أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
تهنئـة تأخـرت واعتــذار واجــب للرجليـــن
8 مارس 2016
أشرف العشري

أعرف الرجل منذ 25 عاما ولكن لم تتوثق علاقتى به إلا فى اليوم الأول لتوليه منصب وزير الخارجية المصرية فى أبريل عام 2004، إنه أحمد أبوالغيط، حيث التقى يومها الزملاء الصحفيين المعتمدين فى وزارة الخارجية، وسأل عنى بالاسم حيث كنت محررا دبلوماسيا لـ«الأهرام»، وبالرغم من أننى لم أكن موجودا ساعتها، إلا أنه هاتفنى واتفقنا على اللقاء فى اليوم الثانى فى مكتبه، ومنذ ذلك الحين توثقت رؤى العلاقات وتبادل الأفكار والاتصالات شبه الدائمة. ناهيك عن مصاحبته فى عدة أسفار، كان أبرزها إلى ليبيا لتغطية قمة الوحدة الإفريقية، وبعد الوصول بساعات اختطف السفير المصرى فى العراق إيهاب الشريف، وشاهدت عن قرب اتصالات وتحركات الرجل لإدارة هذه الأزمة يومها من سرت الليبية.

وبعد أن ترك وزارة الخارجية فى أعقاب ثورة 25 يناير، كنت ألح عليه فى الاتصالات المتواصلة بيننا كل حين، بأن يعد ويجهز نفسه لمنصب الأمين العام للجامعة العربية، فكان رده المقتضب دوما أن المسألة ليست بهذه السهولة، وأن هناك تعقيدات كثيرة والطريق مازال ملغما.

ولكننى كنت على ثقة من أن الرجل سينال المراد فى نهاية الأمر، حيث إن المعطيات القائمة طيلة السنوات الماضية، كانت تصب فى مصلحته، حيث أحوال العرب وجامعتهم من سيئ إلى أسوأ، والأمين العام الحالى كان ومازال يقف فى مفترق طرق، ناهيك عن أنه لم يجد فن صياغة توفير الحد الأدنى من التوافق العربى داخل الجامعة حول شخصه، بل اعتمد دبلوماسية الولاءات والمساومات.

فى الوقت الذى كان أبوالغيط يدشن حضوره لهذا المنصب عبر استمرار توثيق علاقاته وأنشطته السياسية والدبلوماسية والفكرية، حيث كان قارئا ذكيا للأحداث والتطورات المتصاعدة فى العالم العربي، انكب على كتابة شهادته السياسية والدبلوماسية للفترة التى عمل فيها فى وزارة الخارجية. بالإضافة الى أنه كان حاضرا ومشاركا فى معظم المنتديات والمؤتمرات المصرية والعربية والدولية، وقد التقيته أكثر من مرة هناك متحدثا ومعقبا ومستمعا جيدا لتباينات الأفكار والرؤي، وعندما علمت عن يقين أن شخصه قاب قوسين أو أدنى من الوصول الى عتبة الأمين العام للجامعة، وأن تحركات تجرى فى الكواليس لاختيار التوقيت المناسب لإبلاغه وإعلان اسمه على الملأ، خاصة أننى كنت أعلم أن نبيل العربى قد ذهب للرئيس السيسى وعرض عليه التنازل عن المنصب، بعد قمة مارس فى العام الماضي، التى عقدت فى شرم الشيخ وأن الرئيس السيسى قد قبل الأمر وطلب من وزير الخارجية سامح شكرى بعدها مباشرة البحث عن اختيار شخصية مصرية لهذا المنصب خلفا للعربى، والحق يقال إن الوزير شكرى قد تحمس بكل صلابة وديناميكية لشخص أحمد أبوالغيط، وتزكيته دون منافس ومن يومها أعطى الرئيس السيسى إشارة البدء منذ أكثر من عام فى تهيئة الأجواء وتوفير الاستحقاقات والتوافق العربى لشخص أبوالغيط.

