أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
بريطانيا تجيب اليوم عن السؤال الأخطر: هل نبقى فى أوروبا؟
23 يونيو 2016
منال لطفى

تتجه بريطانيا اليوم لحسم السؤال المصيرى الذى مزقها خلال الأشهر الماضية وأثار استقطابا حادا بين الناخبين وهو أين مكان بريطانيا فى العالم: هل هى جزء من الأتحاد الأوروبى بكل مشاكله أم دولة مستقلة خارجة برغم المخاطر والغموض؟.


فبعد حملة حفلت بالأتهامات المريرة، سيتوجه الناخبون البريطانيون اليوم للرد على هذا السؤال عبر إختيار البقاء أو المغادرة فى الإتحاد الأوروبى بعدما بذل المعسكران جهودا محمومة خلال الـ 48 ساعة الماضية من أجل إقناع الناخبين بالتصويت أولا. ثم أقناع الناخبين بالتصويت وفق رغبات كل معسكر.



وفى أكبر مناظرة سياسية منذ بدء حملة الأستفتاء، وضع السياسيون من المعسكرين أخر حججهم لأقناع الناخبين. وركز معسكر البقاء على الأقتصاد، محذرا من انكماش الأقتصاد وارتفاع البطالة وتراجع مكانة بريطانيا فى العالم فى حالة المغادرة. كما هاجم "حملة الكراهية" التى يقودها معسكر المغادرة ضد المهاجرين.



من ناحيته إنتقد معسكر المغادرة "حملة التخويف" التى يقودها معسكر البقاء فيما يتعلق بالأثار الكارثية للمغادرة، محذرا من أن البقاء فى الأتحاد يسحب من بريطانيا القدرة على الحد من الهجرة بسبب مبدأ حرية الحركة والتنقل. وتشير أخر استطلاعات الرأى إلى صعوبة التنبؤ بالنتائج بسبب التقارب الكبير بين المعسكرين.



وقد تصادم المعسكران فى كل القضايا. ففيما يقول معسكر المغادرة إن خروج بريطانيا سيعنى وقف دخول المهاجرين من دول الأتحاد الأوروبى "فورا"، يقول معسكر البقاء إن التزامات بريطانيا تحتم استقبال المهاجرين الأوروبيين حتى التوصل لإتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد. وحتى فى هذه الحالة لن تستطيع بريطانيا منع دخول مهاجرين، فالانضمام لأتفاقية التجارة الحرة مع الأتحاد الأوروبى والسوق المشتركة، على غرار النرويج وسويسرا، تحتم السماح بحرية حركة وانتقال العمالة داخل الأتحاد الأوروبي.



وفيما دافع معسكر المغادرة عن الخروج قائلا إن بريطانيا يمكن أن تحتذى بـ"النموذج النرويجي" أو "النموذج السويسري"، إذ لديهما أحد أعلى معدلات النمو ومستويات المعيشة فى العالم برغم من أنهما ليستا داخل الأتحاد الأوروبى ولا مضطرتين للخضوع لقوانينه ومعاييره وسياساته واكتفتا فقط بالأنضمام للسوق المشتركة وأتفاقيات التجارة الحرة الثنائية مع الأتحاد، يقول معسكر البقاء إن النرويج وسويسرا وإن لم تكونا قانونيا جزءا من الأتحاد الأوروبي، إلا أنهما عمليا تطبقان معاييره وقوانينه وسياساته، مشددين على أن مغادرة بريطانيا الأتحاد ستتسبب فى ركود أقتصادى فى بريطانيا.



وبينما قال معسكر المغادرة إن الأتحاد الاوروبى يعانى أقتصاديا ونسب النمو فيه فى تراجع وأن بريطانيا يجب ان تخرج منه للبحث عن شركاء أقتصاديين أخرين فى أسيا وأمريكا الشمالية وامريكا الجنوبية، رد معسكر البقاء أن أخر أرقام النمو فى الربع الجارى من هذا العام تشير فى الواقع إلى أن نسب النمو داخل الأتحاد الأوروبى أعلى من امريكا ومن دول أوروبا خارج الأتحاد.



