لماذا تقدموا... ولماذا تعثرنا؟
هل كان يمكن أن تصل اليابان إلي ما حققته من قوة وتقدم ونجاح دون احترام وتطبيق صارم لقوانين عادلة وعاجلة ومشددة.. قوانين لا تُشرعن وتحمي الفساد وتطبق بلا تمييز وعلي الكبار قبل الصغار وتفرض احتراما جادا وحقيقيا لقيمة وكرامة المواطن؟!! هل كان يمكن لليابان أن تصل إلي ما وصلت إليه وهي تترك للفسدة أو من يستقوون بأي شكل من أشكال القوة والنفوذ والسلطان والجاه أن يفعلوا ما يحلو لهم أن يفعلوه وينهبوا ما يستطيعون أن ينهبوه دون أن يجدوا من يحاسبهم؟!!
>أقرب مثال بسيط لمقارنة الفروق ما وقع في وقت واحد تقريبا.. هذا الاستقبال الحافل والمحترم والرصين الذي يليق بمصر ورئيسها في البرلمان الياباني والأحداث المؤسفة التي حدثت في أقدم برلمان في المنطقة منذ عرفت مصر مجلس شوري النواب منذ 051 عاما. وفي قراءاتي حول أسرار النجاح وكيف تدار منظومة العمل توقفت أمام أساليبهم الجادة والعلمية والمتخصصة في اختيار المسئولين في مختلف مواقع الدولة وخططهم الشفافة للوصول إلي أعلي الكفاءات والمهارات والمتخصصين بل والمبدعين في جميع مواقع القيادة والإدارة والعمل والمسئولية ـ من أكبرها إلي أبسطها ـ ما كانوا ليصلوا إلي هذه المستويات في التقدم وفي معدلات الإنتاج بمسئولين تتوافر فيهم فقط الصلاحيات الأمنية ومهما تدنت أو انعدمت الكفاءات وتميزت الخبرات.. والأخطر كيف يتم ترشيح من تشير إليهم أصابع اتهام في قضايا وتحقيقات؟! والمثال الأقرب جاء فيما تردد في بعض الصحف حول إجراء تغييرات وزارية وجاء في بعض ما نشر أن رئيس الوزراء بصدد دراسة ملف شخصية مرشحة يقف وراءها مسئولون ورجال أعمال ويتناول الخبر اسم الشخصية المرشحة الذي تردد في قضايا فساد مازالت مفتوحة!! أليس من حق المصريين أن يعرفوا معايير اختيار المسئولين وخاصة الرءوس الكبيرة وأن تُعلن شهادات وقياسات الخبرة والإنجازات ونظافة اليد والتاريخ حتي لا تظل مصر ميراثا لأجيال الفساد والعجز ونقص الكفاءة؟!! في تصريح لرئيس الوزراء 1/3 أنه غير راض عن أداء المحافظين وهو تصريح يتفق مع رأي ومعاناة أبناء أغلب المحافظات ويعيدنا إلي القواعد السليمة والعلمية الغائبة عن اختيار المسئولين. ماذا كان يحدث في اليابان إذا صدرنا إليهم جهاز المحليات الذي أغرق مصر في الفساد!!
