أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
محاكم من نوع جديد لمكافحة الإرهاب
28 يناير 2016
شريف الغمرى

ظهرت أخيرا جهود دولية خارج الجهود الرسمية للحكومات الغربية لملاحقة التنظيمات الإرهابية ومموليها من أفراد ودول، وتقديمهم لمحاكم من نوع جديد باعتبارهم مجرمى حرب، وذلك لتفادى الاختصاصات المحدودة فى هذا المجال لمحكمة العدل الدولية فى لاهاى، وقد وجد عدد من الخبراء الدوليين أن المحكمة التى يسعون للحصول على تأييد دولى لانشائها ستكون هى الملجأ الأخير لمحاكمة الارهابيين ومن يساندونهم كمجرمى حرب.


ويقود هذه الجهود خبير القانون الأمريكى ستيفن راب، وهو اسم معروف فى المحاكم الدولية المختصة بجرائم العنف والابادة الوحشية، وهو الآن مستشار لعدد من المنظمات التى تمولها بعض الحكومات فى أوروبا الغربية، ويرى أن الأعمال العسكرية والدبلوماسية ضد جرائم الارهاب لا تكفى وحدها، بل يجب أن يكملها تحقيق العدل حسب القوانين الدولية، ولتلعب دورا فى سحق تنظيم داعش والقضاء عليه ومن على شاكلته من منظمات تدعو أو تقوم بأعمال ارهابية، وكذلك كشف جرائم أعضاء وقادة المنظمات الارهابية ومنهم على وجه الخصوص قادة داعش، بكل تفصيلاتها الوحشية أمام شعوب العالم الاسلامى وشعوب العالم أجمع، ولا يكفى القاء القنابل من خلال الغارات الجوية على التنظيم، بل يجب دعم النظام القضائى المزمع انشاؤه. ويشير الى أن الملاحقة لتنظيم داعش يجب ألا تتوقف عند مرتكبى جرائمه، بل أيضا لكل من يقدم عونا أو تمويلا للتنظيم الارهابى.



وتفاديا لعدم القدرة على تقديمهم الى محكمة العدل الدولية فى لاهاى بسبب مشاكل اجرائية تتعلق باختصاص المحكمة، الذى لا يصل الى المناطق التى يسيطرون عليها، لأنهم مجرد تنظيم وليسوا دولة، خاصة أن محكمة العدل فى لاهاى لا تتعامل إلا مع عدد قليل من الحالات، فهى تتعامل مع دول فقط، ولا تتعامل مع أراض تسيطر عليها تنظيمات خارج سيطرة الدولة، فعلى سبيل المثال عندما تدخلت فى يوجسلافيا لمحاكمة قادة الصرب أو عندما تدخلت فى رواندا، فانها كانت تتعامل مع دول وقادة هذه الدول.



ويسعى المشاركون فى حملة انشاء المحكمة الجديدة للحصول على دعم على مستوى العالم، خاصة فى أوروبا لايجاد هيئة قضائية تقدم هؤلاء الارهابيين الى المحاكمة كمجرمى حرب.



ويصف راب جهوده الدولية بقوله، إن هذه الجهود تعمل على الاستفادة من الوثائق والأدلة التى تجمعت لدى دول غربية من مناطق دارت فيها حروب وتدخلات ارهابية مثل العراق وسوريا، لاستخدامها فى الوقت المناسب أمام المحاكم.



وبدأت هذه المجموعة القانونية المستقلة تحركاتها بوضع قواعد قانونية، تسمح لها بتقصى الحقائق فى المناطق التى تدور فيها هذه الحروب، والوصول الى أسماء أشخاص متورطين أو حتى متعاطفين معها أو مؤيدين لها، وتقديم أسمائهم لمختلف الحكومات، للمساعدة على القبض عليهم فى حالة ظهورهم فى هذه الدول أو معرفة أسماء من يساندونهم أو يمولونهم.



ويقول الخبير القانونى راب فى حوار مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أننا نريد وضع استراتيجيات لاخضاع الارهابيين والممولين لهم للمساءلة الجنائية وملاحقة قادتهم فى أوروبا وسوريا والعراق، وأى مكان ينفذون فيه جرائمهم، وهذا يعنى العمل مع محققين قانونيين من العراق وتركيا والأردن ولبنان، لقرب هذه الدول من نشاط التنظيمات الارهابية، خاصة داعش وامكان الوصول الى أعضائها وقادتها من أشخاص يعيشون فى هذه البلاد، من أجل رفع قضايا ضدهم والسعى بكل الوسائل لالقاء القبض عليهم.



ويقول راب الذى سبق أن عمل مدعيا قانونيا لمحاكم تابعة للأمم المتحدة، حققت فى المذابح التى وقعت فى رواندا عام 1994، أنه حذر الدول التى سبق أن وقعت على معاهدة انشاء المحكمة الجنائية الدولية، من أن جهودها لمنع الافلات من العقوبة ستفشل اذا لم تقدم الحكومات كل تأييدها لدعم العدالة على المستوى العالمى، وهذا يعنى مسئولية أى حكومة تمتنع عن تقديم المعلومات التى لديها عن تنظيمات وقيادات الارهاب.



وشكا راب من أن العالم وكل وكالاته المتخصصة لا تبذل الجهد الكافى لمساعدة المحاكمات الجنائية الدولية أو تتخذ أى وسائل أخرى لمحاكمة المتورطين فى جرائم القتل والابادة.



ويرى راب أنه لابد من تقديم كل المسئولين عن أعمال الارهاب للمحاكمة، لكن مايدعو للاحباط أنه لا توجد سوى استجابة ضعيفة للمطالب التى تقدم الى الحكومات للمساهمة بالتمويل المطلوب لاكتشاف المقابر الجماعية فى مناطق الحروب والارهاب أو حماية الشهود أو لانشاء محاكم محلية مختصة بهذه الجرائم فى البلاد التى تنشط فيها جماعات الارهاب.



ان التحرك الذى يقوم به هذا الفريق القانونى الآن، قد جاء كرد فعل لقصور العمل العسكرى فى القضاء على داعش، واقتناع هذا الفريق بضرورة أن يكمل العمل العسكرى والدبلوماسى، انشاء محكمة جنائية دولية واسعة الاختصاصات وتعبئة جهود دولية واقليمية فى الشرق الأوسط، لكشف حقيقة داعش والمنظمات الأخرى الشبيهة لها، وكل من يدعمها أو يمولها أو حتى يتعاطف معها، أمام شعوب المنطقة حتى تتبين وحشية التنظيم وجرائمه وعداؤه للانسانية ولأصول الدين الاسلامى، ولتفتيته أواصر العلاقات العائلية ونشره الكراهية، وكلها تمثل تصرفات اجرامية ومريضة فى نفس الوقت.