أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
لبيك اللهم لبيك
9 سبتمبر 2016
مكة المكرمة : أنـــور عبد اللطيف

رأيت الكواكب تدور حول الشمس فى ساحة الكعبة من الدور الثالث، حين احتضنت هذه البقعة الكوكبية الفريدة مهرجانا كونيا بديعا وصل ذروة عبقريته مطلع فجر اليوم ، حين امتلأ عن آخره بالطائعين والملبين والخائفين والمتحررين والمستقوين والمستضعفين واللائذين والمهمومين والحائرين.


ملايين الحجاج فى ساحات الحرم لا مكان بينهم إلا للطائفين والركع السجود، كل الابواب مفتوحة مباشرة على رحمة الله، ملبين مهللين ومكبرين،مترجلين أو قاعدين أو محمولين أو حاملين، دافعين أو مدفوعين، بدت دوائر الطواف الأربع بعد اكتمال المطاف الجديد لناظرى بين قباب السطح الثلاث من فوق توسعة الملك فهد أروع ما طلع عليه فجر، بدوت كمن يحلق فوق أطهر بقعة تظلها سماء. أشاهد الكرة الارضية تدور حول نجمها الاعظم ومركزها الأبدى منذ خلق الله الارض والبيت الحرام ملاذا للناس وأمنا، ومنذ رفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل، ثم دعوة رافع القواعد بالبشرى بأن يبعث الله من ذريته رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.



فشهدت ساحات المسجد الحرام الحالة الوحدوية الوحيدة فى هذا الزمان، التى تهفو إليها قلوب المسلمين، شعث غبر محرمين أو متمتعين ،اجسامهم كتلة واحدة تدور حول مركزها وكعبتها بعد ان اغتسلت أخذت زينتها ليوم الحج الأعظم فى حلتها الجديدة بحضور خادم الحرمين الشريفين .



بينما بقيت حواف هذه الساحة ترسم لوحات ساكنة حول ترس يدور بإيقاع واحد يموج بالحركة الداخلية التى تأخذ اشكالا من التنوع البديع فى الوان الشعوب والقبائل والطوائف والنحل ، شكلت فيه النساء العنصر الحاسم فى رسم صورة البهجة الإيمانية بأغطية الرؤوس المتنوعة بتنوع بعثات القادمين من كل فج عميق، تفرقها الشارات وتزينها ملابس الإحرام والرايات وطريقة تشابك الأيدى فى مجموعات لونية وحركية ناطقة بالحياة فى اشكال غير ثابتة، فكل مجموعة لونية من المجموعات السياحية أو العرقية أو الثقافية تأخذ أحيانا شكل كتلة تبدو أنها صامتة ومصمتة تدور حول مركزها، لكنها لمن يتأملها سرعان ما تتحول فى امواج محيط الطواف الهادر إلى دائرة أو قوس أو خط مستقيم او هلال، وبرغم هذه الحركة المتغيرة أو التغير الحركى الذي اراده بديع السماوات والارض طريقا للأمة الواحدة من شعوب وقبائل تعارفوا وتآلفوا، فإن قوى البغى وتفتيت المفتت تريدها رمزا للفرقة ودعوة لليأس والإحباط وهو التربة المناسبة لوضع الخرائط الجديدة لتقسيم المنطقة موضع التنفيذ.



تأملت المشهد والجوهر الإيمانى الذى فطر على الوحدة. إياك أن تحاول اختراق اى وحدة لونية من وحدات كتلة الطواف أو كسر نظام تماسكها. ستلفظك وتطردك شر طردة تعرفهم بسيماهم تفرق الأندونيسى عن الباكستانى عن السنغافورى عن التونسى من شاراتهم ، وهنا ممنوع الاختراق ، وكأنك شهاب شارد تحاول كسر تماسك هذه الحركة لان السماح باختراقها يهدد بتشتتها وضياعها وتشرد أجزاء كبيرة أو شرود أحد أبنائها فى هذا المحيط البشرى المتلاطم.



ومن سطح الحرم يبهجنى تقاسيم صوتية بديعة على تسابيح وتراتيل فى الدعاء الذى تردده كل مجموعة بطريقتها ولحنها المميز ونطقها الفريد للغة العربية. من الدور الثالث تأتيك أدعية تدور كلهاحول (ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) بلحن واسع وممتد ومستريح موزع على مسافة لحنية اطول طولها بين اليمانى والحجر الأسعد تزيد على 200 متر، ونفس الدعاء الذى يتناهى أليك من الدور الأول ساحة الكعبة الذى يتكرر فى إيقاع أسرع فى مسافة لا تزيد على 12 مترا هى عرض المسافة بين الركنين، وعلى خط البداية أو النهاية وما بينهما من وقفات الانتباه والتحية أسمع التسبيح الخالد.. سبحان الله ولا قوة إلا بالله.



وغالبا ما تكون الدقة الحركية واللونية والالتزام الصارم مرتبطة بالبعثات التى تزور الكعبة من بلاد بعيدة حيث تشكل هذه الزيارة نقطة فارقة فى حياة الإنسان المسلم لا تأتى إلا مرة فى العمر فلابد ان تؤدى المناسك بالمسطرة كما يقول الكتاب.



اسمع صوت مجموعة من نيوزيلندا وهى تردد خلف حاديها (أهبك يا رهمن أخشاك يا هنان أهواك يامنان) فترد مجموعة من أندونيسيا (ربنا يا رهيم اجعلنا من عبادك الصالهين)، وبينما يتحرك مجموعة من حجاج الصين فى خفة سرب من الطيور، وتنتظم خطوات فيلق نيجيرى متشابك الايدى فى تماسك قطيع من الافيال وكل منهما يدعو الله بقلب خاشع وباللغة العربية التى يعرفها، وهذا التنوع فى اللهجات والألوان التى يتضرع بها حجاج البيت الحرام يكشف عن سر خلود هذا الاسلام. هو مهما تنوعت اللهجات واللغات ولو بدا كل حاج كوكب خاص به فإن الدين واحد والله واحد بلا وسطاء ولا أوصياء، اللهم اشف الأمة الاسلامية من الفتن ونقها من أمراء الوصاية على العقيدة، ولاتجعل مصيبتنا فى تعدد فهمنا لمناسكنا وديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم الهمنا رشدنا، اللهم إنى أعوذ بك ان أظلم أو أظلم أو أعتدى أو يعتدى على، اللهم آمنا فى أوطاننا وقنا شر الكسل وكراهية العمل ونعوذ بك من غلبة الدين وشماتة الأعداء.