>ما هي الشروط التي يذهب المستثمر ليستثمر في ظلها في اليابان ـ أليس هناك قواعد وضوابط كما تحمي حقوق المستثمر تحمي حقوق المواطنين وحقوق الكرامة والسيادة الوطنية؟ لفتتني تصريحات أخيرة أن الحكومة لن تسمح بتطفيش المستثمرين وأن القطاع الخاص سيشارك في التعليم والصحة والنقل وهي تصريحات مدهشة فهل يهرب المستثمر إلا من عدم توفير المناخ السليم للاستثمار ومن عليه توفير هذا المناخ؟! ولماذا تأخر تحقيقه حتي الآن رغم المؤتمرات الاقتصادية المهمة التي أقبل عليها مستثمرون من أنحاء الدنيا..؟!! ثم أليس القطاع الخاص من الشركاء الأساسيين في التعليم والصحة الآن في مصر ولكن هل المشاركة وعدم تطفيش المستثمرين تعني الحقائق والوقائع المؤلمة التي نشهدها الآن للاستثمارات الخاصة في هذه المجالات والتي حولت التعليم والصحة إلي اتجار وتربح لأعلي سعر!! ورغم الأرقام الخيالية التي لا يستطيعها عموم وجموع المصريين ـ فقد أصبح التعليم الخاص ينافس التعليم الرسمي وانسحاب دور المدرسة وغزو الدروس والمراكز الخاصة وليتواصل نزيف المليارات في تعليم تحول إلي تربح واتجار ـ فهل ستسمح الحكومة بتطفيش المستثمرين من خلال اطلاق المزيد من حقوق التربح والاتجار في التعليم والصحة والنقل أو ستكون هناك ضوابط وقوانين وقواعد ملزمة تقيم العدالة وتحمي القاعدة الغالبة من المصريين حتي لا يزدادوا انسحاقا تحت شروط وأثمان التعليم والصحة والمواصلات ولقمة العيش الآمنة والكريمة؟!! وكما يؤكد الرئيس صادقا ودائما ان الملايين الذين حرموا الشروط العادلة للحياة هم الأكثر استحقاقا لكل ما يحدث في مصر الآن فهل سمعت الحكومة أو لم تسمع؟!!
>أعود إلي سؤالي الذي بدأت من عنده وأنا أتابع وقائع زيارة بالغة الأهمية للرئيس يبحث فيها عن مفاتيح كنوز النجاح والتفوق في دول كنا نسبقها ونملك من ثروات بشرية وطبيعية ما لا يملكون.. وتخلفنا وتقدموا ونجحوا وتعثرنا.. وفي الحلم الكبير للرئيس أن يصعد ببلاده إلي الآفاق التي تستحقها.. أرصد واحدا من أهم مقومات النجاح ـ وهو المكانة التي يعطونها للبحث العلمي والعلماء والخبراء.. والاهتمام بتطوير العقل البشري والاحترام البالغ لمنجزاته.. هل كان يمكن لليابان أو ماليزيا أو كوريا الجنوبية أن يحققوا نجاحاتهم والعقول النابهة ومنتجها يطلق عليها رصاص الإهمال والإقصاء.. إن لم يتم اغتيال العلماء أنفسهم بكافة الوسائل المتاحة سواء كانت معنوية أو مادية ـ وربما يسمح المجال فيما بعد أن أشير إلي نماذج تمت للقتل المعنوي والمادي لعلماء وخبراء.. ميزان من أهم موازين البشر هناك ما يملك ويحقق من ابداعات وانجازات عقلية وعلمية وابداعية وأفكار وقدرات علي تغيير وجه الحياة وللأسف منظومة الفساد والإفساد والاستبداد هنا طوال عشرات السنين الماضية حولت قيمة الانسان إلي ما يملك من أموال ومهما تكن طرق الجمع أو النهب!!
>فوق مجموعة من الجزر البركانية بنى اليابانيون دولتهم وحضارتهم وتقدمهم وهم يرقصون فوق الزلازل ويتحدون قسوة الطبيعة وينتصرون علي القنابل الذرية ـ ونحن هنا أهدانا الله أعظم أرض منبسطة وتربة خصبة حاضنة وعاشقة للحياة وللخضرة قام الفسدة والمفسدون والقتلة ولصوص الحياة بتدميرها وتجريف أخصبها واستبدلوا الزرع بالأبراج المتوحشة أو العمران العشوائي ـ 05% من مساحة مصر أصبحت عشوائيات كما كشف الرئيس في خطاب أخير. مخطط تدمير أخصب أراضينا كانت مع سبق الاصرار والتخطيط لمسئول التطبيع الكبير وعصابته وأعوانه الذين مازال كثير من أتباعهم وسلالة بذور الفساد والتدمير يسيطرون علي أخطر وزارات الأمن القومي والغذائي والحيوي!!
