الشهادة شرف منحه الله لعباده الذينٍ اختصهم ليكونوا عنده أحياء يرزقون فى أعلى مرتبة بجوار الأنبياء و الصديقين، رحلوا تاركين خلفهم، أطفالا فى عمر الزهور لا ذنب لهم فى فقد السند والحماية.. والحنان والرعاية، ارتسمت على وجوههم ملامح الحزن والأسى وتبدلت السعادة باليتم والكآبة.
تتحدث ماجدة أرملة شهيد مقدم بالقوات المسلحة: نعيش فى كابوس حقيقى منذ استشهاد زوجى فإبنى الكبير عمره 8سنوات يعانى حالة نفسية سيئة وتأخرا فى المستوى الدراسى ويرفض الاختلاط بأصدقائه رغم مجهودنا والجلسات النفسية لإعادته إلى طبيعته، كذلك إبنتى الصغرى 5 سنوات تعانى اكتئابا شديدا وبكاء مستمرا، لا تستوعب ما حدث لكنها تفتقد والدها.
وتقول (ع.س) أرملة أحد شهداء الشرطة: لدى ابنتان سبع وخمس سنوات كانت ضحكاتهما وخفة ظلهما أجمل ما يميزهما أما الآن ومنذ استشهاد والدهما فقد أصبحت ملامح الحزن واليتم تعلو وجوههما كلما نظرت إلى أعينهما أرى السؤال الذى طالما سألانى إياه - ولأننى كنت أعانى صدمة عصبية شديدة ولم استطع شرح الموقف لهما – لماذا تركنا بابا ولم يأخذ معه تليفونه المحمول حتى نتحدث معه ونطمئن عليه ؟
(منى) أرملة عقيد بالشرطة وأم لولدين تقول: ابنى 13 سنة استقبل صدمة استشهاد والده بقوة و شجاعة والألم يعتصره لكن هذا زاده صلابة وإصراراً ليأخذ ثأر أبيه من الخونة أعداء الوطن ودائما يشد من أذر أخيه الأصغر ويقول له لابد أن نفتخر بوالدنا فهو بطل وإن شاء الله سنكمل مشواره.
د.جمال شفيق أحمد أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس و استشارى الطب النفسى بوزارة الصحة يقول: للشهيد مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى حيث رفعه إلى درجة رفيعة عالية تأتى بعد الأنبياء والصديقين فالشهادة فى جوهرها اصطفاء وتشريف للشهيد، هناك بشائر عظيمة للشهداء فهم كما قال المولى عز وجل "أحياء عند ربهم يرزقون" و قال الرسول الكريم : "للشهيد عند الله 6 خصال، يغفر له مع أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويحلى بحلة من الجنة ويزوج من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه" و الشهيد تغسله الملائكة ولا تأكل جسده الأرض ويفوح المسك من دمه وقبره.. وعلى الرغم من كل هذا الأجر والثواب فإننا وعلى صعيد آخر نرى المناخ النفسى الذى يهيمن على جو الأسرة وتعانيه زوجات الشهداء مع وجود مسئوليات وأعباء قد تنتهى فى بعض الأحوال بالدخول فى دائرة الاضطرابات النفسية المتعددة.
هنا تظهر أمامنا قضية مهمة تفرض نفسها بكل وضوح آلا وهى (أطفال الشهداء) فهم الإرث العظيم والكنز الثمين والمستقبل الاستراتيجى الذى تركه الشهيد، هم البراعم الناشئة فى مختلف مراحل النمو وللأسف يكونوا أكثر تأثراً بالأزمات نظرا لصغر سنهم و قلة إدراكهم وقدرتهم على التعامل مع المصائب لذلك يصابون بالصدمة النفسية.
يستكمل د. شفيق: تبدأ تلك الصدمة عند الطفل بالخوف الشديد والشعور بخطر يهدد حياته ينتج عنه صدمة نفسية شديدة، عدم القدرة على التحكم فى سلوكياته ولعل هذه الصدمة تصبح بمثابة الجسم الغريب فى نفسية الطفل وذاكرته، تتوقف رؤية وإدراك الطفل لهذه الأحداث على عدة عوامل:
أولا السن: فكلما كان سن الطفل أكبر كان لديه وعى وفهم كاف لقيمة العمل البطولى الذى استشهد من أجله الأب أما بالنسبة لصغار السن فإن الطفل فى هذه المرحلة المبكرة من عمره يكون وثيق الصلة والارتباط العاطفى بوالديه وبالتالى فقدراته العقلية البسيطة لا تستطيع أن تعى قيمة حب الوطن والانتماء إليه والتضحية من أجله .
ثانيا الأسرة: الجو الأسرى المحيط بالطفل له دور كبير فى تحسين حالته النفسية فلابد من تعويضه بجرعة زائدة من الحب والحنان والرعاية وبالتالى نوصى بضرورة وجود عدة بدائل داخل الأسرة كالجد أو الخال أو العم لأنه مهما تكن هناك رعاية مكثفة من الأم فلا تكفى وعليهم جميعا تنمية إحساس الطفل بالفخر والاعتزاز ببطولات والده .
ثالثا: البيئة المدرسية:لابد أن تكون بيئة آمنة تعويضية بمعنى أنه إذا حدث خلل داخل الأسرة نتيجة صدمة فقدان الأب فلابد أن تقدم المدرسة بجميع عناصرها بدءاً من الأخصائى الاجتماعى والنفسى مروراً بالمدرسين والزملاء الرعاية النفسية السليمة ولكن دون تمييز .
ويقدم د.شفيق عدداً من الوصايا لعلاج الأطفال المصابين بالصدمة النفسية نتيجة إستشهاد الأب:
- تثقيف الأسرة و تقديم خدمات الإرشاد النفسى لأن حالة الطفل النفسية إنعكاس للمناخ الأسرى.
- السماح للطفل بالبكاء و طمأنته و تشجيعه على التعبير عن مشاعره .
- العمل على دمج الطفل فى الحياة اليومية و ممارسة الأنشطة المعتادة.
- التوجه إلى مراكز الرعاية النفسية الخاصة بفئة أبناء الشهداء والذى من شأنه تهدئتهم و التخفيف عنهم قدر الإمكان لأنه من الثابت علميا أن الأشخاص الذين يتشابهون فى مشكلاتهم النفسية يتقبلون الواقع فى حالة وجودهم وسط حالات مشابهة وهنا يشعر الطفل بأنه ليس الوحيد الذى يعانى صدمة فقدان الأب وبالتالى يبدأ فى تقبل الوضع شيئا فشيئاً وهذه هى أولى الخطوات الناجحة فى طريق العلاج والشفاء بإذن الله.