أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
فى تونس .. هل هى حكومة وحدة وطنية أم توســــيع للائتلاف ؟
23 أغسطس 2016
كارم يحيى

بإعلان رئيس الحكومة المكلف في تونس يوسف الشاهد عن تشكيل مجلس الوزراء الجديد يصبح بالامكان محاولة اختبار مدى النجاح الذي حققته مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي في 2 يونيو الماضي بالدعوة الى حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات وهي التي حددتها وثيقة قصر قرطاج الرئاسي في 13يوليو :كسب الحرب ضد الارهاب ..و تسريع نسق التنمية الاقتصادية ..ومقاومة الفساد ..و تنفيذ سياسة اجتماعية فعالة تراعي الجهات المحرومة والمهمشة .والوثيقة وقع عليها تسعة احزاب وثلاث منظمات كبرى للمجتمع المدني يتصدرها الاتحاد العام للشغل ( العمال )، أكبرها ثقلا وعضوية وأعرقها في التاريخ الوطني للبلاد .


ولاشك ان تونس عاشت على وقائع مخاض تشكيل هذه الحكومة . وراقب التونسيون مع ردود فعل متفاوتة ومتناقضة محطات هذا المخاض على مدى أكثر من شهرين ونصف الشهر من إعلان المبادرة الرئاسية ووثيقة قرطاج الى تصويت البرلمان بعدم تجديد الثقة لحكومة الحبيب الصيد في 30 يوليو الى تكليف الرئيس السبسي في 3 أغسطس القيادي الشاب في حزب حركة نداء تونس ووزير الادارة المحلية في حكومة الصيد يوسف الشاهد (41 عاما) بتشكيل الحكومة الجديدة ،والتي تعد التاسعة بعد ثورة الياسمين ( يسمبر / يناير 2011).



ومع كل هذه المحطات وغيرها عرفت تونس جدلا مفتوحا في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حول ما أصبح مؤكدا من ثقل أكبر لرئيس الجمهورية في النظام السياسي، وعلى خلاف ما قصده المشرعون في الدستور الجديد(24 يناير 2014 ) من تبني نظام برلماني معدل أو مختلط .



ولكن على أي حال وبعد نحو 17 يوما من القيل والقال والمفاوضات العسيرة مع الأحزاب والمنظمات والشخصيات العامة أعلن يوسف الشاهد تركيبه حكومته المكونة من 40 عضوا (26 وزيرا و14 كاتب دولة وهو منصب بمثابة وزير دولة أو نائب وزير) . ولفت في إعلانه الى حصتين معتبرتين للشباب (14 بينهم 5 تقل أعمارهم عن 35 سنة ) والمرأة (8 هن 6 وزيرات وكاتبتا دولة). كما لفتت الصحف التونسية الى الإبقاء على تسعة وزراء من حكومة الصيد . والأهم هنا ان ثلاثة من وزراء السيادة الأربعة تم الإبقاء عليهم (وزراء الداخلية والخارجية والدفاع) فيما جرى تغيير وزير العدل.



أما قراءتنا لتشكيلة الحكومة التونسية الجديدة برئاسة الشاهد فتخلص الى الملاحظات التالية ، وبعضها لا يخلو من دلالات وتبعات إقليمية :



أولا .. زادت النهضة من حصتها في الحكومة الى ثلاثة وزراء وثلاثة كتاب دولة .وهم: زياد العذاري وزيرا للصناعة والتجارة بعدما كان في حكومة الصيد وزيرا للتشغيل والتكوين (التدريب) المهني .. وعماد الحمامي الذي حل محله وزيرا للتشغيل و وزير تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي أنور معروف ، علاوة على سيدة الونيسي كاتبة دولة للتكوين المهني والمبادرة الخاصة و خليل العميري كاتب الدولة لدي وزير التعليم العالي والبحث العلمي المكلف بالبحث العلمي و كاتب الدولة لدي وزير تكنولوجيا الاتصال الملكف بالاقتصاد الرقمي الحبيب الدبابي.وعلما بأن النهضة كان لها حقيبة وزارية وحيدة في حكومة الصيد الأخيرة ووزير واحد وثلاثة كتاب للدولة في حكومة الصيد الأولى. ويمكن القول على ضوء حجم تمثيل النهضة في الحكومة ونوعية المناصب التي حصلت عليها أنها ستبقي الى حد كبير غير مؤثرة في صياغة السياسة الخارجية للدولة ، وخصوصا أنها من اختصاصات رئيس الجمهورية ووزير الخارجية.



