أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الناصريون وتحدى الاستمرار
28 سبتمبر 2016
أحمد عبد الحفيظ
الزعيم الراحل جمال عبدالناصر

تعددت المناسبات التى حضرت فيها صور جمال عبد الناصر وشعارات ثورته وتجربته لتظلل حركة الجماهير العارمة بطول البلاد وعرضها بدءًا بانتفاضة يناير 1977، ضد قرارات رفع الأسعار،مروراً بالانتفاضتين الجماهريتين فى يناير 2011 ضد حكم مبارك، و30 يونيو2013 ضد حكم الإخوان.


وفى جميع الظروف والأحوال عجز الناصريون عن الاستفادة بهذا الزخم الجماهيرى، سواء بأن يطرحوا أنفسهم بصفتهم قيادته الطبيعية، أو حتى بمجرد الاستفادة به لتقوية ودعم تيارهم السياسى قبل تحوله إلى حزب ثم أحزاب، كما فشلوا فى التعامل معه بعد حصولهم على الترخيص بتأسيس حزبهم الديمقراطى العربى الناصرى بطريقة تعينهم على بناء الحزب وخلق حاضنة جماهيرية حقيقية له، ربما لو جدت لمنعت انشقاقاته اللاحقة، التى أنتجت حزب الكرامة كحزب منافس قوى، وحزب الوفاق القومى كمجموعة صغيرة، إلى جانب مجموعات صغيرة أخرى لم تحصل على ترخيص حزبى.



ولاشك ان هذا العجز يرجع إلى أسباب عديدة منها ما يخرج عن إرادتهم شأن جميع القوى السياسية الأخرى والمتمثلة فى الطبيعة غير الحزبية للنظام السياسي، الذى أراد مجرد ديكورحزبى شكلى ربما يصلح للتصدير الخارجى، حتى برغم عدم جودته، بأكثر مما يطلب لدور حقيقى فى فاعليات النظام السياسى داخل البلاد، فضلاً عن أن النظام السياسى المنقلب على ثورة عبد الناصر وتجربته قد شن على الرجل وتجربته وإنجازاته حملة ضارية غير مسبوقة فى تاريخ النظم السياسية، هجمة استدعى لها أعتى أعداء الرجل وتجربته وعلى رأسهم «الأخوان المسلمون» ومكنهم من جميع منابر الرأى العام لتشويه الرجل وثورته وتجربته بكل الوسائل، بما فيها التكفير الدينى والوطنى والسياسى.



بجانب هذه الأسباب الخارجة عن إرادة الناصريين وقدرتهم على المواجهة توافرت أسباب أخرى يتحملون مسئوليتها بالكامل. لقد عجزت أجيالهم ومجموعاتهم عن إدارة خلافاتهم الطبيعية فى إطارالتعدد والتنوع فى الرؤى والمواقف وتوزيع الأدوار السياسية، فى إطار التواصل والتكامل بديلاً عن التصارع والشقاق. وعجزوا عن إدراك حقيقة أن الحزب السياسى الرسمى لا يمكن أن يكون حزباً ثورياً يسعى لتغيير نظام الحكم، كما لا يمكن أن ينجح فيما لو استمر فى مجرد إنتاج معارضة مبدأية تقوم على مجرد أفكارعامة سواء أيدلوجية أو حتى سياسية، وهو العجز الذى كان أهم عوامل الشقاق على الأخص على المستوى الجيلى بين الجيل الأقدم القادم من تجربة إدارة الدولة بكل متطلباتها وضغوطها وتوازناتها، والجيل الأحدث القادم من خارج جميع الأطر المؤسسية الرسمية وغير الرسمية، والتى نضجت تجربته على أرضية المواجهة الحادة مع سلطة الدولة ومؤسساتها وسياساتها.



كما عجز الجميع فى كل المراحل عن بناء تنظيم حزبى يمتلك ولو الحدود الدنيا لما يستحق هذا المسمى، وعن الاستغلال الأمثل لما تحصلوا عليه من موارد مالية، أو إبداع وسائل تمويل تمنحهم القدرة على التحرك الفعال لاستقطاب ما يقدرون على استقطابه من جماهير المناصرين والمؤيدين وفرز الأعداد اللازمة من الكوادر القادرة على القيادة والتوجيه.لقد أدى هذا العجز إلى إغلاق قنوات التواصل الحقيقى بين الناصريين وجماهير عبد الناصر الكبيرة التى تمثل مخزونهم الإستراتيجى الطبيعى. لكن الأهم هو تحدى الاستمرار وهو الجزء الذى نستهدفه بهذا المقال.



