أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
هيلارى وترامب ومذهب أوباما
7 مايو 2016
د . هالة مصطفى


اقتربت مرحلة الحسم فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية, وأصبح فوز هيلارى كلينتون عن الحزب الديمقراطى ودونالد ترامب عن الحزب الجمهورى شبه مؤكد, لتكون المنافسة النهائية فى الانتخابات العامة نوفمبر القادم بينهما. ولا شك أن مثل هذه الانتخابات وما يصاحبها من مناظرات سياسية تحظى باهتمام كبير, ليس فقط محليا وإنما أيضا دوليا لما للسياسة الأمريكية من تأثير على كثير من مناطق العالم ومنها الشرق الأوسط بالطبع. والسؤال المتجدد هنا,هل هناك فارق بين الديمقراطيين والجمهوريين بحيث ننتظر تغييرا جوهريا فى السياسات الحالية إزاء المنطقة؟.



وللإجابة على هذا السؤال وقبل التطرق إلى التفاصيل, هناك ملاحظة عامة تجدر الإشارة اليها, وهى غياب الأهداف والتصورات الكبرى بل والخيال السياسى عن تلك المناظرات, فلم نشهد صراعا على الأفكار بقدر ما حملت من اتهامات متبادلة قادتها إلى «شخصنة» الأمور والدخول فى قضايا فرعية, وأنها لم تخرج عن التركيز التقليدى على القضايا الداخلية المعتادة التى تميز بين الحزبين الديمقراطى (الذى ينحاز إلى الطبقة الوسطى ويتبنى نهجا ليبراليا) والجمهورى (بانتماءاته إلى طبقة الأثرياء وطابعه المحافظ) أما على مستوى السياسة الخارجية وهو ما نتوقف عنده, فإنه وعلى الرغم مما قد توحى به بعض السمات الظاهرية من اختلاف إلا أن ذلك ليس صحيحا على إطلاقه من الناحية الواقعية, فحتى الانتقادات التى وجهها ترامب «الجمهورى» باعتباره خصما حزبيا لإدارة أوباما «الديمقراطية» ووصفه لها بالضعيفة والمترددة مما نال من مكانة أمريكا العالمية, كانت أقرب إلى الدعاية أو الاستهلاك المحلى لحظة الانتخابات, إذ لم تكن هناك بدائل واضحة يستند عليها أو يُروج لها, ربما لسبب بسيط وهو تطابق تشخيص كل من الحزبين إجمالا لأزمات المنطقة, فهى ــ من وجهة نظر الفريقين ــ تتسم بالفوضى, حروب أهلية, أنظمة مستبدة, دول فاشلة, تراجع مزمن فى التنمية وفقا للتقارير الدولية, انتهاكات للحريات وحقوق الانسان, صراعات طائفية ومذهبية وحروب بالوكالة سعيا للسلطة والنفوذ الاقليمى, مُصدرة للتطرف والارهاب, ومن ثم فإن أى تدخل أمريكى فيها يجب أن يكون محسوبا وبأقل التكاليف المادية والعسكرية والبشرية الممكنة, وأنه لا سبيل لتكرار تجربتى أفغانستان والعراق اللتين كبدتا الولايات المتحدة خسائر فادحة دون نصر حاسم.



فى هذا السياق, يمكن قراءة تصريحات دونالد ترامب التى أدلى بها مؤخرا للـ«واشنطن بوست» و«سى إن إن» فضلا عن خطابه حول سياسته الخارجية, والتى راوغ فى بعضها وتماثل فى بعضها الآخر ــ وقد تكون هذه هى المفاجأة ــ مع أغلب ما قال به أوباما نفسه فى حديثه الشهير لمجلة «ذى أتلانتك» ونشر تحت عنوان «مذهب أوباما» وهو ما تناولته كاتبة هذه السطورتفصيلا فى مقال سابق.