وردا على التحذيرات من أثار الخروج، وضع معسكر المغادرة "خريطة طريق" لإنهاء عضوية بريطانيا فى الأتحاد الأوروبى على مراحل بحلول 2020.



وقال رئيس مجلس العموم كريس جريلينج، المؤيد للمغادرة، إن خريطة الطريق تهدف إلى منع تقلبات خطيرة فى بريطانيا إذا ما صوتت الغالبية لصالح الخروج من الأتحاد. وتتضمن "خريطة الطريق" عدة نقاط من بينها أن يتحرك البرلمان لتقييد الهجرة إلى بريطانيا، وإنهاء سلطات محكمة العدل الأوروبية والعمل بالقوانين البريطانية فقط. ثم إدارة عملية تفاوض تدار بعناية لإحداث تغييرات تشريعية قبل 2020. وأن تبدأ مفاوضات أتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا والأتحاد الأوروبى يأمل أن تنتهى بحلول 2020. ويريد معسكر المغادرة إذا ما صوتت بريطانيا للخروج أقرار القوانين الأتية من البرلمان:



أولا: تشريع مالى يقضى بتخفيض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% من فواتير الكهرباء والغاز المنزلية، وسيتم تغطية الـ5% هذه من حصة بريطانيا فى ميزانية الأتحاد الأوروبى التى سيتم توفيرها بعد خروج بريطانيا.



ثانيا: تشريع خاص ببرنامج الرعاية الصحية حيث سيتم ضخ 100 مليون جنيه استرلينى أسبوعيا فى برنامج الرعاية الصحية سيتم دفعها بعد توفير نفقات برنامج الأتحاد الأوروبى للاجئين والهجرة "لإنهاء الحق الآلى لمواطنى الأتحاد الأوروبى لدخول بريطانيا".



ثالثا: تشريع التجارة الحرة حيث ستتحلل بريطانيا من السياسة التجارية المشتركة للأتحاد الأوروبى "لإستعادة سلطة الحكومة البريطانية السيطرة على سياساتها التجارية الخاصة بها".



رابعا: إلغاء قانون "المجتمعات الأوروبية" 1972 الخاص بسيادة قوانين الأتحاد الأوروبى وأستبدالها بسيادة القوانين البريطانية فحسب.



ويقول النائب فى مجلس العموم الداعم لحملة المغادرة ستيف بيكر إن هذه المشروعات هى "اطار قانوني" حول كيف ستتحرك بريطانيا بعد الخروج.



ويصر معسكر الخروج على أن الأتحاد الأوروبى "سيواصل التجارة مع بريطانيا بشكل عادي" حتى بعدما تصوت بالخروج إلى أن يتم التفاهم على شكل العلاقات المستقبلية بين بريطانيا والأتحاد الأوروبي.



وشدد أحد زعماء حملة المغادرة آيان دنكان سميث على إن الحكومة خلال مفاوضاتها مع الأتحاد الأوروبى سيكون لديها "خطوط حمراء"، وأنه لن يكون هناك أتفاق تجارى ما لم يكن لبريطانيا السيطرة الكاملة على حدودها.



غير ان وزير الخزانة جورج اوزبورن، المؤيد للبقاء، قال إن بريطانيا ستترك بلا "خطة أقتصادية إذا ما قررت المغادرة". وتقول حملة البقاء إن "حملة المغادرة ليس لديها خطة ذات مصداقية لمستقبل بريطانيا بعد المغادرة.. وأنها قفزة فى الظلام محفوفة بالمخاطر الأقتصادية.. والمغادرة تعنى سنوات من عدم اليقين ستؤثر على الوظائف والاستثمارات والأسعار".



