أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
..ومراكز العلاج خارج السيطرة!
26 يناير 2016
تحقيق : منال الغمرى

مراكز التأهيل السلوكى وسيلة حديثة وجديدة على مجتمعنا قد تكون مفيدة وناجحة وقد تكون علاجا مؤقتا للإدمان ، أو مسكنات طويلة المدى لكن فى النهاية هى تجربة لا تتعدى السنوات الأولى من عمرها فى مصر، فهناك أكثر من 35مركز تأهيل سلوكى لعلاج الإدمان دون ترخيص وغير معتمد من الدولة وغير معترف به من وزارة الصحة رغم أنه وسيلة ناجحة للعلاج ومعترف بها ومعتمدة فى الكثير من الدول العربية والأوروبية لكننا لانزال نحاربه.


ومن هنا نتساءل : من القائم والمشرف على هذه المراكز ؟ وما تكلفتها ومدى تأثيرها ونجاحها ؟ وما المشكلات والعقبات التى تتعرض لها ؟ ولماذا لا تعترف بها الدولة وتدعمها ؟



يقول أحمد جمال استشارى التأهيل السلوكى والنفسى : إن الإدمان هو مرض تلعب الجينات الوراثية وأخطاء التربية والدوافع النفسية والثقافية و الاجتماعية والبطالة دورا كبيرا فى انتشاره ، فالمعدلات العالمية لتعاطى المخدرات هى 5% من تعداد أى دولة أما فى مصر فقد تخطينا ضعف المعدلات العالمية حيث بلغ معدل التعاطى 10% من تعداد مصر منهم 2.5% مدمن فعلى على المخدرات اى ما يقرب من3ملايين مدمن فى حين أن الدولة قادرة على علاج 6000 مريض فقط. وهنا نجد أننا أمام مشكلة عدم قدرة الدولة على استعياب عدد كبير من المرضى .



مراكز إيواء المدمنين



ويستطرد استشارى التأهيل قائلا إن هناك أيضا أزمة انتشار الأماكن غير المرخصة التى يعمل بها مدمنون متعافون دون رقابة من الدولة مما قد يؤدى إلى انتشار مراكز إيواء المدمنين ومتعاطى المخدرات وليس علاج الادمان ولكى يتم حل هذه المشكلة لابد أن نتعرف على طرق العلاج الناجحة التى تتم على مرحلتين : مرحلة سحب السموم من الجسم وتتم خلال 10 أيام ولابد أن تتم تحت إشراف طبى متكامل ويتم تشخيص المريض إذا كان يعانى من أمراض نفسية مصاحبة أو لا، وفى هذه المرحلة نرفض تماما أن يكون للمدمن المتعافى اى دور فيها، وبعد الانتهاء من سحب السموم والفحص والتشخيص ننتقل إلى المرحلة الثانية وهنا يكون للمدمن المتعافى دور كبير فى الإرشاد والعلاج والقدوة بالنسبة للمدمن الذى فى المراحل الأولى للعلاج وتسمى مرحلة (الهاف واي) الذى ينتشر على مستوى الجمهورية ، وهناك بعض الأماكن التى تقدم خدمة حقيقية لعلاج الكثير من المرضي لكنها أيضا لا تخضع للرقابة وبالتالى هناك بعض الأماكن التى تستغل المرضى وتعاملهم دون أدنى تقدير لحقوق المرضى ويلجأ بعض المدمنين المتعافين إلى إنشاء (الهاف واي) على الرغم من عدم أخذ المؤهلات العلمية لكى يكونوا أكثر خبرة وعلماً فى التعامل مع الحالات وعدم الاستعانة بطبيب نفسى للتعامل دوائيا مع حالات التشخيص المزدوج ويعتمدون على خبرتهم فقط فى التعافى ونقلها إلى مدمن جديد وخصوصا أن هناك برنامجا للعلاج يعتمد على مساعدة المدمن المتعافى للمدمن الجديد فى العلاج دون أن يكون للطبيب أى دور يسمى «برنامج المدمنين المجهولين NA» وهذا برنامج عالمى وله زمالة فى كل أنحاء العالم وله نتائج حقيقية وكبيرة فى علاج الإدمان .