لقد تلاحمت فى شخصية عبد الناصر صورة البطل التراجيدى شبه الأسطورى، وهى صورة خالدة ستظل تخالط المخيلة الشعبية إلى آلاف السنين المقبلة.وقد التحمت هذه الصورة مع صورة القائد الثورى التاريخى الذى تجسدت فيه آمال أمته فى مرحلة تاريخية محددة بشكل غير مسبوق باليقين، وغير ملحوق على الأقل فى مدى زمنى غير محسوب، ومعهما اندمجت صورة السياسى الذى يتجاوب ويتكيف مع جميع الظروف والأوضاع إلى درجة يمكن ان تقترب من البرجماتية السياسية، وإن ميزها درجة رفيعة من النزوع الأخلاقى اللائق بمن جمعها مع الصورتين السابقتين.



وعلى أرضية السياسى الثورى المرن فقد تغيرت تكتيكات ومواقف عبد الناصر وتبدلت طبقاً للظروف والأوضاع دون أن يتخلى لحظة عن مبادئ ثورته، وخصائص تجربته. فما بين السنوات القليلة التى سبقت وتلت هزيمة 1967، وجدنا عبد الناصر يؤكد للملك فيصل، أنه على استعداد لتسليمه اى مسئول مصرى يثبت ضلوعه فى أى محاولة مضادة لنظام الحكم السعودى لمحاكمته فى السعودية، ويقرر للرئيس اليوجسلافى تيتو، شريكه فى تأسيس وزعامة حركة عدم الإنحياز، أنه لا يستطيع إدانة الغزو السوفيتى لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، بشكل مباشر وصريح، ليس لأن الاتحاد السوفيتى هو من يقوم بعملية إعادة بناء القوات المسلحة استعداداً لإزالة آثار العدوان، وإنما لأن جزءا من وطنى محتل، بما يعنى أن استقلالى أصبح منقوصاً، فلا يمكنك أن تطالبنى بموقف يقتضى الاستقلال الكامل، وهو من تقدم بطلب إنضمام لحلف وارسو ليكون شاهداً على مدى مرونته فى مواجهة ظروف النكسة، وليكون رفض الحلف للطلب هو الشهادة النهائية لنوعية الرجل الذى يعرف أصدقاؤه وأعداؤه معا مدى استعصائه على التبعية والانقياد.



الناصريون فى السابق قصروا معارضتهم على أرضية المبادئ والأفكار العامة، وليس بنطاقها الناصرى وحده، وإنما فى إطارها العام الذي جمعهم مع قوى سياسية أخرى ذات اليمين وذات اليسار، كثير منها معاد لعبدالناصر وثورته وتجربته. ورفض الناصريون ـ أو لم يستطيعوا ـ إنتاج معارضة سياسية فعالة تأخذ فى اعتبارها مجمل التغيرات التى أحدثتها سياسات النظام السياسى المنقلب على عبد الناصر.



يستطيع الناصريون اليوم ان يتركزوا فى اتجاهين قائمين بالفعل على الأرض. أحدهما يجسده حزب الكرامة وآخرين يعتقدون أن معارضة سياسات الرئيس السيسى هي الموقف الناصرى الصحيح. وإذا استطاع هؤلاء أن يقدموا للجماهير معارضة تنتمى إلى الصورة الثالثة من معالم شخصية عبد الناصر ومشروعه السياسى، فسوف يحققون مكسباً هائلاً، وهم يتمتعون بإمكانات هائلة لو أحسن توظيفها لأمدتهم بقدرة كبيرة، فهم يقفون على أرضية شرعية 25/30، وليس خارجها، ولا يدعون للثورة عليها، ويقودهم حمدين صباحى بتاريخه العريض وقدراته المميزة، ومعه معظم رموز الحركة الناصرية الممثلة لجيل السبعينيات، والقادمة من رحم نضال طويل بدأ بالحركة الطلابية وإستمر لنحو اربعين سنة حتى هبة يناير الجماهيرية وحتى اليوم. وهم اليوم مدعومون بألوف الشباب من الأجيال الجديدة الناصرية والحليفة من نتاج حراكى 25/30 الجماهريين.



الاتجاه الثانى يمثله االحزب الديمقراطى العربى الناصرى االقادم من رحم دولة عبد الناصر، وهو بقيادته الحالية حزب مؤيد وداعم للرئيس السيسي ومجمل سياساته، ويمكنه تجميع الاتجاه الناصرى المؤيد للرئيس، والذى يضم أشتاتاً متفرقة من الناصريين.



وإذا تمكن الناصريون من بلورة هذين الموقفين- حتى مع تعارضهما الظاهر- فسوف تكون إجابتهم حاضرة وواضحة على سؤال مدى قدرتهم على تحدى الاستمرار بالمسيرة الناصرية، وبلورة وجود ناصرى فاعل ومؤثر فى قادم الأيام، يستلهم جانبا مهما من توجهات مسيرة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.