أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
المؤسسات الدينية: الواقع والمأمول «8»
23 يوليو 2016
د‏.‏أسامة السيد الأزهرى


لكل مؤسسة من مؤسسات الوطن دور رئيسى يناط بها هى فى المقام الأول، مع قيامها أيضا بأدوار أخرى ثانوية أو تابعة، تدعم بها القيام بمهام لها أيضا بمؤسساتها فى الأصل، حتى ينهض الوطن على شبكة متقاطعة ومتداخلة من المؤسسات التى تتناوب وتتناغم على إنجاح هذا الوطن. فإذا تعرض الأمن القومى للوطن مثلا إلى الخطر، فالمؤسسة الأولى المنوط بها النهوض بمهمة دفع الخطر هى قواتها المسلحة، ولا شك أن بقية مؤسسات الوطن بأكملها تتضافر على إنجاح هذه المهمة، لكن تبقى لكل مهمة مؤسسة كبري، هى المسئولة فى المقام الأول عن تلك المهمة، وهكذا الأمر فى سائر المؤسسات، ومهمة بناء شخصية الإنسان المصري، وحماية نفسيته من كل عوامل الإحباط واليأس، وتحصين عقله من التطرف، وترشيد تدينه وتحويله إلى تدين صانع للحضارة هى فى المقام الأول مهمة الأزهر الشريف، ولا شك أن بقية المؤسسات التعليمية والمجتمعية والإعلامية تشارك وتؤثر، سلبا أو إيجابا، لكن عند الإخفاق فإن المؤسسة الأولى التى تكون موضع المساءلة هى الأزهر، وإذا تعرض الإنسان المصرى للخطر فى فكره أو منظومة قيمه أو نفسيته أو ثبات هويته ومعالم شخصيته فإن أداء الأزهر الشريف يكون قد اختل. وسبب ذلك أن منظومة العلوم والمعارف التى تقوم المؤسسة الأزهرية على تدريسها، وصناعة العلماء من خلالها على مدى قرون من الزمان، تهدف فى الأساس إلى سريان التدين المنير، الصانع للشخصية الراقية، القائمة بالعمران، ومنظومة الأخلاق، الصانعة للحضارة، المؤكدة لقضية الإيمان، ومن مهام تلك العلوم أيضا الرصد الواسع والمستمر لمظاهر الانحراف التى تطرأ هنا أو هناك، بحيث إذا ولد أى تيار فكرى يحمل بذور فكر التطرف فإذا العلماء النوابغ، الموصوفون باليقظة وإدراك الواقع، وتحديث رصده، من أبناء المؤسسة الأزهرية، ينقضون على تلك الأطروحات بالتفنيد والنقاش العلمى الرصين الذى يؤدى إلى تفكيك تلك المنظومة الفكرية المنحرفة.



فيكون رجال تلك المؤسسة الأزهرية أشبه بالجهاز المناعى للوطن والأمة، ويكون دائما فى غاية الانتباه والتحفز لأى ميكروب أو جسم دخيل يخترق الجسد، فيتداعى العلماء والمفكرون على رصد ذلك، وتحليله، وفحصه، وفهم مدى اتساقه أو انحرافه، ثم ينفتح باب من النقد العلمى النزيه الحر الفعال المؤثر، الذى يسفر فى النهاية عن أن تلك الفكرة مقبولة ومتناسقة فيتم قبولها، أو أنها مفتقدة تماما لكل شروط ومناهج الفكر الصحيح المنير القابل للبقاء فيتم تفكيكها وزوالها.



ولنا طبعا أن نتخيل جميعا ما يمكن حدوثه إذا تعرض الجهاز المناعى للجسد إلى حالة من الغيبوبة أو الفتور أو عدم الرصد والمتابعة، فإن عشرات الأمراض سوف تتسلل وتنتعش وتتمادي، وتمرح فى هذا الجسد وتنهكه وتسبب له الأمراض المعقدة والمتشابكة، ولعل هذه الصورة أن تكون معبرة عن موضع المؤسسة الأزهرية على الخريطة، وعن مهمتها الأساسية ودورها الأول. وإذا أصيب الإنسان بعدد من الأمراض فى نفس الوقت فإن الطبيب الحاذق الماهر يشرع فورا فى محاصرة مواضع المرض لضمان عدم اتساعها وانتشارها، ويعكف على معالجة ذلك، مع تنشيط عوامل المناعة.



وتاريخ الأزهر شاهد على قيامه بهذه المهمة فى تاريخ مصر وضميرها وأعماق وجدانها، وبه بقيت مصر محصنة فى ذاتها من ميلاد الفكر المنحرف على أرضها، فضلا عن استفحاله وتراكمه وتعقيده، فضلا عن تلاقحه مع بقية مناهج التطرف الموجودة هنا وهناك، فضلا عن تحوله إلى مصدر رعب للعالم، تحولت معها صورة هذا الدين إلى الرعب والخراب والشقاء والدماء، فى حين أن الله تعالى أنزله ليكون رحمة وراحة وعلما وحضارة ونورا وبصيرة للعالمين.



إن وجود فكر تيارات التطرف من الإخوان والقاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وغير ذلك، مع عنفوانها ودعاياتها الإعلامية، وتصديرها لعشرات التنظيرات الدينية المغلوطة المظلمة، التى تختطف بها العقول فتحولها إلى القتل والخراب، ليمثل فى المقام الأول عدوانا على الأزهر الشريف فى صميم مهمته، التى هى صيانة هذا الدين ومنظومة علومه من أن يتم اختطافها، وإذا لم يقم الأزهر برصد كل مناجم تفكير تلك التيارات وسائر أدبياتها وشعاراتها واستدلالاتها وتنظيراتها، مع الانقضاض على ذلك كله بالتفنيد والإفحام، مع النجاح فى توصيل ذلك كله ونشره وترويجه، وإغراق الفضاء الإلكترونى والإعلامى بذلك، فإنه يكون فى أزمة كبيرة وخطيرة، ، (وللحديث بقية).