أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
جدل الحضارات ..ثلاثية السيرة الفكرية
27 يناير 2016
د. مصطفى عبد الغنى

ليست هذه ثلاثية للحوار والصراع والتحالف - العنوان الثاني لهذا الكتاب «جدل الحضارات» - بقدر ما هي سيرة فكرية واعية حاول صاحبها- السيد يسين - الوصول اليها عبرجهد هائل سعى فيه الى رصد خطوط درامية هذا الجدل في المؤتمرات والمنتديات والزيارات العلمية في أنحاء العالم والكتابات الفكرية والدورية في الدوريات والصحف التي هبط إليها في نصف القرن الأخير.


ومنذ البداية يمكن فهم سر (إهداء) الكتاب للفيلسوف الكبير عبد الرحمن بدوى، فبالإضافة إلى انجازه الفلسفى المرموق فتح بدوى لجيل الخمسينيات آفاق الفلسفة الغربية وهو ما نفهم معه كيف تنقل بنا السيد ياسين من رمز الإهداء إلى العديد من المفكرين العالمين الذين اثروا في فكره وتحاور مع بعضهم: وليام ديورانت وأرنولد توينبى وبيتريمسوروكين إلى رونالد دايرمرورا بصمويل هنتنجنتون ثم سمير اميت وجارودى وعبد الله إبراهيم وعلى الدين هلال وعبد الله العروى ومحمد عابد الجابرى وزكى نجيب محمود وغيرهم (مع حفظ الألقاب العلمية) من العلم الموسوعى إلى علم السياسة والعلاقات الدولية وعلوم الإستراتيجية وصراع الحضارات عبورا من هذا التكوين الموسوعى إلى العبور الجغرافى من الذات إلى العام؛ من القاهرة إلى شتى أنحاء العالم والعواصم الفكرية الكبرى.



وعبورا من كثير من الشخصيات والمفكرين الذى عرفهم وتأثر بهم والعواصم الجغرافية التى طاف بها واقترب منها فإن السيد يسين استطاع رصد (جدلية الحضارات) عبر التفسير الجدلى أو بشكل أكثر دقة عبر قواعد هذا المنهج الجدلى للبرهنة على أننا إزاء قواعد لهذا المنهج (الجدلى) يمكن أن يطبق على حركة تطور الحضارات وتحالفها لاكتمال دائرة التفاعل الحضارى المعاصر.



لقد حاول المفكر الكبير بدأب ووعى شديدين تطبيق قواعد المنهج الجدلى على ما يحدث حولنا ، فإذا حاولنا تطبيق قواعد هذا المنهج الجدلى علينا لاكتشفنا أن حوار الحضارات هو الفكرة، وان صراع الحضارات هو نقيض الفكرة، وأن تحالف الحضارات في النهاية هو التآلف بين النقيضين وهو ما نستطيع أن نفهم معه أن محتويات الكتاب تتحدد في ثلاثة أقسام رئيسية هى الحوار والصراع والتحالف وتنطوى تحت كل قسم منها مباحث متعددة تستخدم المنهج التاريخى والمقارن من ناحية والتحليل الثقافى من ناحية أخرى.



وقد يكون من المهم هنا أن نتمهل عند مثال واحد لنرى ما يثيره جدل الحضارات اليوم داخل الكتاب وخارجه، فإن المركزية الأوروبية تقوم على مجموعة من الأساطير التي صيغت بشكل فكر محكم من أشهرها الادعاء في الغرب بأن الحضارة الغربية تتسم بانحدارها من الحضارة اليونانية، بالإضافة إلى تأثرها بالحضارة الرومانية وهذا معناه أن هذه الحضارة الغربية لم تتأثر على وجه الإطلاق بأى حضارات أخرى.



وفى هذا ادعاء يحمله التاريخ الغربى مؤداه ادعاء من زعم الأصل الحضاري الغربي وحسب، وهذا يردد في الغرب حتى كاد يصبح عقيدة مقدسة لدرجة أن عديدا من المثقفين في العالم الثالث أصبحوا يعتنقونها، بعد أن باعدت السنون والأحقاب بينهم وبين تراثهم الثقافي وهنا نفتح قوسا لنسجل فكر السيد ياسين أنه «لو تأملوا هذا التراث، أو درسوا بطريقة منهجية ذلك التدريج، لأدركوا أن الغرب لم يتشكل حضاريا إلا بعد تفاعل فكرى وثقافى عميق مع الحضارة المصرية القديمة والحضارات الفينيقية» وهو ما انتهى إليه بالفعل المؤرخ الأمريكي مارتن برنال في كتابه «أثينا السوداء» بالتكذيب المنهجى لهذه الأسطورة الغربية، حيث أثبت من خلال تحليل العقائد الدينية والأساطير والآداب والفنون التأثير العميق للحضارة المصرية القديمة على شكل ومحتوى الحضارة اليونانية، وهو ما نستطيع أن نفهم معه كيف تحركت الدوائر الثقافية الفكرية الغربية بمؤامرة على الكتاب لثلاث سنوات شُغل الغرب فيه باستعمار العالم الثالث ونهب ثرواته وموارده إلى غير ذلك مما يشير إلى مصير جدل الحضارات بالشكل الغربى في أحد تحولاته الدرامية.



وعلى هذا النحو ، لم تكن القضية هنا هى أن جدل الحضارات يمكن أن يحدث في المنطقة العربية وحسب وإنما يمكن أن يحدث للمنطقة الغربية في المفهوم الغربى الاستعمارى الذى يسعى لتأكيد الأفكار المركزية التى روج الغرب لها وهو ما يدفع المثقف العربى للمرور من هذه الادعاءات الغربية الى الفعل الفكرى الداخلى في ممارسة النقد العربى، لنعى ضرورة النقد الذاتى والمراجعة ورصد حركة الجدل -جدل الحوارات التى سعى إليها السيد ياسين عبر ثلاثية الحوار والصراع والتحالف ..



إنها حركة العمل على تشريح ظاهرة العداء ضد المسلمين وظاهرة العداء للغرب بشكل واع ليمكننا العبور من جدل الحضارات الى ضرورة التحالف واهميته عبر هذه السيرة وخارجها..



الكتاب :جدل الحضارات ثلاثية الحوار والصراع والتحالف المؤلف: السيد يسين الناشر: المركز العربى للبحوث والدراسات 2015