ثانيا .. انخفض تمثيل حزب نداء تونس في مناصب الحكومة من ثمانية وزراء كما كان عليه الحال في حكومة الصيد السابقة (وحيث تم الغاء منصب كتابة الدولة) الى 4 وزراء كانوا بالأصل في الحكومة (وزراء الخارجية خميس الجهيناوي والتربية ناجي جلول و النقل انيس غديرة والسياحة سلمي اللومي) علاوة على اربعة كتاب دولة. وهو توجه يرضي الأحزاب الأخرى ويوازن الاخلال بتوقعات النهضة خاصة .وهذا لكون رئيس الحكومة هذه المرة من «النداء » .



ثالثا .. خرج حزب «الاتحاد الوطني » خالي الوفاض من مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة .فلم يحصل على منصب واحد في الحكومة الجديدة..وكان يستحوذ على أربعة وزارات في السابق. وله في البرلمان 12 نائبا ويحتل موقع الكتلة الخامسة . وحقيقة فان هذا الخروج من تشكيلة الحكومة لأحد أركان الإئتلاف الرباعي الحاكم بعد انتخابات 2014 يفتح الباب أمام توقعات بأن تحصل الحكومة الجديدة على تأييد برلماني أقل عن حكومتي الصيد السابقتين .وهذا خصوصا اذا أضفنا حقيقة ان الكتلة البرلمانية الثالثة (الحرة) التي تمثل حزب حركة مشروع تونس المنشق عن النداء بقيادة محسن مرزوق تحل ككتلة ثالثة في البرلمان (25 مقعدا) .,وقد قاطعت مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة واعترضت هي والجبهة الشعبية اليسارية ( الكتلة الرابعة في البرلمان بـ 15 مقعدا) على تكليف الشاهد بتشكيل الحكومة . .



رابعا ..على الرغم من اعلان الاتحاد العام للشغل (كبرى النقابات ومنظمات المجتمع المدني واكثرها تأثيرا) التمسك بموقفه التاريخي من الامتناع عن المشاركة في الحكومات لكن تشكيل الحكومة الجديد جاء باسمين من قيادات الاتحاد مما قد يسهل تنفيذ اتفاقات المفاوضات الجماعية حول حقوق العمال والأجور ويهدئ من وتيرة وحجم الاضرابات مستقبلا . وهذان الإسمان هما : محمد الطرابلسي وزير الشئون الاجتماعية الجديد .وهو شخصية معروفة في مصر من خلال موقعه الذي شغله لسنوات في مقر منظمة العمل الدولية بالقاهرة . وعبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة .



خامسا .. استطاع الشاهد توسيع تشكيلة الحكومة باتجاه يسار الوسط (وهو ايضا تعبير يشمل في الحياة غير الحزبية والسياسية اتحاد الشغل) . والتوسعه هنا شملت على صعيد التكوينات السياسية أحزابا لم تكن ممثلة في أي من الحكومات سابقا . وتحديدا المقصود الحزبين الجمهوري (إياد الدهماني الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان) والمسار الديموقراطي (سمير بالطيب وزير الفلاحة) وهو امتداد للحزب الشيوعي التقليدي القديم. وكأن التشكيل الوزراي الجديد عوض خروج العناصر اليسارية نقابية وحقوقية ومن شخصيات يسار الوسط من حزب نداء تونس. لكن تلك الكيانات الحزبية المنضمة حديثا الى الحكومة (علاوة على مشاركة متواضعة لحزب المبادرة الذي يرأسه وزير خارجية بن على كمال مرجان) لا ترقي في تمثيلها داخل البرلمان بأي حال الى وزن حزب الاتحاد الوطني (12 نائبا) .كما ان غياب “الجبهة الشعبية “ التحالف الأساسي والأكثر ثقلا لليسار في البرلمان والشارع يلقي بظلال شك على اطلاق وصف “ الوحدة الوطنية “ على الحكومة الجديدة . وسيكون على المراقب للشأن التونسي بعد الثورة انتظار ما ستسفر عنه جلسة منح الثقة في البرلمان لحكومة يوسف الشاهد بتركيبتها هذه . وهذا كي يختبر كم من تأييد ستحصل عليه؟ . وهل ستحصد أقل مما حصدته حكومتي الصيد في فبراير 2015 ويناير 2016 كما تذهب بعض التوقعات في تونس الآن ؟ وفي كل الأحوال ، فان الاختبار الحقيقي سيأتي مع تبيان قدرة الحكومة الجديدة على تلبية توقعات التونسيين بعد الثورة ،وبخاصة التصدي لملفات البطالة (اصبحت تفوق 15 في المائة) والتنمية نمطا ومعدلات نمو (لاتتجاوز كثيرا الواحد في المائة) ومكافحة الفساد .وبالطبع استمرار النجاح في كبح جماح خطر الإرهاب .