وفى مرحلة ( الهاف واي) يستخدمون برنامج المدمنين المجهولين وبرنامج العلاج المعرفى السلوكى وبرامج التنمية البشرية، بالإضافة إلى الطب النفسى لعلاج بعض حالات التشخيص المزدوج وهنا نطالب الدولة بالاعتراف بدور المدمن المتعافى فى العلاج وأن تقوم الدولة بتعليم المتعافين وتثقيفهم لكى يثقلوا خبراتهم بدورات علمية من جامعات مصرية وخصوصا أن بعض دول الخليج تعتمد على خبرة هؤلاء المتعافين فى العلاج وهذا يجنبنا خطر الأماكن غير المرخصة التى لا تحترم حق المريض ، بالإضافة إلى أن مدمن المخدرات قد يكون مهندسا او طبيبا او ضابطا وفقد وظيفته نتيجة التعاطى وأصبح يعانى البطالة واعتراف الدولة بدورالمدمن المتعافى فى علاج الإدمان بعد قيام المدمن بعمل دراسات تأهيلية وتدريبية وعلمية وتحت إشراف وزارة الصحة لكى يصبح مؤهلا نفسيا فى ظل قدرة الدولة على حل جزء كبيرمن مشكلة الإدمان.



برنامج 12خطوة



ويضيف الدكتور أحمد جمال أننا لا يمكن إنكار دور وجهود وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان والتعاطى فى حل مشكلة الإدمان والتعاطى حيث بدأوا فى البحث بطرق عملية وواقعية ووضعوا أيديهم على سبل حل مشكلة الإدمان ، مشيرا إلى أنه فى منتصف أكتوبر المقبل سيعقد مؤتمر دولى بمدينة رأس سدر سيشارك فيه عدد كبير من الدول العربية والأجنبية وتنظمه زمالة المدمنين المجهولين وهو اجتماع نصف سنوى لتناقل خبراتهم فى التعافى وقصص نجاحاتهم وكيفية تطبيق برنامج 12خطوة فى التعافى من الإدمان .



تجربة مدمن متعاف



وأمام تجربة حية تقابلنا مع أحد المدمنين المتعافين البالغ من العمر 38عاما من أسرة مرموقة اجتماعيا وميسورة ماليا طلب ان يحكى قصة إدمانه التى استمرت نحو 18سنة ما بين إدمان المخدرات والكحول وانتهت بالبودرة ، فقال : بدأت وأنا فى السادسة عشرة من عمرى فى المرحلة الثانوية بمرافقة أصدقاء السوء داخل مدرسة خاصة مشتركة وكانت البداية دون إنفاق بمعنى أن زملاءنا يسرقون من آبائهم الحشيش وزجاجات الخمر ثم تدرجنا وبدأنا شراء أقراص وزجاجات المخدر من الصيدليات من مصروفنا اليومى وازدادت الحالة بعد دخولى الجامعة عقب اكتشاف أسرتى إدمانى فحرمتنى من المصروف وبدأت تضيق الخناق على خروجى وتحركاتى فلجأت لمصاحبة الفتيات وعمل علاقات مع السيدات والنصب عليهن بحجة الزواج منهن للحصول على مبالغ لشراء البانجو وأنواع كثيرة مخدرة ووصلت إلى شم البودرة كل شهر مرة حتى أصبحت لا أستطيع الحياة دونها ووصلت بى الحال إلى الحقن بالوريد كما لجأت إلى بيع ممتلكاتى الخاصة والسطو على أموال والدتى وأخواتى وسرقة مصوغاتهن الذهبية وبيعها للإنفاق على إدمانى ثم إلى اقتراض مبالغ كبيرة من الجيران وكان والدى رحمه الله قبل وفاته قد اصطحبنى أكثر من 50مرة لأشهر الأطباء فى علاج الإدمان وفى كل مرة أبتعد عنها لمدة أسبوع على الأكثر مع تناول المسكنات والمهدئات والمخدرات الخفيفة فهى «روشتات»مسكنة لفترات قصيرة لدرجة أنهم حجزونى بإحدى المصحات النفسية لمدة شهر كنت خلالها أراضى بعض الممرضات لحصولى على المخدر من وراء الأطباء وادعيت شفائى وصدقنى الطبيب المعالج وأخبر والدى وخرجت لأزاول إدمانى ومنذ ثمانى سنوات حضر أحد أصدقائى المدمنين منذ الصغر بشخصية مختلفة تماما وأخبرنى بشفائه عن طريق مركز تأهيل سلوكى وحاول إقناعى بالتوجه معه للعلاج إلا أننى لم أصدقه وظننت أنه يخدعنى وطردته من البيت ولحبه الكبير لى لأننى جاره وصديقه منذ الصغر حاول معى أكثر من مرة حتى أقنعتنى والدتى وأخواتى بالتوجه معه لخوض التجربة ، كمحاولة للعلاج وذلك عام 2012واصطحبنى إلى مستشفى صغير من طابقين يسمى (دى توكس ) وهو مركز لسحب السموم من الجسم بالمقطم وظللت محتجزا لمدة 10أيام لا أتناول سوى أطعمة مفيدة جدا وفيتامينات ومنوم ومقويات ومسكنات وممارسة الرياضة لعلاج أعراض سحب السموم من الجسم وهى العرق الغزير والإسهال وآلام العظام والظهر ورشح بالأنف والرعشة وكانت تكاليف بسيطة لا تتعدى 120جنيها يوميا بعدها توجهت إلى فيلا مفتوحة بها حديقة وحمام سباحة وتسمى (الهاف واى ) أقمت فيها لمدة ستة أشهر بحوالى 3آلاف جنيه تعرفت على شخصيتى وعيوبى ومميزاتى وتعلمت فيها معانى كثيرة أهمها حب الله واللجوء إليه فى المحن وكيفية السيطرة على الأفكار والرغبات السلبية قبل تنفيذها واحترام النفس وحبها وكيفية التعامل مع المجتمع الخارجى وتنظيم الوقت والالتزام بمواعيد الطعام والصلاة والرياضة والنوم والاستيقاظ والاعتماد على النفس فى ترتيب سريرى والتعاون مع رفقائى فى تنظيم وتنظيف غرفتنا وكيفية اتخاذ القرار ووضع مبادئ وأهداف إيجابية وكيفية تحقيقها كل ذلك من خلال (تيم ورك) فريق عمل منظم من أطباء وإخصائيين نفسيين واجتماعيين وتربويين ومدمنين متعافين وكل فترة قصيرة يتم عمل تحاليل شاملة وإبلاغ الأهل بالنتيجة، كما يتم إعطاؤنا إجازات تبدأ ببضع ساعات للذهاب للأسرة وتنتهى ببعض الأيام حتى تصل لأسبوع كامل لاشتراك الأسرة فى المتابعة وكتابة تقرير عن الإجازة فمن يرغب بجدية للعلاج دون ضغوط يستمر ومن لم يرغب يتحايل إما بالتمثيل ويتم اكتشافه سريعا وإخبار أهله وطرده من المكان ، وإما بالهروب من (الهاف واى ) وبعد شفائى من الإدمان تم عمل حفل تخرج لى وتدريبى لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل على استقبال الحالات الجديدة تحت إشراف الفريق والمتابعة والتحاليل المستمرة والمفاجئة والاستفسار من الأسرة عن الحالة وبعد اجتياز هذه المرحلة بنجاح يتم العمل بالمركز (الهاف واى ) كمشرف تحت التمرين لمدة 3شهور بأجر رمزى تحت رقابة ومتابعة من المدير العلاجى للمكان ومعالج السلوك الإدمانى.



