أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
العاملون .. أول ضحايا الأزمة
18 يونيو 2016


 



► إجازات إجبارية للموظفين بربع المرتب حتى انتعاش النشاط السياحى





► الاهتمام بسمعة مصر ووضع أجندة موحدة .. أولى خطوات الخروج منها





► تسريح 50% من العمالة بالفنادق والشركات منذ ثورة يناير



 



 



 



أطاحت الأزمة الحالية التى تمر بها السياحة بعدد كبير من العاملين فى القطاع السياحي، إذ اتخذها بعض رجال الأعمال بالقطاع درعاً لهم لتشريدهم وطردهم من أماكن عملهم وحرمانهم من الحصول على أدنى مستحقاتهم المالية، مما أدى إلى هجرة العمالة المدربة للدول العربية والأجنبية لتصبح أهم مشكلة تؤرق قطاع السياحة فى الفترة الحالية ، وهنا نتساءل هل الحل فى جلب السياح لبلادنا، أم فى إنقاذ المستثمرين والنهوض بهم من كبوتهم التى عجزوا بمفردهم عن القيام منها؟! فهم فى حاجة إلى طوق نجاة او قبلة الحياة لإنقاذهم من متطلبات الحكومة التى تعثروا فى سدادها.



نماذج مأساوية



يقول هيثم احمد 36 سنة أعول ثلاثة اولاد وأعمل فى مجال السياحة منذ 10 سنوات، بداية من «كاشير» فى احد فنادق شرم الشيخ حتى اصبحت مدير تكاليف بنفس الفندق، وعقب الثورة تدهورت الاحوال وتم تخفيض المرتبات إلى النصف ثم الى الثلث مع خصم 50% من نسبة الخدمة التى كنا نحصل عليها، وبدأ التخفيض والترشيد فى كل شيء، فمثلا فى الكهرباء بتقليل عدد المصابيح وإيقاف التكييفات والثلاجات لعدد معين من الساعات، وتوفير السولاربالسيارات بضغط «الشيفتات» ليصبح «شفتين» فقط صباحا ومساء، وتقليل الوجبات لوجبتين بدلا من ثلاثة وفراخ مرة واحدة فى الاسبوع بدلا من ثلاث مرات، وكل ذلك يؤثر على مستوى الخدمة، وزادت االبلة طين» عندما بدأت تتأخر المرتبات لثلاثة أشهر، وعدم تجديد العقود بمجرد انتهائها، وتسريح العمالة فبدأت أبحث عن فندق آخربمرتب اقل، وبعد عام من التطفيش والضغط، وخاصة بعد سقوط الطائرة الروسية التى تسببت فى إغلاق الكثير من الفنادق بشرم استغنوا عنى وعن 75% من العمالة الموجودة، وبالتالى الاعمال التى كان يقوم بها عشرة افراد اصبح يقوم بها ثلاثة اشخاص، فقررت البحث عن عمل غير فندقى ووجدت عملا بشركة تمتلك سلسلة مطاعم صحيح المرتب صغير ولكنه مستمر وثابت








توقف الدخل



ويشكوعلاء اسماعيل 38سنة مدير بأحد الفنادق بالغردقة من تدهور أحوال القطاع السياحى وتشريد صغار العاملين، خاصة العاملين فى الأمن والزراعة، أما المديرون وكبار العاملين فقد خفضوا مرتباتهم للربع وطلبوا منهم التقاعد فى بيوتهم، دون عمل والحصول على ربع المرتب وذلك منذ ثلاثة اشهر، ويرفضون تجديد اى عقد ينتهي، نتيجة إلغاء الحجوزات والرحلات السياحية, ويستكمل حديثه متسائلاً: ماذا افعل عندما تمرض ابنتى ولا اقدر على التوجه بها للطبيب ولا حتى قيمة العلاج ؟! هل يوافق الطبيب على علاج ابنتى مجاناً لأن السياحة بعافية ؟ ! وحتى لو طلع إنسان هل الصيدلى سيعطى لها العلاج لأن والدها عاطل ويبحث عن شغل ؟! وهل الـ 400 جنيه اللى بيدفعهم صاحب العمل مجبرا هيكفوا عيش حاف ولا إيجار شقة ولا كهرباء وغاز ومياه وأكل وشرب ولبس وتعليم ؟ دلونى أعمل ايه !



فى حين يؤكد محمد عيسى متزوج ويعول أربعة أطفال أنه كان يعمل بإحدى الشركات السياحية منذ اكثر من ثمانى سنوات، وعقب الثورة صفت الشركة الموظفين، وأجبرت البعض على الاستقالة، بينما ألغت عقود البعض الآخر، وخفضت مرتبات الباقى إلى النصف، وبعد فترة أغلقت الشركة لما تكبدته من خسائر ولم تغط مصاريفها، وبدأت رحلة البحث عن عمل بالخارج عن طريق مكاتب التوظيف التى وقعنا فريسة لها وعذاب الكفلاء فى بعض الدول العربية، فمنا من سافر على انه بائع فى محل نظارات او مطاعم أو عمال نظافة بالفنادق، والبعض الآخر موظف بإحدى الشركات رغم اننا خريجون لكليات التجارة والسياحة والفنادق، ورغم الإهانة وبهدلة الغربة والرواتب الضئيلة إلا اننا لم نشعر بالأمان ولا الاطمئنان، ففى السعودية مثلا تهديدات يومية بفسخ العقود والترحيل الى البلاد وتخفيض الرواتب، وهنا ليس فقط على المصريين أو الأجانب وإنما على العاملين السعوديين كبارا وصغارا للترشيد وتقليل النفقات، لدرجة ان صاحب العمل السعودى أعطانى إجازة إجبارية لمدة شهر ونصف الشهر على حسابى لحين تحسن الأوضاع وتحملت انا تذاكر السفر وسوف اعود فى منتصف رمضان الحالي، إما لحصولى على مستحقاتى أو استكمال العمل والله اعلم .



