أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
حرب اردوغان الخفية ضد رئيس وزرائه
5 مايو 2016
رسالة أنقرة: سيد عبدالمجيد
اردوغان واوغلو

لم تعرف تركيا، حتى في أشد فتراتها انحطاطا ابان حقبة رجل أوروبا المريض نهايات القرن التاسع عشر، هذا النزوع الشره والمجنون للسلطة والتشبث بها في آن، مثلما هو الحاصل الآن، المذهل أن وريثة الإمبراطورية العثمانية في فترتها الاردوغانية ، تعيش وكأنها لم تبرح بعد قرونها الثيوقراطية البغيضة حيث الخلافة والسلطنة والمكائد المروعة التي كانت تدور في أروقتها ، وها هي تنغمس من جديد وقد استعادت أجواء الماضي الغابر بشروره مستلهمة كل فنون الدسائس ، فقط حدثتها لتتوافق وتتلاءم مع العصر في مستهل ألفيته الثالثة.


ولأن الحكم لا يمكن أن يكون له سوى حاكم واحد ووحيد ، فلابد إذن من إزاحة كل المنافسين المحتملين ، وقد كان لمهندسي صناعة الأمير ما أرادوا وتصور الأخير عقب «انتصاره التآمري» ــــ والذي تمثل في جر البلاد جرا إلى انتخابات مبكرة جرت بالأول من نوفمبر الفائت والتي أعد لها كل المقومات النجاح حتى لو كانت زائفة وغير مشروعة ـــ أن المسيرة نحو الهدف المنشود انتهت ولم يعد هناك من يزاحمه .



غير أن المقربين منه ( وهم جوقته التي تولي نشأتها وتربيتها بعناية ) اكتشفوا أن ما يأملونه ويصبون إليه من أجل ملهمهم الأبدي ، مازال بعيدا فأوعزوا إليه أن يعطيهم الأذن في خوض المعركة الأخيرة لإزاحة التلميذ النجيب" أحمد داود أوغلو" الذي تم الدفع به دفعا إلى قيادة الحزب والحكومة ( كرتونيا ) لاستكمال المشهد السلطوي ، فقد تأكد لهم أن الأوروبيين والأمريكيين بوجه خاص وصلوا إلى قناعة مؤداها أن دواد أوغلو يمكن أن يكون بديلا ناجعا لأردوغان الذي لم يعد شخصا مرغوبا بالنسبة إليهم. ولفهم ذلك يتطلب الأمر العودة إلى مرحلة الصعود أي قبل أربع عشرة سنة وما تلاها من إرهاصات وتطورات.



فمنذ ان احتل حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولي في المارثون التشريعي بخريف عام 2002، كان واضحا هذا الجنوح المفرط نحو الاستبداد وإدارة البلاد من خلال رجل واحد ، صحيح أنه حصل على 36 % فقط من إجمالي الأصوات ، إلا أنه وبفضل نظام انتخابي مشوه ، تمكن من بسط سلطانه ، هكذا بكل بساطة ، على ثلثي مقاعد البرلمان تقريبا ( 376 ) مقعدا من مجموع 550 هي جل مقاعد المجلس التشريعي.



وكان هذا كفيلا بأن يجعل النجم الصاعد آنذاك في سماء الحياة السياسية بالأناضول ، مغتبطا وسعيدا ، ولكن هيهات فقد ظل مسهدا لا ينام لياليه وكأنه يتقلب على جمر من النار ، فهو لم يصبح بعد رئيسا للوزراء (الذي لن يكون سدرة المنتهي له) ، نتيجة أوضاع قانونية (وصفت بالشاذة ) حالت دون ذلك ، الأمر الذي اضطره أن يستسلم كارها ومجبرا أمام تولي رفيق دربه في تأسيس الحزب عبد الله جول رئاسة الحكومة.



الطريف أن هذا الوضع كان مؤقتا ، ولكن ما الذي يضمن له ذلك ؟ بيد أن هواجسه لم تجد مرفأ بل ظلت في ازدياد خشية ألا يلتزم صديقه بالوعد والتعهد فهو يعلم قبل غيره كم هو مذهل بريق المنصب، من هنا أصر على أن يزاحمه في زياراته الرسمية مشاركا قراراته من مدخل التعرف بطرائق الحكم الذي هو قريب منه جدا، إلى أن انفلتت عقدته القضائية ليصبح أخيرا رئيسا للحكومة.