وكان أوزبورن قد حذر من أنه فى حالة الخروج من الأتحاد الأوروبى فإنه سيكون هناك فجوة فى الميزانية بنحو 30 مليار جنيه استرلينى تحتم ميزانية طوارئ تقشفية تتضمن رفع الضرائب على الدخل والميراث وتخفيض ميزانية برنامج الرعاية الصحية. غير أن 57 نائبا محافظا فى البرلمان تعهدوا منع تمرير ميزانية طوارئ تقشفية وقالوا إنها بمثابة "ميزانية عقاب" للناخبين.



وفى حالتى المغادرة أو البقاء أمام بريطانيا خطوات قانونية معقدة وطويلة.



ففى حالة المغادرة سيتم تطبيق المادة 50 من معاهدة لشبونة، أو "مادة الخروج" التى توضح آليات خروج أى دولة عضو فى الأتحاد "قد تقرر الأنسحاب من الأتحاد وفقا للمتطلبات الدستورية الخاصة بها".



وأول الآليات أن تخطر الدولة المعنية مجلس أوروبا رسميا عزمها على الأنسحاب. ويضم مجلس أوروبا جميع رؤوساء وقادة الدول الـ28 الأعضاء فى الأتحاد الأوروبي، ورئيس مجلس أوروبا دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. ووفقا للمادة 50، فإن الدولة المغادرة لا تصبح عضوا من الأتحاد الأوروبى بعد عامين من تقديم طلب الأنسحاب رسميا إلا إذا تم تمديد المفاوضات بالأجماع من قبل مجلس أوروبا والدولة المنسحبة. أو أن يكون قد تم الأتفاق بشكل مسبق على موعد أخر للإنسحاب.



وليس هناك فى المادة 50 ما يشير إلى أن الدولة المغادرة يمكن أن تتراجع وتوقف المفاوضات وتطلب سحب أخطار المغادرة. لكن ليس هناك سبب يدعو للأعتقاد أن هذا لا يمكن أن يحدث إذا وافقت الدول الـ27 الباقية.



ويمكن من الناحية النظرية أن تتجاهل بريطانيا المادة 50 ويقوم البرلمان البريطانى بإلغاء قانون الأتحاد الأوروبى الصادر 1972. لكن هذا سيشكل خرقا لإلتزامات بريطانيا بموجب القانون الدولي، وسيصعب أى مفاوضات بين بريطانيا والأتحاد الأوروبى لإبرام أتفاقيات تجارية بعد الأنسحاب.



هناك أيضا احتمال اللجوء إلى المحاكم البريطانية لحل أى نزاع قد ينشب من الأستفتاء نفسه. ففى حالة خسارة معسكر البقاء، من شبه المؤكد أن يكون هناك لجوء للقضاء، خاصة إذا كان هناك مخالفات أو تجاوزات (هناك مشاكل فنية حدثت بالفعل من بينها تعطل موقع تسجيل الناخبين الجدد وأرسال بطاقات أقتراع لنحو 3500 شخص لا يحق لهم التصويت). ويوم التصويت قد تحدث مشكلات فنية تبرر اللجوء للقضاء. أو لشراء الوقت للحكومة لبحث الخطوات التالية. ووفقا لقانون الأستفتاء يسمح بفترة 6 أسابيع للطعن فى نتائج الأستفتاء وطرحها للمراجعة القانونية.



ماذا لو أنتصر معسكر البقاء؟



إذا ما أنتصر معسكر أستمرار بريطانيا فى الأتحاد الأوروبي، سيخرج رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أمام مقر الحكومة فى 10 دواننج ستريت ويلقى بكلمة يشجع فيها معسكرى المغادرة والبقاء على "الوحدة والعمل المشترك". ويعد بمواصلة العمل من أجل أصلاح الأتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالهجرة.



ومن غير المتوقع أن يحدث كاميرون تغييرات وزارية سريعة. ووفقا لمصادر داوننج ستريت فإنه سيسمح بمرور بعض الوقت للتهدئة والتقاط الانفاس وجمع حزب المحافظين الحاكم تحت قيادته.



