أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
فى زيارة غامضة إلى القطب الشمالى: كيرى يبحث عن النفط والغاز وبدائل للممرات البحرية!
2 يوليو 2016
طارق الشيخ

فجأة وبعيدا عن الصراعات المشتعلة فى جميع أقاليم العالم وما تتسبب فيه من خطورة ملموسة على السلم والأمن الدوليين ظهر وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى القطب الشمالى! التصريحات الصحفية الإعلامية الأمريكية


أشارت إلى أن الهدف من الزيارة هو الإطلاع على حالة البيئة فى القطب الشمالى والتحذير من إرتفاع درجة حرارة الأرض! أما الواقع فكان مثل جبل الجديد الذى يخفى أكثر بكثير مما يعلن!!



فقد وصل وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، إلى الدنمارك فى ١٦ يونيو ٢٠١٦ فى إطار جولة اسكندنافية إستمرت ثلاثة أيام. وقبل الزيارة أبحر كيرى فى أرخبيل سفالبارد قبالة شمال النرويج، بصحبة نظيره النرويجى بورج بريند، حيث أطلعهما الباحثون على كيفية تأثير تغير المناخ على القطب الشمالى. وشاهد كيرى بشكل مباشر انحسار الأنهار الجليدية بالقطب الشمالى وعلم بأمر زيادة سخونته بشكل أسرع من المناطق الأخرى.



وكان يمكن إعتبار الزيارة الإستطلاعية أمرا تقليديا حيث تترأس الولايات المتحدة حالياً مجلس القطب الشمالى، وهو منتدى للتعاون الإقليمى ـ يضم أيضا كندا والدنمارك، وجرينلاند وجزر فارو، وفنلندا وأيسلندا والنرويج وروسيا والسويد وممثلى الشعوب الأصلية فى المنطقة القطبية الشمالية ـ إلا أن تحركات واشنطن خلال الأعوام السابقة ومخططاتها بشأن القطب الشمالى أكدت أن الأمر يتعلق بما هو أبعد وأعمق بكثير من تلك التصريحات "البيئية" النظيفة.



فقد بدا من الواضح إرتباط الزيارة الإستطلاعية بالتنافس الحاد مع روسيا حول فرض النفوذ على المنطقة والإستفادة من مواردها الطبيعية البكر من جانب ومحاولات الإستفادة من ذوبان الجليد هناك بتحقيق "حلم" فتح ممرات مائية بحرية آمنة يمكن أن تكون بديلة عن قنوات وممرات ملاحية رئيسية مثل قناة السويس وبنما فى نصف الكرة الشمالى!!



فخلال شهر مايو الماضى أفاد المكتب الإعلامى لمركز هيلمهولتز الألمانى، الخاص بدراسة أقطاب الأرض ومحيطاتها، أن تقلص مساحة الجليد فى القطب الشمالى تدل على أنه سيشهد تحطيم رقم قياسى جديد فى ذوبان الجليد خلال عام ٢٠١٦.



وكان ذلك التصريح يعنى أن ذوبان قمة الأرض سيكون وراء فتح طرق تجارية جديدة تربط بين آسيا وأوروبا وسيفتح آفاق جديدة فى قطاعى النفط والغاز ما يعنى ظهور تحديات ومنافسات جديدة سيكون على الولايات المتحدة مواجهتها باعتبارها تشغل منصب رئاسة مجلس القطب الشمالى حتى عام ٢٠١٧.



وقال وزير الخارجية كيرى إلى نظرائه خلال قمة مصغرة عقدت فى ابريل ٢٠١٥ فى شمال كندا : أن ذوبان الجليد فى القطب الشمالى سيكون وراء فرص جديدة".



وقد سبق وأن دعت الولايات المتحدة لمزيد من التعاون في منطقة القطب الشمالى، ولكن مع التحذير بأنها ستدافع عن سيادتها فى وجه تنامى الاهتمام الدولى بفتح ممرات ملاحية تجارية جديدة وإستغلال فرص استخراج الموارد الطبيعية، فى وقت يذوب فيه جليد المنطقة.



وسبق وأن خرجت الولايات المتحدة، للمرة الأولى، بإستراتيجية شاملة تهدف إلى توجيه ردود عسكرية فى منطقة القطب الشمالى. وقال مسؤولون أن الرؤية الأمريكية تأتى على ضوء المخاوف الناجمة عن التغيير المناخى. وتم التنبيه إلى أن مايقرب من ٥٠٠ سفينة إستطاعت شق مياهه بين الاسكا وروسيا.



