أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
سوريا.. هل حان وقت التقسيم؟
29 فبراير 2016
خالد عمر بن ققه

ينظر كثير من السوريين فى الداخل والخارج إلى عمليّة وقف إطلاق النار، التى بدأت أمس الأول، الموافق 27 فبراير، بإشراف أمريكى روسى وأممي، بتفاؤل مشوب بالحذر، كون أنهم فى حاجة إلى الأمان ولو كان نسبيا بعد 5 سنوات من الحرب الأهلية، غير أنهم يتخوّفون من تبعات هذه العملية فى المستقبل القريب، لسببين، الأول: أن عملية وقف إطلاق النار لا تشمل تنظيمين رئيسيين إرهابييّن هما: داعش وجبهة النصرة، والثاني: أن الفصائل المقاتلة والتى هى امتداد للقوى الخارجية تتحكم فى مصير بعض المناطق، وهذا يعنى أن الأعمال العدائيّة كما صنّفها الراعون للعملية ـ لن تتوقف. على صعيد التجربة، تبدو عملية وقف النار جادة مقارنة بمحاولات سابقة، فشلت جميعها قبل أن تبدأ، لالأنها دخلت مرحلة التنفيذ، رغم ما قد يصاحبها من خروقات، ولكن لأن المُشرفيْن عليها هما: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، إذ رغم خلافاتها الظاهرة والباطنة حول المأساة السورية وارتباطاتهما مع حلفائهما فى المنطقة والعالم، إلا أنهما تعملان اليوم، على ثلاثة مسارات، الاول: عدم الوصول إلى الصدام العسكرى بينهما على الأرض السورية، والثاني: اعتبار العدو المشترك بينهما واحدا، وعليهما القضاء عليه أو التقليل من مخاطره، على أن يبقى محصورا ذلك فى منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا المنطقة العربية، والثالث: محاولة ارضاء حلفائهما بما يخدم المصالح المشتركة.

من ناحية أخري، فإن نص البيان يكشف عن وصول كل الأطراف المتصارعة إلى طريق مسدود، وعجزها عن تحقيق انتصار حاسم، بل وتعذر حدوث ذلك فى المستقبل القريب، بما فى ذلك قوات النظام التى استعادت مناطق كثيرة فى الشهور الثلاثة الماضية، بدعم روسي، كما بين أن الهدف النهائى من وقف إطلاق النارأو ما سمى بالأعمال العدائية ـ كما هو مضمّن فى شروط الهدنة ـ هو الاعتراف بوجود قوى متقاتلة عليها الوصول إلى صيغة من التعايش، إما عن طرق توقيف الحرب ومن ثمَّ الدخول فى العملية السياسية، على ألا تكون نهايتها ابعاد النظام الحالي، وإما أن يتم تقسيم سوريا إلى دويلات، أقلها خطرا قيام دولتين، وهذا المشروع تم الإعداد له منذ سنوات، وبدأت بعض الأطراف تنفذه ضمن البحث فى مطالب الأقليات وخاصة الأكراد منذ العام 2001. فى ظاهر البيان تبدو أن هناك قوتين تتصارعان، الأولى القوات النظامية والقوى الداعمة لها، والثانية مجموعات المعارضة المسلحة، أى غير الإرهابية أو كما تسميها الولايات المتحدة وحلفاؤها بالمعارضة المعتدلة، ولكن فى بطن هذا يتجمع عدد من القوى المتحالفة حاليا والمتصارعة فى المستقبل نظرا لاختلاف المصالح، يضاف إلى ذلك الجماعات الإرهابية مثل: داعش وجبهة النصرة، والتى يمكن أن تحول دون استمرار وقف إطلاق الناّر، تلك العبارة التى تعنى بالٍاساس وجود حرب بين دولتين وأكثر، وهى بالفعل كذلك فى سوريا اليوم.

وإذا كان من شروط الهدنة هو سَيَرانها فى عموم البلاد على أى طرف مشترك حاليا فى عمليات قتالية،عسكرية أوشبه عسكرية، ضد أى أطراف أخرى باستثناء «تنظيم داعش» و«جبهةالنصرة»، وأى منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي، فإن ذلك يؤكد الاعتراف الدولى بالقوى المتصارعة لجهة مشاركتها فى شكل الدولة المنتظرة أو الدويلات ضمن الخريطة الجديدة للوطن العربي.

مصير سوريا اليوم تقرِّرُه الولايات المتحدة وروسيا، والقول ـ كما ورد ضمن شروط توقيف الأعمال العدائية ـ بالتنفيذالكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذى تم اعتماده بالإجماع يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، بما فى ذلك الاستعداد للمشاركة فى عملية المفاوضات السياسية التى تيسرهاالأمم المتحدة، يُعدُّ إطارا مرجعياًّ سبق طرْحه لكنه لم ينفّذ لغياب من يملك قوة الضغط، وهو سيتحقق الآن ولو فى حدّه الأدنى نظرا للتدخل الأمريكى الروسى. من القضايا الأخرى التى حددها البيان هي: «وقفا لهجمات بأى نوع من الأسلحة، بما فى ذلك الصواريخ، ومدافع الهاون، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، ضدالقوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، وأى قوات مرتبطة بها»، و«التوقف عن كسب أوالسعى إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة بوقف إطلاق النار»، وبالسماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن ودون عراقيل فى جميع أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرتهاالعملياتية، والسماح فوراًبوصول المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها»، وبالاستخدام المتناسب للقوة (أي ما لايزيد عما هومطلوب للتصدى لتهديد مباشر) عندما يكون الرد فى حالة دفاع عن النفس»، و(تعهّد جميع الأطراف بالعمل على الإفراج المبكر عن المعتقلين، وخصوصاًالنساء والأطفال)، و(عدم تعرض الأطراف المشاركة فى الهدنة إلى هجوم من قبل القوات المسلحة الروسية والتحالف الذى تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، والأطراف الأخرى المشاركة فى الهدنة) و(تأكيدالولايات المتحدة وروسياالاتحادية على أن تتم مراقبة وقف الأعمال العدائية بطريقة حيادية وشفافة وتحت تغطيةإعلامية واسعة). كل البنود السابقة ـ سواء نفّذت أو لم تُنفّذ ـ تشير إلى أن سوريا المستقبل لن تبقى موحدة كما كانت فى الماضي، وما سيحدث فيها سيكون تجربة أوليّة ـ بروفة ـ لما سيقع فى دول عربية أخري، خاصة تلك المؤثرة فى المنطقة أو من تملك مساحة كبيرة أوموقعا استراتيجيا أو ثروات وطاقة. التدخل الأمريكى الروسى العسكرى والسلمى، لن يكون خيرا لسوريا وللعرب، رغم أنه سيؤدى إلى توقيف الحرب، والذين يؤيدون وجودهما من المعارضة والنظام، ومن والاهما ودعمهما من الدول العربية ودول الجوار، عليهم أن يتذكّروا ما حدث لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ولكوريا ولغيرهما من المنهزمة.. لقد حان وقت تقسيم سوريا بين الولايات المتحدة وروسيا، فمن يُوقفه؟، أو يحول دون وقوعه؟.