أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
ماذا وراء اتهامات واشنطن لبوتين بالفساد؟
1 فبراير 2016
موسكو - د. سامى عمارة

ما ان يحقق الرئيس فلاديمير بوتين تقدما او انجازا على اى من الصعيدين الاقليمى او الدولى ، حتى تنطلق السهام ومعها مختلف الادعاءات والاتهامات، فى الوقت الذى تقول فيه مؤشرات الحاضر بقرب احتمالات تخلى الكثير من بلدان الاتحاد الاوروبى عن العقوبات المفروضة ضد روسيا بايعاز من واشنطن منذ اندلاع الازمة الاوكرانية.


من هذا المنظور تحديدا يمكن تفسير ما عادت اليه الادارة الامريكية من محاولات لتصعيد سياساتها من خلال كيلها العديد من الاتهامات للرئيس بوتين بالفساد والتستر على جرائم عدد من افراد حاشيته على حد زعمها.



الان لم يعد سرا ما سبق وكشفت عنه مصادر الادارة الامريكية حول مخططات تستهدف الاطاحة بالرئيس الروسي. وكانت المصادر الامريكية اماطت اللثام عن بعض اسباب تدهور العلاقة بين الرئيسين الامريكى اوباما والروسى بوتين، ولم تكن يوما احسن حالا. قالت ان منها ما يعود الى منح الرئيس الروسى حق اللجوء السياسى فى روسيا لادوارد سنودن موظف المخابرات المركزية الامريكية الهارب، وكان وعد اوباما بانه لن يفعل ذلك حسب مصادر امريكية. وتذكر موسكو ما سبق واتهم به اوباما من على منصة الجمعية العامة للامم المتحدة، روسيا التى وصفها مع "ايبولا" و"الارهاب الدولي" بوصفها الاخطار الثلاثة التى تهدد البشرية. موسكو الرسمية لم تنجرف الى الرد على ما وصفته بـ"المهاترات الوقحة"، مكتفية بما اعرب عنه سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية من غضب وادانة لدى رده على مكالمة نظيره الامريكى جون كيري.



اما دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين فقد اكتفى بنفى هذه الاتهامات مؤكدا ان "بوتين لا يملك يختا"، فيما طالب الجانب الامريكى بتقديم الادلة على ما يقوله. وكانت هذه الاتهامات جاءت فى اعقاب معاودة اتهام دوائر بريطانية لبوتين بمسئولية اغتيال الكسندر ليتفينينكو ضابط الكى جى بى السابق الذى هرب الى لندن ولقى حتفه باستخدام مواد مشعة فى عام 2006، فضلا عن وقائع اخرى كثيرة تشير كلها الى ان واشنطن لن تتراجع عن مخططاتها التى سبق وحذر الرئيس الروسى من مغبتها.



وكان بوتين ادرك مبكرا ان واشنطن سوف تواصل من بوابة "حصان طروادة" التغلغل داخل فريقه الحاكم ممن سقط بعضهم فى شرك الفساد واستمرأوا استغلال مواقعهم لاكتناز الثروات والعقارات فى داخل البلاد وخارجها. ولذا كان قراره بالزامهم بالمفاضلة بين الثروة والمناصب الحكومية، الى جانب الزام كل العاملين فى الاجهزة الرسمية للدولة بالاعلان عن هذه الثروات والاستثمارات والحسابات المالية المتضخمة فى بنوك الخارج، وما يكونون قد حصلوا عليه من تسهيلات وامتيازات ومنها "جنسيات اجنبية".



وفيما كان اوباما ورفاقه يقصدون بفرض "عقوباتهم" التى استهدفت ممثلى هذه النخبة الحاكمة، والضغط فى اتجاه ان يكون هؤلاء فى مقدمة المتذمرين ضد سياسات بوتين، تمهيدا لـ "ثورة ملونة" تستهدف زعزعة مواقع النظام والاطاحة به، فاجأه بوتين بخطاب نارى فى سوتشى فى ختام اعمال منتدى فالداي، لم يكن أقل حدة من خطابه فى ميونيخ 2007 وهو ما تناولناه فى تقارير سابقة من موسكو، وسردنا فيها ما قاله حول يقينه من ان اشعال الغرب لنيران الازمة الاوكرانية كان ستارا لتنفيذ مآرب امريكية بعيدة المدى. فلم يكن سرا ان الرئيس الامريكى وضع نصب عينيه هدف التخلص من غريمه الروسى الذى لا يطيق التعامل معه منذ ان عاد الى السلطة فى الكرملين فى عام 2012.



ونذكر ان بوتين اتهم الولايات المتحدة صراحة باشعال نيران "الثورات الملونة" فى الفضاء السوفيتى السابق، وتدبير الانقلابات والتى كان آخرها الاطاحة بنظام الرئيس الاوكرانى السابق فيكتور يانوكوفيتش.