نشرت صحيفة الدستور 92/2 نقلا عن دراسة رسمية لوزارة الزراعة [اختفاء الدلتا من الخريطة خلال 06 عاما بسبب التعديات علي الأراضي الزراعية ـ 03 ألف فدان من أجود الأراضي تم الاعتداء عليها العام الماضي والقاهرة فقدت 39% من أراضيها خلال أربعين عاما] الأخطر من جرائم التدمير والبناء علي أخصب الأراضي الزراعية ـ جرائم عدم الحساب والعقاب وأبسطها أن يقوم كل من بني فوق أراض صالحة للزراعة بتقديم قيمة ما دمره ليستثمر هذه الأموال في استصلاح وتعمير الصحراء والمشروع القومي لزراعة مليون ونصف المليون فدان.
> ما أريد أن أصل إليه من المقارنات العاجلة ليس التقليل من شأن ما تمتلك مصر من فرص للانطلاق.. ولكن كيف نزيل التحديات والعقبات التي رغم ما نمتلك من ثروات طبيعية وبشرية تراجعنا ورغم ما لا يمتلكون تقدموا وحققوا هذه التجارب والنهضة الرائعة وكيف نحقق أعلي وأفضل استثمار للنتائج السياسية والاقتصادية والحضارية والثقافية والاجتماعية لرحلة الرئيس ولكل ما تم توقيعه من اتفاقيات وعقود وشراكة وقروض في مجالات عديدة كالزراعة والصناعة والنقل والمواني والسياحة والتعليم [لم أكن أعرف أن مدارس محدودة في مصر تطبق بالفعل نظام اليابان في التعليم وأسفرت عن نجاحات وتحولات مهمة في سلوك الكلية والطالبات والتدريب علي القيادة وتحمل المسئولية شاهدت المدرسة التي تطبق النظام الياباني في برنامج القاهرة 063 للإعلامي المحترم أسامة كمال ولا أعرف لماذا لم تعمم التجربة في أكبر عدد من المدارس..المهم. هذه النتائج المهمة لزيارات الرئيس هل يمكن أن يستفاد منها استفادة حقيقية دون توفر الادارات والمسئولين ـ وزراء ومحافظين وإدارة محلية ـ مهمتهم الأولي هي إزالة العقبات وحل المشكلات والتصدي بحزم وجدية لكل ما يمنع أقصي استثمار للنتائج ولكل ما يحقق لمصر أن تنطلق وتتحرر من جميع العوامل التي حالت دون هذا التقدم والتطور والذي أشرت إلي قليل منه في السطور السابقة ـ وهو ما يعني وجود قيادات ومسئولين وفكر آخر تماما لا علاقة له بما نشهده من مستويات أداء الآن في وزارات كثيرة وفي المحافظات وفي الإدارات المحلية فلا أظن أنه يكفي أن ننقل أي تجربة ومهما كان قدر نجاحها دون توافير المناخ الصحي والقوانين التي تمنحها القدرة علي الصمود للتحديات التي عصفت ومازالت بكثير من خطط الانقاذ وفكر ومناهج العلماء والخبراء.. وفرص التقدم والازدهار.
>لا نحتاج أن نبحث كثيرا لماذا نجحوا وتقدموا ولماذا تعثرنا كل هذا التعثر رغم كل ما نمتلك.. نحتاج أن نكون جادين وحاسمين في التخلص من الأسباب التي أدت إلي التعثر والتخلف ـ وأن نتذكر شهادة من أهم تجليات زيارة الرئيس في قدر الاحترام والتقدير لشعبها وتاريخها ورئيسها وثورتها أن مصر ورغم كل ما حدث لها وأُنزل بها مازالت تنطلق من أرصدة تاريخية وحضارية وثقافية محفوظة لها في وجدان الأمم المحترمة ـ لذلك فمع توفر الأموال والقروض والعقود وجميع الجوانب المادية نحتاج إلي توافير المناخ والقوانين والمسئولين والأداء والاستحقاقات العادلة للملايين وكرامة الإنسان والعلم والعقل وسيادة القانون وكل ما يجعل مصر تستعصي مرة أخري علي ما شهدته عشرات السنين الماضية.