الملاحظة المثيرة في هذا الصدد ، هي أن الليبراليين العلمانيين في ذلك الوقت وانطلاقا من إيمانهم بالديمقراطية التي لا تقبل التجزئة ، لعبوا دورا مناهضا ضد كل أشكال التسلط وطالبوا برفع كافة العوائق كي يتبوأ الفائز بثقة الشعب منصبه ، ومن جانبها حسمت المحكمة الدستورية القضية وبشكل نهائي لصالح زعيم الحزب المنتصر في الاستحقاق التشريعي . غير أن المفارقة أن من ساندوه سينقلب عليهم بعد سنوات ليست بالبعيدة بحملات قمعية لم تحدث في ظل الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد، ولم تسلم أعلي محكمة في تركيا التي كان بمقدروها إغلاق حزبه ، من سهامه الجارحة وإنتقاداته التي لا يطيق هو نفسه مثلها.



الغريب أنه حاول بذر شتى العراقيل كي لا يصعد عبد الله جول إلى شنكاياي كشك (مقر رئاسة الجمهورية) خلفا لاحمد نجدت سيزر، وعندما فشل سعي جاهدا لتقصير مدته وقصرها لخمس سنوات وكاد أن يفلح لولا قرار من المحكمة الدستورية الذي اكد احقية جول في رئاسة سبع سنوات بل يمكنه الترشح لفترة ثانية ، لكن لاسباب ما فضل جول الابتعاد والاكتفاء بما قضاه كرئيس «الحادي عشر» للجمهورية التركية.



الطريف أن صلاحيات هذا المنصب الرفيع شرفية ومحدودة ومع هذا استحوذ عليها اردوغان وعندما اصبح الرئيس الثاني عشر للبلاد جمعها بصلاحياته عندما كان على رأس الحكومة وهو ما لم يستوعبه تلميذه دواد أوغلو ولهذا لم يعد نجيبا وعليه أن يتواري ولأنه من الذكاء تجنب أن يكون الصراع مباشرا ، بيد أن اعوانه على استعداد كامل للقيام بما يريده وكل ما هو مطلوب منه أن يعطي الاشارة وهذا ما حدث.



ومنذ المؤتمر العام الطارئ للحزب الحاكم في 12 سبتمبر 2015 ظهرت الخلافات وبشكل علني في سابقة هي الأولي وكانت البداية رفض داود أوغلو التوقيع على جملة قرارات صادرة من وزير المواصلات بن علي يلدرم المقرب جدا من اردوغان. بعد ذلك وافق دواد أوغلو على رفع الحصانة البرلمانية عن بعض نواب المطالبين من قبل المحاكم التركية على خلفية قضية رجل الأعمال التركي الأيراني الأصل رضا صراف الذي تم توقيفه في الولايات المتحدة الامريكية الأمر الذي رفضه بشدة اردوغان.



المثير أن مستشارى الرئيس أوحوا إليه أن ما يسعي إليه رئيس وزرائه وبحجة الشفافية ، هو فخ يريد أن يسقطه هو فيه ، بفتح ملفات الفساد من جديد ، ومن ثم إبعاد التفكير في تغيير النظام السياسي الحالي من برلماني إلى رئاسي.



تأسيسا على ذلك تم سحب صلاحيات تعيين رؤساء المحافظات والبلدات وتسليمها الى اللجنة المركزية للحزب وهو ما اعتبر بمثابة ضربة وانقلاب مدني على داود اوغلو زاد على ذلك ما صرح به نصوحي غونغور الكاتب بصحيفة ستار الناطقة بلسان اردوغان ورئيس قسم الاخبار بالاذاعة والتليفزيون الرسميين والمقرب من القصر الرئاسي عندما قال " إنه لم يعد ممكنا العمل مع رئيس الوزراء داود اوغلو " وكان طبيعيا أن يغضب الأخير فقام باتخاذ قرار ابعاد نصوحي من عمله في تحد لاردوغان. ولهذا تسربت أنباء أشارت إلى قرب ابعاد دواد أوغلو من منصبه الحالي ليحل محله في أول مؤتمر عام طارئ للحزب وزير المواصلات بن علي يلدرم أو برئات البيراق ( زوج كريمة الرئيس ) وزير الطاقة " لمنصب رئيس الوزراء.



والآن ما هي الخطوة التي سيتخذها داود اوغلو؟