ولكم بلغ الامر قمة تناقضاته، حين سجل ارتفاع نسبة شعبية بوتين فى الداخل والخارج على حد سواء، رغم كل العقوبات والمحاولات المضنية التى يبذلها خصومه، ما اكدته مجلة "فوربس" خلال العامين الاخيرين، باختيارها الرئيس الروسى كـ"اقوى رجل فى العالم".



وقد جاءت كل هذه الاحداث فى توقيت كان الرئيس الروسى فيه يواصل حشد انصاره ممن كانوا التحقوا بالجبهةالشعبية لعموم روسيا التى وقف بوتين وراء تشكيلها فى مايو 2011، استعدادا للانتخابات البرلمانية المرتقبة فى خريف العام الجاري.



وكان واضحا ان الرئيس الروسى يظل يعتبر هذه الجبهة "مفتشا عاما" على حركة الدولة والحكومة، وبديلا عن كل اجهزة الرقابة الرسمية، فى نفس الوقت الذى تظل فيه سندا يتكئ عليه فى مواجهة نوائب الدهر داخلية كانت او خارجية، ومنها ما توارد مؤخرا من اتهامات من جانب واشنطن. وكانت الساحة الروسية شهدت خلال الاشهر الاخيرة حركة واسعة النطاق من جانب ممثلى هذه الجبهة الذين يبدون اليوم اشبه بسيف مصلت على رقاب كل المسئولين محليين وفيدراليين، وعينا على كل تحركاتهم ونشاطاتهم المعلنة وغير المعلنة. وثمة من يقول بان كل ذلك يأتى فى اطار ما اعلنه الرئيس الروسى حول ضرورة التصدى على نحو اكثر جدية للفساد ومواجهة ترهل اجهزة الدولة واستغلال المسئولين لمناصبهم واهدار المال العام.



ومن اللافت بهذا الصدد ان بوتين حرص على التنظير لمحاولات توطيد مواقعه ودعم حملته على حشد القوى السياسية والاجتماعية من خلال التركيز على الاوساط الشبابية وتواصله معها عبر مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الاعلام المحلية والمركزية. وكان بوتين دعا اكثر من مرة الى العمل من أجل الدفع بالشباب الى الصفوف الامامية للتنظيمات والمؤسسات، فيما دعا الى ضرورة القضاء على الاساليب البيروقراطية التى تحول دون تحقيق الشباب لاحلامهم فى التوصل الى اسمى درجات التفوق المهني، والالتزام بتدوير المناصب القيادية فى المؤسسات الحكومية، وغير الحكومية فى مجالات السياسة والاقتصاد على حد سواء.



واعلن بوتين ايضا ان الحزب الحاكم ليس استثناء ويجب ان ينسحب عليه كل ما أشار اليه من ملاحظات تستوجب الدفع بالشباب الى مراكزه القيادية لا سيما انه اصبح فى امس الحاجة الى قوى جديدة قادرة على التواؤم والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، فى معرض الاستعدادات للانتخابات البرلمانية التى تقرر اجراؤها مبكرة عن موعدها الدستورى السابق فى خريف العام الجارى بدلا من نهاية العام.



ونعود الى ما وصفه المراقبون بتكتيك المرحلة الراهنة والذى يتلخص فى ضرورة انتشار نشطاء الجبهة فى الاقاليم والمقاطعات الروسية بحثا عن "الحقيقة والعدالة" فى اطار الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المرتقبة، على ضوء تراجع ثقة المواطنين بممثلى السلطات المحلية بسبب عدم اضطلاعها بواجباتها وتدهور الاوضاع المعيشية وتراجع الدخول وهو ما قد ينذر بالانفجار الاجتماعي.



وقد سجلت كاميرات قناة "روسيا -24" الاخبارية الرسمية الروسية الكثير من مطاردات وملاحقات نشطاء الجبهة ومراسلى القناة التليفزيونية للقيادات الاقليمية ومداهمة مكاتبهم بحثا عن "الحقيقة والعدالة"، ورصد الكثير من اوجه "اهدار المال العام" واستغلال المناصب الوظيفية، بكل ما يتعلق بذلك من المقتنيات الشخصية واستخدام السيارات الحكومية الفارهة.



ومن المعروف اليوم ان هذه الجبهة تضم بين صفوفها غير الحزبيين من ممثلى القوى السياسية المختلفة بما يعنى ان الترشيح للانتخابات البرلمانية وارد ايضا من خلال قوائم الحزب الحاكم حتى لغير الحزبيين من اعضاء الاتحادات النقابية والمنظمات الشبابية والنسائية وتنظيمات المتقاعدين وقدامى المحاربين فى الحرب العالمية الثانية وفى افغانستان وغيرها من المناطق الساخنة.



ومن هذا المنظور خلص الكثيرون الى تأكيد ان فكرة بوتين حول تأسيس الجبهة الشعبية تستهدف الرغبة فى تعويض قصور سياسات الحزب الحاكم من خلال تجميع المزيد من الفصائل والحركات السياسية والاجتماعية حول بوتين، استعدادا للانتخابات البرلمانية المرتقبة والتى لا بد ان تكون احدى مراحل الاستعدادات للانتخابات الرئاسية فى عام 2018.