أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
السياسة الخارجية التركية .. تفقد البوصلة!
16 يوليو 2016
رسالة أنقرة ــ سيد عبدالمجيد

«تطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسـيا أزعج البعض بالداخل والخارج « ، هذا ما تفوه به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نصا ،


دون أن يفصح عن ماهية هذا الأجنبي ، غير أن متطوعين أشاروا إلى أنه كان يقصد مصر، في حين شدد آخرون على أن الأخيرة ، لم يصدر عنها رسميا على الأقل ، ما يفيد ذلك .



أما عن الرافضين من أبناء وطنه فهو نعتهم بالمعارضة، إلا أن المهم هو تعمد الرئيس تناسي تقارير «حتما وصلته « ، مضمونها أن اعضاء من حزبه الحاكم ( رغم الإعتقاد بتصفية كل المشاغبين ) ، لم يخفوا تحفظاتهم، لا على عودة الوئام مع الجارة الروسية ولا مع»الكيان الصهيوني»، لكنهم أبدوا دهشتهم وإستغرابهم مستهجنين إسراع أنقرة بمد الجسور «نحو موسكو «المسيحية» «وتل أبيب» اليهودية، في حين تتجاهل القاهرة المسلمة» شاركهم في ذلك الشعور عموم البسطاء بهضبة الأناضول. وبدا هذا ردا غير مباشر على مقولة رئيسهم أن إطار الخطوات التي تم الأقدام عليها مع هاتين الدولتين مختلف عن الحالة المصرية «



والملاحظة الجديرة بالرصد هنا هي أن تلك المشاعر العقائدية ، أنطلقت من ذات الأرضية الدينية التي حرص أردوغان على بذر بذورها طوال فترة تصعيده ضد الحكومتين الإسرائيلية (ست سنوات) والروسية (سبعة شهور) ، من خلال ترديده لعبارات كالاخوة الاسلامية في مواجهة الأخرين والدفاع عن المظلومين الذي يعانون ويلات التعصب والإقصاء كونهم مسلمين ، وجعل التعاضد للذين يشاركوننا في الدين الحنيف بصدارة أولويات السياسة الخارجية لتركيا.



ورغم أن رئيس الوزراء بن علي يلدريم ، لم يساير علنا تلك المقارنات ، وهو المحافظ على تقاليد وقيم أمته ، إلا أنه لم يبتعد عنها بل ألتف حولها ، بإستخدامه أشارات حاولت تحقيق التوازن بين ما يصرح به حاكم البلاد (الأوحد) وما يريده قطاع نافذ من رجال الأعمال بضرورة الإنفتاح على مصر تعضده شريحة من الدبلوماسيين ، قائلا « أننا لا يمكن أن نوافق على التغيير بهذه الطريقة (في إشارة إلى عزل الرئيس السابق محمد مرسي) هذا جانب من المسألة، ثم مستطردا «إلا أن الحياة تستمر على الجانب الآخر، فنحن نعيش في نفس المنطقة، ونحتاج لبعضنا البعض ، لذلك لا يمكننا قطع كل شيء فجأة حتى لو أردنا ذلك ، هذا دون أن نشير إلى الروابط الدينية والثقافية التي تربط البلدين وهذه عوامل إضافية تحتم التواصل لذلك فإننا إذا وضعنا جانبا الشكل الذي تغير به النظام هناك (3 يوليو)، فإنه لا يوجد مانع يتعلق بتطوير علاقاتنا الاقتصادية .



وطبيعيا وإرضاء للقصر الرئاسي كان على « بن يلدريم « أن يلجأ إلى التأكيد بإستمرار الموقف التركي الرافض لما وصفه بــ « الإنقلاب « ، غير أن هذا ، وفقا لمراقبين، من قبيل الأستهلاك الدعائي وبحيث يعفي أردوغان من الحرج ، لأنه ببساطة يعي تماما أن ما يطالب به الأخير «من وقف محاكمة مرسي ورفاقه ليس سوى ضرب من الخيال الذي لا يمت للواقع بصلة» في هذا السياق يفترض أن يقوم وفد بزيارة لمصر في إطار تسوية العلاقات الخارجية طبقا لما أعلنه شعبان ديشلي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي.