وأتذكر عندما التقيت الوزير أبوالغيط، فى حفل توقيع كتاب الأثرى الأسطورة الأخير الدكتور زاهى حواس المصرى الاستثنائى والفذ فى عالم الفراعنة والآثار والتراث وتاريخ حضارات المصريين، الذى نقل تاريخ المصريين الى آفاق الدنيا وقارات العالم، وكان ذلك فى صيف العام الماضى فى أحد فنادق القاهرة، حيث كان يومها نصف مصر يشارك الدكتور حواس توقيع أحدث إبداعاته وتجلياته التاريخية، أن انتحيت جانبا بالوزير أبوالغيط وهنأته بمنصب الأمين العام خلال أيام، وأطلعته على تفاصيل المعلومات والمعطيات التى فى حوزتي، فابتسم يومها وطلب تأجيل هذه التهنئة لأنه مازال هناك شوط كبير وأخير فى المعركة.

وكنت أعلم قصد الوزير أبوالغيط دون أن يبوح لى بالأسباب، إلا أننى فاجأته بالقول إن الأمين العام الحالى تراجع فى الأيام الماضية عن طلب الإعفاء وطلب وقتا مستقطعا، وأنه سوف يتخذ الخطوة فى الوقت المناسب ويعلن تخليه فى الوقت الذى يحدده هو نفسه، وعندئذ اندهش أبوالغيط من دقة المعلومات وابتسم ولم يعلق سوى بالقول ضاحكا: لا أعلم شيئا.

ومن جانبي، لا مبالغة فى القول إن اختيار وتسمية أحمد أبوالغيط لمنصب الأمين العام للجامعة العربية كان اختيارا موفقا ومدروسا بدقة من قبل الرئيس السيسي، بعد ترشيح صائب وجيد من الدبلوماسية المصرية ومهندسها الوزير سامح شكري، حيث إن أبوالغيط دبلوماسى محنك ومحترف يمثل تاريخا لعراقة الدبلوماسية المصرية، حيث تعلم وتتلمذ على يدى أعظم دبلوماسيى ووزراء خارجية مصر سنوات طويلة، ولديه من الكفاءة والقدرات والمؤهلات ما يعيد للجامعة العربية ما بناه وخطط له باحترافية الأمين العام السابق عمرو موسي، الذى أعاد لها الدور والمكانة والحضور الإقليمى والدولي، وبث فيها روح العمل العربى المشترك بعد موت سريرى وسبات أهل القبور سنوات طويلة، فأحيا أنشطتها ومؤسساتها ومراكزها وممثلياتها بفكر ثاقب ووتيرة متسارعة واخلاص وجهد سياسى ودبلوماسى استثنائى فريد.

ولذا يتطلع الجميع إلى شخص أبوالغيط التوافقى صاحب المبادرات العروبية والمؤمن بصلابة بحماية مقتضيات الأمن القومى العربي، وامتلاك قدرة على فعل التجاوز لإحداث التقارب والتلاقى بين الدول والعواصم والشعوب العربية، وانقاذ ما يمكن إنقاذه فى ظل حالة التشرذم والتشتت العربى حاليا، خاصة أنه يمتلك القدرة والأدوات على الفعل.. وبالفعل نعم أبوالغيط يستطيع..

واذا كان من اعتذار يقدم بعد هذه التهنئة، فهو الاعتذار الذى يجب أن تتوجه به القيادة المصرية التى كانت تتولى مسئولية القرار فى صيف عام 2011، وبعض العواصم العربية على سوء قرارها واختيارها بتجاوز شخص الدكتور مصطفى الفقي، الذى كان مرشحا قبل نبيل العربى لكن علينا أن نعترف صراحة، أن الرجل قد تعرض لمؤامرة اللحظة الأخيرة بفعل الضغط القطرى والسوداني، فتم تجاوزه والتضحية به مقابل اسم نبيل العربي.

بكل تأكيد مازالت لدى البعض قناعة تلامس اليقين، وأنا واحد منهم، أن الفقى يستحق الاعتذار وأنه اختياره وأداءه يومها كان سيكون أفضل حيث الرجل كان ومازال يمتلك مقومات النجاح وشبكة العلاقات والتواصل والفكر المتقد، وصاحب استراتيجية الإنجاز وحل العقد، وبالتالى ما كان وصل الحال العربى الى تلك النهايات التعيسة البائسة كما هى الآن.