث أصرت مصرعلى أن السلام النهائى مع مصر رهن بحلها كذلك مسألة توازن القوى التى تمارسها الولايات المتحدة لمصلحة إسرائيل بالإضافة إلى التعاون النووى فيما بينهما والتمويل الأمريكى لهجرة اليهود السوفيت وتوطينهم فى الأراضى العربية المحتلة عام 1967. كان إسماعيل يرغب فى التوصل إلى صياغة مقبولة لربط تسوية نهائية واتفاق مرحلى ولكن كيسنجر لم يكن يقبل بغير مبادئ مرنة و فصل السيادة عن اعتبارات الأمن وهذا ما رفضه إسماعيل من سيادة مهلهلة كما أن مصر ليست على استعداد أن تعرض نفسها لعزلة دائمة بسبب اتفاقية مؤقتة أو مفاوضات طويلة الأمد.



خلال هذه الفترة ادار حافظ اسماعيل معركة دبلوماسية وأمنية فى إطار خطة الخداع الإستراتيجى لحرب أكتوبر وشكل مع مجموعة من أمهر الرموز والعقول الدبلوماسية المصرية خلية أزمة تعاملت باحترافية مع كل معطيات ومتغيرات المعركة دبلوماسيا فى توضيح دوافع مصر من الحرب وأنها استنفدت كل الطرق السلمية لتحرير أرضها دون جدوى فى ظل الصلف الإسرائيلى وعدم المبالاة الأمريكية ومحاولة فرض إرادة المنتصر دون الإلتفات إلى مطالب مصر والعرب واستطاعت مصر وحافظ اسماعيل حشد التأييد العالمى لعدالة القضية المصرية ومواجهة الادعاءات الإسرائيلية على مستوى العالم فى واحدة من أهم معارك الدبلوماسية المصرية لتكون على مستوى الأداء الرفيع الذى حققته القوات المسلحة فى اقتحامها خط بارليف والعبور إلى سيناء وتحقيق المفاجأة وأصابت العدو الإسرائيلى بالذهول والترنح.



محمد حافظ إسماعيل صاحب الملامح الحادة والوجه الذى لايشى ويفصح عما بداخله متماشيا مع عمله كدبلوماسى ورجل أمن استحق به ان يوصف بأنه صندوق أسود ومستودع الأسرار وقليلا ما يبتسم ولد فى أول نوفمبر عام 1919 بالقاهرة وتخرج فى الكلية الحربية عام 1937 وتخرج فى الأكاديمية العسكرية ببريطانيا عام 1939 وفى نفس العام تولى قيادة وحدة مدفعية ضمن تنظيم القوة المصرية المكلفة بتأمين الدفاع بمرسى مطروح فى أثناء الحرب العالمية الثانية وعمل مدرسًا بكلية أركان الحرب ومساعد للملحق العسكرى بواشنطن قبيل ثورة 1952 ثم عمل مديرًا لمكتب المشير عبد الحكيم عامر 1953 - 1960 ويعتبر الخبير الأول فى مفاوضات صفقة الأسلحة التشيكية فى عام 1955، والتى كانت بمنزلة نقلة نوعية فى تسليح الجيش المصرى الحديث.



كما عمل سفيرًا لمصر فى كلٍ من لندن وروما وباريس وموسكو و وكالة الخارجية ثم عُين وزير دولة برئاسة مجلس الوزراء ثم وزير دولة للشئون الخارجية المصرية فى مطلع الستينيات وفى عام 1970 عُين حافظ إسماعيل رئيسًا للمخابرات العامة المصرية ثم وزير دولة فترك المخابرات بعد نحو ستة أشهر من توليه المنصب ثم اختاره الرئيس السادات لمنصب مستشار الرئيس للأمن القومى فيما بين عامى 1971 و1974. واستطاع ان يجمع تجربته الطويلة فى كتاب هو مذكرات حافظ إسماعيل بعنوان « أمن مصر القومى فى عصر التحديات « ويتناول المعارك السياسية والعسكرية التى خاضتها مصر فى عهدى عبد الناصر والسادات على صعيد المواجهة مع الأخطار الخارجية من خلال رصد هذه المواقف عبر حرب 1948 وحرب 1956 ثم حرب اليمن فى الستينات وحرب 1967 وحرب أكتوبر 1973 من اسباب هذه الحروب وكيفية مواجهتها على الصعيد المصرى إيجابياتها وسلبياتها والظروف السياسية التى أحاطت بها وذلك فى إطار اتصالها بالأمن القومى المصرى



يقول حافظ اسماعيل «منذ نوفمبر ومع إبرام اتفاقية النقاط الست – التى أفسحت المجال لإمداد مدينة السويس والجيش الثالث بحاجاتهما المعيشية – تراجع إسهامى فى المهام التى أصبح على قيادتنا السياسية الاضطلاع بها وفى منتصف فبراير 1974 غادرت مكتبى فى قصر عابدين وانتهت مهام مستشار الرئيس للأمن القومي»



ثم عين عام 1974 سفيرًا لمصر لدى الاتحاد السوفيتى ثم سفيرًا لمصر لدى فرنسا عام 1976 حتى عام 1979 ليتوارى عن الانظار حتى وفاته فى 2008