وفي الوقت الذي كان وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو ينفي وجود تناقض أو تضارب في السياسية الخارجية ، إلا أن أصواتا مناوئة للحكومة ردت عليه بتصريحات أدلي بها هو نفسه عقب زيارته لأبو ظبي في أبريل الماضي ، وصف فيها مصر بــ» الدولة الهشة « وهي الدولة التي تسعي حكومته إلى رأب الصدع معها الأن، و» معنى ذلك أن ما أعلنته الحكومة المصرية في سياق شجبها لتلك التصريحات التي اعتبرتها تجسيدا للحالة النفسية التي يعاني منها المسؤولون الأتراك « صحيح.



ثم طرح هؤلاء عليه سؤالا.. أن لم يكن هذا تذبذب وتأرجح «ما بين إظهار الرغبة في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع مصر وبين استمرار عدم الاعتراف بشرعية مرحلة ما بعد حكم الأخوان المسلمين «فبماذا يسميه أذن ؟ وساقت ، للتدليل على صدق ما ذهبت إليه ، ما قالته القاهرة التي أنتهرت الفرصة مستثمرة تلك المشاهد المشوشة لتعلن «أنها هي التي لديها تحفظات على التعامل مع القيادة التركية التي تصر على تبني سياسات متخبطة إقليميا» ، ومضت في بيانها مشترطة « أن تكون نقطة الانطلاق، لتحسين العلاقات بين البلدين، إعتراف تركيا بثورة 30 يونيو وما نتج عنها».



فقدان البوصلة وإضطراب الأداء التركي هذا سيتعاظم في الملف السوري ، فبعد رفض مطلق ونهائي لوجود الرئيس بشار الأسد في ما أصطلح على تسميته المرحلة الانتقالية ، ها هي التلميحات تندفع بقوة من صانع القرار في وريثة الإمبراطورية العثمانية ، بقبول بقاء من صار عدوه اللدود على سدة السلطة لفترة ستة شهور.



وليست تلك هي المفاجأة الوحيدة ، فقبل أسبوع وعلى نحو غير متوقع ، خرج أردوغان في خطاب « من الأب « القائد ( حسب وصف إعلامه وكتابه ) لأخوانه في الدين والجوار ، بنداء إختار مدينة كيليس الحدودية مع الجارة السورية جنوب الاناضول لإطلاقه على مسمع ومرأي العالم ، يقضي باعطاء الجنسية للاجئين السوريين .



وكان هذا كفيلا ، بأن يثير موجات غضب واستياء شديدين بين قطاعات عريضة من المجتمع ، إضافة إلى أحزابه السياسية بما فيها بعض اعضاء العدالة والتنمية أنفسهم ، والجميع تساءل لماذا ؟.



فما من خطاب إلا ويجدد إردوغان إنتقاداته للاتحاد الأوروبي لتقاعسه عن مد يد العون لبلاده التي تأوي على أراضيها ثلاثة ملايين لاجئ بينهم 300 الف عراقي ، ولا ينسي أن يذكر القاصي والداني بالعشرة مليارات دولار التي انفقت لأيوائهم ؟



وحتى وعندما تراجع قليلا واشار إلى أنه يقصد النابهين منهم ، جاءه الرد سريعا مؤداه « أنه من الأجدر الالتفات لابناء بلده وهم أيضا نابغون وضاقت بهم السبل فنزحوا إلى الخارج « ثم إذا كنت ستمنح الجنسية للآلاف من السوريين فعلام ستطلب المساعدة من الأوروبيين؟ وعلى أية حال ليس الموهوبون أبدا هم هدفه .. وهذا سيكون محور لتقرير آخر.