أما التعديلات الحكومية فمن المتوقع أن تحدث خلال المؤتمر السنوى للحزب فى اكتوبر المقبل. وقال نائب بارز فى حزب المحافظين إن كاميرون يريد أن "يحتوى الجميع" حتى الذين وقفوا ضده فى الاستفتاء. وفى هذا الأطار من المقرر أن يعطى بوريس جونسون منصبا وزاريا وأن يجعل وزير العدل مايكل جوف، أحد زعماء حملة المغادرة، نائبا لرئيس الوزرا.



ومن شأن التصويت بالبقاء أن يعطى زخما كبيرا لوزير الخزانة جورج اوزبورن لخلافة كاميرون فى منصب رئيس الوزراء. لكن مع دعم أغلبية أعضاء حزب المحافظين للخروج من الأتحاد، فإن فرص بوريس جونسون فى المنافسة لن تكون انتهت تماما حتى إذا خسر معسكر المغادرة.



كما أن التصويت بالبقاء سيقوى مكانة جيرمى كوربن على رأس زعامة حزب العمال بسبب دعمه للبقاء ضمن أوروبا وعمله فى كاميرون لإقناع الناخبين بالبقاء.



ماذا لو انتصر معسكر المغادرة؟



فى هذه الحالة من المتوقع أن يستقيل كاميرون من منصبه. ومع ان الكثيرين من معسكر المغادرة لا يرون أن هذا ضروريا، إلا أن الأكاديمى البارز فى الشئون البريطانية فيرنون بوجدانور يقول إن "خسارة الاستفتاء تعنى أيضا تصويت بعدم الثقة على رئيس الوزراء وبالتالى سيكون مضطرا للإستقالة".



لكن حتى عندما يستقيل كاميرون، فإنه من المتوقع ان يظل قائما بأعمال رئيس الوزراء حتى انتخاب رئيس جديد للحزب، وهذا قد يستغرق عدة أشهر. وعند انتخاب رئيس جديد للحزب، وسيكون غالبا من معسكر المغادرة، سيتوجه على الأغلب للدعوة لإنتخابات عامة مبكرة.



وعند المغادرة سيكون على البرلمان تحديد أى قوانين الأتحاد الأوروبى يريد الإبقاء عليها وأى قوانين يريد إلغاءها.



ومن المتوقع أن يبدأ رئيس الوزراء فى تطبيق المادة 50 من اتفاقية لشبونة لإنهاء عضوية بريطانيا فى الأتحاد الأوروبى وبدء مفاوضات تستغرق عادة عامين من أجل الإنفصال المؤسسى والقانونى والمالى عن الأتحاد. وعند التوصل لإتفاق، يجب التصديق عليه من قبل البرلمان الأوروبى والبرلمان البريطاني. ثم تبدأ بريطانيا مفاوضات تجارية من الصفر مع الأتحاد الأوروبي.



فوز معسكر المغادرة سينهى مستقبل كاميرون وأزبورن السياسي، كما سيشكل ضغطا على جيرمى كوربن أيضا وسيعتبر أنه اخفق فى أهم مهمة له منذ تولى زعامة حزب العمال وقد يتم الأطاحة به بسبب ما يوصف بـ"حملة النصف قلب" التى قام بها، إذ لم يظهر عاطفة أو حماسة كبيرة خلال حملة الأستفتاء. أيضا إذا فاز معسكر المغادرة فإن هذا يعنى ان معاقل حزب العمال وانصاره لم ينصتوا إلى كوربن. وسواء قررت بريطانيا البقاء أو المغادرة، فسيكون هناك اجتماع لمجلس اوروبا فى 28 يونيو الجارى أى بعد أقل من أسبوع من الأستفتاء لبحث تداعيات القرار والتصرف وفقا لنتائجه.



يحبس الناخبون فى بريطانيا أنفاسهم بسبب التقارب الكبير جدا بين المعسكرين. وأيا كان المعسكر الفائز، فإن الشرخ الحاد فى بريطانيا سيحتاج شهورا للإلتئام. أما الأوروبيون فإنهم أيضا سيحبسون أنفاسهم خلال الساعات المقبلة ترقبا وخوفا، فمشروع النصف قرن الأوروبى يواجه أكبر أختبار له.