أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
التعليـم على الطريقـة المصـرية !
3 فبراير 2016
عماد رحيم

حينما طالعت مشروع القانون الذى تعده بعض الجهات الخاص بمعاقبة كل من يشارك فى إعطاء الدروس الخصوصية بعقوبات متفاوتة من الغرامة المالية التى قد تصل من 10 الى 100 ألف جنيه أو بالسجن من 5 إلى 15 سنة كعقوبة مشددة، وهذا على المدرس الحكومى فقط. تذكرت أساتذتى الأفاضل الذين تعلمت منهم الكثير، رحمة الله على من توفى منهم، و بارك الله فيمن أمد الله فى عمره، كما تذكرت رائعة أمير الشعراء:أحمد شوقى

قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا

كـادَالمعلّمُ أن يكونَ رسولا

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذى

يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا.

اليوم نستبدلها بمشروع قانون يهين المعلم، ويجعله أضحوكة المجتمع، ذلك الرجل «المعلم» الذى تخرج من تحت يديه واضعو هذا المشروع، أنقضوا عليه، محاولين وضعه فى دائرة ضيقة تكاد تميته لو تم إقرار القانون!

من فكروا فى هذا المشروع توهموا أنهم بهذه الطريقة سوف يتمكنوا من القضاء على الدروس الخصوصية، ومن ثم عودة الروح للمدارس التى اشتكت جدرانها هجرة طلابها، عبر سنين من الإهمال والفوضى المنظمة، من خلال الحكومات المتتالية التى غضت الطرف عن الخراب الذى طال المنظومة التعليمية بشكل مستفز، حتى بات من الطبيعى مشاهدة تلميذ أتم مرحلة الدراسة الإعدادية «عاجز» عن الكتابة، وآخرين لا يملكون أى مهارة من مهارات التعليم الأساسى، بعد تسع سنوات قضاها التلميذ ذهاباً و إياباً للمدرسة، ثم حصوله على شهادات النجاح سنة تلو الأخرى، لنفاجأ فى النهاية بعدد معتبر من هؤلاء التلاميذ بلا أى مهارات، بل و أكررها مرة أخرى «عاجزون عن الكتابة»، وهذا ما اكتشفه د.محمود أبوالنصر عندما عقد امتحان القرائية لهؤلاء التلاميذ وكانت النتائج كارثية، ورغم ذلك لم تستوقف تلك النتائج نخبة المجتمع، ولا صفوته، ولا فضائياته، ولا رجال أعماله، فكل فى فلكه يدور، وأحواله وفق هواه تسير، فلا داعى للانشغال بأمور الغير، لماذا؟

لأننا ومنذ فترة طويلة وبفعل فاعل، أصبحنا نعيش بطريقة الجزر المنعزلة، كل جزيرة يحاول قاطنوها تعظيم مكاسبها بكل الوسائل، إلا جزيرة «الفقراء»، فهى الجزيرة الأصغر فى المساحة، والأكبر فى عدد المقيمين، انشغالهم بتوفير لقمة العيش، بالاضافة إلى معارك الحفاظ على موطئ القدم على تلك الجزيرة، المهدد دائما بالإزالة، بسبب قلة ذات اليد، وعراقيل أخرى، تفننت الجزيرة الأكبر فى المساحة، والأقل فى عدد القاطنين، «أصحاب الحظوة» فى وضعها فى عجلة حياتهم، لسنا فى محل الحديث عنها الآن.

تلك الطريقة «الجزر المنعزلة»، رسخت قيماً بالية منذ عقود، حتى أمست عرفاً، يسير عليه الناس، القيمة الأهم كانت إغراق المواطن «البسيط» فى دوامة التعليم، ليظل مشغولا ومهموما بمشكلاته، فعلى سبيل المثال، ضم الصف الخامس على السادس الابتدائى، وبعد عدة سنوات جاءت سنة الفراغ فى الثانوية العامة، وفى أحد الأوقات كان الحصول على تأشيرة وزير التربية والتعليم لدخول التلميذ فوق الكثافة، بمنزلة حلم، قليلون يستطيعون تحقيقه ـ فاق عدد الحاصلين على تلك التأشيرة فى إحدى السنوات سبعين ألفا ـ بعد أن أضحت المدارس الحكومية التى تخرج فيها جيلى و الأجيال السابقة «موضة قديمة»، تم تحديثها بالمدارس التجريبية لغات، ثم مدارس المستقبل لغات، و بينهم المدارس القومية، ثم المدارس الدولية، و قبلها المدارس الخاصة.

إنه خليط عجيب من مجموعة أنظمة تعليمية مختلفة، ذات مدخلات متباينة، و بمستويات تعليمية متفاوتة، لتكون المحصلة، مخرجات غير متناسقة، و يظل الأبرز فى هذا الخليط، النسبة المعتبرة التى تحدثت عنها سابقا، خريجى المدارس الحكومية أصحاب الفصول ذات الكثافة الكبيرة، والإمكانات القليلة. ترك الخبراء كل هذه المشكلات، وتناسوا عمداً أن التعليم يرتكز على أربعة أعمدة، التلميذ، والمدرس، والدرس «المنهج»، و المدرسة، وتفتق ذهنهم على أن الحل السحرى لكل أزمات التعليم ينحصر فى قهر المدرس وترويعه، باعتبار أن تلك الآلية ـ مشروع القانون ـ هى اللبنة الرئيسية لحل باقى مشكلات التعليم، من منهج عقيم بعيد كلياً عن الابتكار ومعتمد تماماً على التلقين، لمدرسة أصبحت مكاناً للسمر يروح فيها التلميذ عن نفسه إذا ذهب إليها، للمدرس الذى لا يكفيه دخله الرسمى لسد احتياجاته الأساسية!

لقد قامت الدنيا ولم تقعد حينما تحدث المستشار «جنينة» عن فساد بقيمة 600 مليار جنيه، وأنا أرى أن منظومة التعليم قد يكون بها فساد يفوق حجم الفساد المعلن، بدأ منذ عقود ومازال متجذراً، فالإهمال فى التعامل التعليمى «المحترم» مع أبنائنا جعلنا فى المرتبة قبل الأخيرة عالمياً فى المستوى التعليمى، ومازلنا نطرح خططا وأفكارا، ورؤى حول تطوير التعليم، الذى يظل الحديث عنه أشبه بالحرث فى الماء.

ففى دول العالم المتقدمة، المعلم هو الأعلى دخلاً بين باقى المهن، ومهنته هى الأكثر رقياً فى تلك الدول، أما عندنا فالمعلم أصبح مهددا بالحبس لمدة تصل إلى 15 عاما، ثم يظل الحديث عن التطوير مستمراً!

وأخيراً القرار الفاسد أخطر وأكبر كلفة من أى فساد آخر، وأذا أردنا إصلاح حال الوطن فعلينا بإصلاح حال التعليم الذى يجب أن يكون على أسس سليمة تأخذ بعين الاعتبار كل مرتكزات العملية التعليمية، وتجارب الدول المتقدمة ليست ببعيدة.