ويصرخ الشاب أمين عبد القادر الذى كان يعمل مديرا كبيرا بأحد الفنادق العالمية بالقاهرة، وكان راتبه الاساسى حوالى 15 الف جنيه فى التسعينيات وكانت معظم الفنادق تتمنى ان يعمل بها حيث وصل دخله الشهرى إلى 37 الف جنيه، والآن ومنذ ثلاث سنوات خالى شغل ولايعمل ويعول والدته وشقيقته الصغرى وزوجته وطفلين، قائلا إن مشكلة العاملين فى مجال السياحة بالذات لا يستطيعون العمل فى غير وظيفتهم إلى جانب رفضهم إهدار سنوات عمرهم وخبرتهم هباء, بالإضافة إلى أنه لو تنازل ووافق على عمل أقل من امكانياته وقدراته وخبراته ودرجته الوظيفية، لم ولن يستطيع الوقوف على قدميه مرة اخري، من هنا يواجه العاملون بقطاع السياحة أزمة حقيقية ، تجتاح عمرنا وليس هناك جدوى أو حل واضح وجذرى لهذه المشكلات، مشيراً إلى أن المسئولين لا يهتمون بالعمالة والبيوت المفتوحة من هذا العمل ومتطلبات الاولاد واحتياجاتهم الاساسية من مأكل ومشرب وتعليم وعلاج، ولا إلى المستثمرين أو الشركات التى فقدت أموالها، أو الفنادق المغلقة، أو حتى الفنادق والبازارات التى لاتكفى مصاريفها .



دور التشريع



يقول عمرو صدقى نائب رئيس غرفة السياحة وعضو مجلس النواب إن وضع القطاع السياحى فى حالة متردية منذ ستة أعوام، ولم يأخذ حقه حتى الآن ، ويجب ألا ننظر إلى السياحة على أنها صناعة عادية، وإنما هى صناعة مورد مهم وأساسى فى الاقتصاد المصرى ،والقضية الآن هى كيفية إنقاذ الاستثمار السياحى داخل جمهورية مصر العربية ، فالمشكلة ليست فى جلب السياح من الخارج وإنما فى تهيئة المكان والفنادق التى تليق بسمعة مصر فى المقام الأول ، بمعنى كيف يأتى إلينا الضيوف (السياح ) ونحن غير مستعدين لاستضافتهم، فمعظم الفنادق أغلقت أبوابها لأن أصحابها معرضون للسجن لصدور أحكام ضدهم، والموجود لايستطيع تقديم خدمة متميزة ،فتدنى مستوى الخدمة بالفنادق وعدم إمكانية أصحابها المادية بالقيام بعمليات الإحلال والتجديد، ومطالبات الدولة المتلاحقة لهم والمتزايدة من فواتير الكهرباء والمياه والتأمينات والضرائب وفوائد البنوك وارتفاع الأسعار 200% لجميع السلع الغذائية وسفر العمالة المدربة لدول الخليج ..كل هذا لم يجعل مستوى الخدمة متدنيا فقط وإنما الوضع العام للمستثمرين ككل متدن للغاية ،فالمستثمر لا ذنب له فى تعثره ،فهو ليس متقاعسا ولا متهربا من سداد ما عليه، وإنما ظروف البلد حكمت عليه بالدخول فى حلبة الصراع المدمر ، إما بغلق الفندق وإشهار إفلاسه، أو أن يستمر بأقل الإمكانيات وبأدنى خدمة مقدمة، وفى يوم وليلة يفاجأ بصدور أحكام ضده تقوده إلى السجن.



ويستكمل النائب البرلمانى حديثه، متسائلا أى منطق يفسر النهوض بالسياحة فى ظل هذا الجو العام ، فالسياحة ليست مسئولية وزارة السياحة بمفردها ولا غرف الاتحاد ولا هيئة تنشيط السياحة، فهى مسئولية قومية عامة مشتركة بين جميع الوزارات بالحكومة من وزارة المالية والكهرباء والداخلية والخارجية والعدل، وحتى وزارة الثقافة وكذلك المحافظات والمحليات وأيضا المواطن المصرى ، فعلينا أن نتكاتف جميعا للنهوض بصناعة السياحة والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة ،ولا بد من التفكير فى حلول لإنقاذ الإستثمارالسياحى وذلك باجتماع موسع وعاجل يضم ممثلين للمستثمرين ورجال الأعمال والغرف السياحية والاتحاد السياحى المصرى وهيئة تنشيط السياحة والتنمية السياحية، وكل من يهتم بقطاع السياحة لعرض وجهات النظر والعقبات التى تواجههم وترتيب الأولويات لتوحيد المطالب لحل مشكلات المستثمرين وإيجاد حلول ذات فكر فنى متخصص مشترك حسب الاحتياجات والمتطلبات للوصول إلى وضع أجندة موحدة، تكون بمثابة اللبنة الأولى لمشروع قانون يتيح لقطاع السياحة استرداد أنفاسه للخروج من الأزمة، ثم مخاطبة الدولة ومطالبة الجهات التشريعية بسن قوانين لإنقاذ صناعة السياحة فى مصر، والارتقاء بمستوى السياحة التى تليق بسمعة بلادنا، وبالتالى إتاحة المقدرة على التسويق. وهنا تكون القضية الأهم هى كيفية إنقاذ الاستثمار السياحى فى مصر ،وليس قضية جلب السياح.