فبداية, أعرب عن رفضه للاتفاق النووى مع ايران ووصفه بالقرار الخاطىء كونه لا يخدم سوى مصالح طهران, ولكنه لم يقل صراحة أنه سيقوم بإلغائه فورا حال وصوله إلى البيت الأبيض, مثلما لم يُقدم تصورا مختلفا لكيفية التعامل مع المعضلة الايرانية, وهنا تجب الإشارة أيضا إلى اعتراف الرئيس الحالى بأن هذا الاتفاق هو «اتفاق الضرورة» ليدفع بالسياسة الايرانية (السيئة كما وصفها) لتكون فقط أقل سوءا. كذلك دعوته لأن تكون بلاده أقل انحيازا لاسرائيل فى تعاملها مع المسالة الفلسطينية (وهى دعوة فى الغالب لن يصدقه فيها أحد بحكم الخصوصية الشديدة فى العلاقات الامريكية الاسرائيلية التى تتجاوز الأشخاص) ولكن حتى فى هذه النقطة لم يخرج كثيرا عما وجهه أوباما من انتقاد لسياسة نيتانياهو خاصة ما يتعلق بتعطيله لحل الدولتين, وهو موقف أكثر واقعية.



أما ما يكاد أن يكون نسخة طبق الأصل من رؤية أوباما, فهو الجزء المهم من حديث ترامب والمتعلق بضرورة مراجعة الولايات المتحدة لسياساتها تجاه حلفائها بدءا من أوروبا وحلف الناتو مرورا بألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية إلى دول الخليج والسعودية, فالأعباء المادية والعسكرية يجب إعادة توزيعها, والحماية الأمريكية لا بد وأن يكون لها سقف فى النهاية, والجانب الأكبر من الحرب على الارهاب فى الشرق الأوسط يجب أن تتحمل الجزء الأكبر فيه دول المنطقة ذاتها خاصة ما يتعلق بأى تدخل برى محتمل بعد تراجعه عن إمكانية نشر قوات أمريكية بالعراق لمواجهة تنظيم داعش. وهذه كلها ليست سوى صياغة أخرى لعبارة أوباما الشهيرة «من يريدون ركوب القطار الأمريكى بالمجان» لذا لم يكن غريبا أن تصف النيويورك تايمز ترامب بالابتعاد عن سياسة ثلاثة من أبرز الرؤساء الجمهوريين (ريجان وبوش الأب والإبن) سواء فى تغليبهم لسياسات القوة أو فى طبيعة علاقاتهم بالحلفاء التقليديين.



بخلاف ذلك, فليس هناك جديد أيضا فيما يتعلق بالملفات الاقليمية الأخرى, وأبرزها الملف السورى, صحيح أنه وجه اللوم لأوباما لعدم تدخله عسكريا لإسقاط بشار عندما سنحت الفرصة ولكنه لم يشر أيضا الى أنه سيفعل ذلك أو أنه سينقلب على سياسة الانفتاح على روسيا التى أصبحت طرفا أصيلا فى إدارة هذا الملف.



فى المقابل, ليست هناك حاجة للوقوف طويلا عند مواقف منافسته هيلارى كلينتون لأنها كانت شريكا رئيسيا لأوباما ووزيرة خارجيته فى ولايته الأولى ورعت كثيرا من السياسات والاتفاقيات بما فيها المتعلقة بايران إلى جانب انتمائهما الحزبى الواحد, وبالتالى فلن تختلف معها السياسات العامة الحالية إلا ما قد يتعلق بالتفاصيل أو بأساليب تنفيذها.



يبقى القول أخيرا, إن الفروقات بين الجمهوريين والديمقراطيين ليست على هذه الدرجة من الحدة واتساع الفجوة كما قد يتصور البعض, بل فى كثير من الأحيان يتخذون مواقف مشتركة مثلما صوتت هيلارى على قرار بوش بغزو العراق. لذلك فقد يكون «مذهب أوباما» الذى اختار له توقيت نهاية فترته الرئاسية للإعلان عنه هو «الفائز» إن جاز التعبيرفى الانتخابات هذه المرة وربما المحدد للاستراتيجية الأمريكية فى الفترة المقبلة بغض النظر عن التصنيفات الحزبية.