المتابعة ضرورية



فى حين يعترض على هذا الأسلوب العلاجى فى مصر الدكتور نبيل عبد المقصود أستاذ علاج السموم ومدير مستشفى قصر العينى الفرنساوى مؤكدا أن أى مركز ليس تحت متابعة لصيقة من أطباء متخصصين خاصة فى علاج الإدمان خطأ فاحش وأن استخدام المدمنين السابقين (المتعافين) لتلك المهمة دون متابعة مستمرة ودائمة من طبيب متخصص خطأ فادح وجسيم والسبب أن نسبة كبيرة منهم ليسوا متعافين ويتظاهرون بعدم التعاطى لأنها أصبحت مهنة لهم ومصدر رزق لدرجة ان الكثير منهم يستأجرون الشقق ويدعون العلاج والتعافى لعمل جلسات علاجية سلوكية اجتماعية للمريض المدمن فى حين أن المتعاطى لا يجوز أن يبدأ العلاج بالمرحلة السلوكية وإنما يبدأ بمرحلة سحب السموم ليساعده على تجنب الآلام فى أثناء سحب المخدر والمرحلة الثانية هى مرحلة الطب النفسى تحت إشراف طبيب نفسى متخصص فى ذلك المجال وهى أخطر وأهم مراحل العلاج فهى المسئولة عن عدم انتكاسة المريض مرة أخرى ثم يأتى بعد ذلك مرحلة السلوك الاجتماعى وهنا يكون الدور الأساس المحورى للإخصائيين فى علم النفس والاجتماع للعمل على إذابة هذا المريض داخل المجتمع الجديد عليه، ومن هنا يتضح أن هناك 3مراحل أساسية احترافية متخصصة فى علاج الإدمان وأى شيء يخرج عن هذا الإطار هو ليس علميا ومن المعروف فى الخارج أن هناك مراكز تأهيل متخصصة تتبع برنامجا 12خطوة ولكن ليس كل ما هو موجود بالدول الغربية يمكن تطبيقه فى الدول الشرقية النامية من الناحية العملية.