ووقتها صرح وزير الدفاع الأمريكى السابق تشاك هيجل ـ ٢٠١٣ ـ ٢٠١٤ ـ ، أن الخبراء يتوقعون زيادة فى المرور بمقدار عشرة أضعاف على طول ما يعرف باسم طريق بحر الشمال، وأضاف : "سيكون هناك المزيد من القدرة على استغلال حوالى ربع النفط والغاز غير المكتشف على الكوكب، فإن طوفان الإهتمام بإستكشاف الطاقة قد يؤدى لزيادة التوترات بشأن قضايا أخرى". محذرا من أنه : "طوال التاريخ البشرى، تسابقت البشرية لاكتشاف آفاق جديدة. ومرة بعد مرة، أعقبت تلك الإكتشافات المزيد من النزاعات".



الروس قدروا القيمة الإجمالية للموارد الطبيعية فى القطب الشمالى الروسى بما يتجاوز ٣٠ تريليون دولار و أن منطقة الجرف القطبى ستكون مركزا مهما لإنتاج النفط والغاز الروسى.



ومنذ شهور قيلة نبهت وسائل الإعلام الروسية إلى ما نشرته مجلة "ذا وول ستريت" الأمريكية فى مقال يوصى القيادة الأمريكية، بتركيز الانتباه على الطريق البحرى عبر المحيط المتجمد الشمالى. ودعا المقال إلى النظر بشكل جدى فى "اسيطرة روسيا على كل الجرف القارى لمنطقة القطب الشمالى فى المستقبل".



ولم تأت المخاوف الأمريكية من فراغ. ففى يونيو عام ٢٠١٥ أعلن نائب وزير الموارد الطبيعية والبيئة دينيس خراموف أن روسيا قد تقدم طلبا لتمديد الحدود الخارجية للجرف القارى فى منطقة القطب الشمالى إلى لجنة الأمم المتحدة.



وحذرت الصحافة الأمريكية فى أغسطس ٢٠١٥ من أن : "روسيا بدأت ببناء ١٠ محطات للبحث والإنقاذ وكثفت وجودها العسكرى فى القطب الشمالى واستعادت القواعد السوفيتيية. على عكس الجيش الأمريكى تماما الذى يفكر فى الحد من عدد الفرق فى ألاسكا، كما أنه اعترف أن خبرته فى العمليات بالقطب الشمالى قليلة، وبينما قدمت روسيا طلبا من أجل توسيع حدود الجرف القطبى وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة، فإن هذه الاتفاقية لم تصدق حتى الأن فى الولايات المتحدة".



وأعلن نائب وزير الدفاع الروسي الجنرال ديمترى بولجاكوف، فى ذلك الوقت أنه سيتم الانتهاء من جميع الأعمال الخاصة بإنشاء المرافق الخاصة بالبنية العسكرية للقوات الروسية المرابطة فى القطب الشمالى قبل نهاية عام ٢٠١٥.



وجاء الرد سريعا حينما دعا وزير الدفاع الأمريكى أشتون كارتر فى نوفمبر الماضى ٢٠١٥ إلى الحفاظ على الأمن فى منطقة القطب الشمالي الغنية بموارد الطاقة، مؤكداً أهميتها الاستراتيجية. وقال كارتر أثناء زيارته للقوات الأمريكية المتمركزة على بعد نحو ٣٢٠ كيلومتراً جنوب دائرة القطب الشمالى، أن منطقة القطب الشمالى ستكون مهمة للولايات المتحدة ومهمة للدول الأخرى. وسيكون من المهم الحفاظ على الأمن وعلى النظام فيها.



وتعد ولاية ألاسكا ومنطقة القطب الشمالى ذات أهمية استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة، حيث تنشر واشنطن هناك أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ وطائرات عسكرية يمكنها الوصول سريعاً إلى أى منطقة فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية.



وقامت وكالات المخابرات الأمريكية بتعيين المحللين للعمل الدائم فى القطب الشمالى، وعقد مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية "مجلساً استراتيجياً" لتبادل النتائج التى توصل إليها المحللون، فى ظل تعزيز روسيا وجودها العسكرى هناك.



وشهد يوم ٩ يونيو ٢٠١٦ قيام دميترى روجوزين نائب رئيس الوزراء الروسى، رئيس اللجنة الحكومية لتطوير منطقة القطب الشمالى بالتعليق على توسع حلف "ناتو" فى القطب الشمالى. وذكر أن الحلف يحاول التستر بمشاكل تغيرات المناخ والاحتباس الحرارى لكى يزيد من تواجده العسكرى فى تلك المنطقة الحيوية.



وأشار روجوزين إلى أن "ناتو" اصطدم بمعارضة من جانب كندا والنرويج اللتين رفضتا السماح بدخول سفن الحلف إلى المياه الاقليمية للدولتين. وقال محذرا أنه يجب على "ناتو" والولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى أن تتوقف عن استخدام المشاكل العالمية الشاملة من أجل تحقيق مصالحها الخاصة.



وهكذا يبدو الصراع بين القوى الكبرى مشتعلا فى قلب جليد القطب الشمالى.