أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الزوجة المثالية
18 مارس 2016

أكتب إليكم عن حكاية ابنتى سامية محمد الحباشى الشريف الموظفة بهيئة المساحة الجيولوجية فرع قنا، وهى فى سن الرابعة والأربعين، ومتزوجة من الجيولوجى عبده سالم الشريف وكيل وزارة البترول بالهيئة نفسها، وقد رزقهما الله بخمس بنات، هن: إسراء بكلية الحقوق، وآلاء بكلية الزراعة، وتسنيم بالسنة الثانية الثانوية، وآيات فى الصف الرابع الابتدائي، وأشرقت البالغة من العمر ثلاث سنوات، وكانت الحياة تمضى بهذه الأسرة الناجحة على ما يرام، ولم يعكر صفو حياتها أى شيء، ثم شعر زوجها ذات يوم بآلام شديدة فى بطنه، وعلى الفور أدخلناه مستشفى شهير، فتبين أنه مصاب بفيروس سي، وأن حالة الكبد متأخرة جدا، ولا علاج له سوى زراعة فص كبدى من متبرع، ولم نجد أحدا تنطبق عليه التحاليل اللازمة سوى زوجته وبناته الكبار، فقررت زوجته أن تكون هى المتبرعة، ورفض زوجها والعائلة كلها أن تتعرض لجراحة غير مأمونة العواقب، فصرخت فينا: لن أتركه يموت أمامي، وفى استطاعتى إنقاذ حياته، وأمام إصرارها دخلت العملية التى استغرقت سبع عشرة ساعة، وبعدها تم حجزهما فى غرفة العناية المركزة دون أن يكون بإمكان أحدنا زيارتهما والاطمئنان عليهما، وبعد خمسة أيام خرجت إلى غرفة عادية وقد تدلت منها الخراطيم والأكياس، أما زوجها فقد استمر حجزه بالعناية المركزة، وما هى إلا ثلاثة أيام بعد ذلك حتى فاضت روحه إلى بارئها، فكانت صدمة كبري، لم نتعاف منها حتى الآن.

إننى كلما نظرت إلى عينى ابنتى أنخرط فى بكاء مرير فأراها أمامى كالأسد الجريح الذى نالت منه الأحزان، وسرعان ما تحاول إخفاء حزنها كلما وقع نظر إحدى بناتها عليها.. وإنى أسألك: ألا تستحق ابنتى البطلة أن تكون أما مثالية لمحافظة قنا؟!.

> ولكاتب هذه الرسالة أقول:

بكل تأكيد هى أم مثالية بتربيتها بناتها الخمس هذه التربية الرائعة، ومساندتها زوجها رحمه الله بفص من كبدها غير مبالية بالعواقب السلبية فى كثير من هذه الجراحات التى يوقع فيها المتبرعون إقرارا بأنهم قد يتعرضون لأى مضاعفات فى أثناء الجراحة، إذ أنها لم تعبأ بالمحاذير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة.. فأرجو أن تهدأ بالا، وأن توقن بأن الأعمار بيد الله، وأنه إذا جاء الأجل فإن الإنسان لا يتقدم ولا يتأخر ساعة.. «فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون».

ولما كانت ابنتك مثلا يحتذى به، فلا أقل من تكريمها، وبيان عطائها حتى تتأسى الأخريات بها فما أكثر من يتركن أزواجهن إن أصابهم مكروه، أو تعرضوا لحادث، أو ضاقت بهم سبل المعيشة، أما أن تبادر بالتبرع له بجزء من جسمها، فهذا عطاء جميل، ويكفيها أنها الآن مرتاحة البال بما قدمت لزوجها رحمه الله، فطوبى لها وحسن مآب.