أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
قراءة فى تعامل الإدارة الأمريكية مع الشرق الأوسط
30 ديسمبر 2015
واشنطن : توماس جورجيسيان

التحديات الخارجية لأمريكا لم تتبدد ولم يتم مواجهتها أو التصدى لها بشكل كاف ـ بل الأخطر أنها ازدادت عددا وتشابكا وتأثيرا على مجريات الأمور وطبيعة الأوضاع فى مناطق مختلفة على امتداد العام المنصرم.


ومعها توالت تبعات "قلة حيلة" واشنطن وتفاقمت عواقب "تخبط" ادارة أوباما وانعكس كل هذا على الأجواء الأمريكية وصناعة القرار فيها وأيضا على مخاوف مواطنيها وتطلعاتهم. وبالتأكيد لن ينجح الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى الشهور المتبقية من ولايته الحالية فى غلق أغلب الملفات القائمة والساخنة منها على وجه الخصوص وبالتالى ستتراكم و"تنتظر دورها" على أجندة الرئيس القادم فى يناير ٢٠١٧.



وتحتل مواجهة تنظيم الدولة (داعش) والقضاء عليه قائمة أولويات الادارة فى تعاملها مع قضايا العالم. ولاشك أن ملف الارهاب صار قضية محلية تشغل بال المواطن الأمريكى وتثير مخاوفه خاصة بعد ما حدث فى سان برناردينو بولاية كاليفورنيا. وأصبح ما يوصف بـ"الارهاب الاسلامى الراديكالي" هاجسا يؤجج القلق والفزع ـ وأيضا "الاسلاموفوبيا" لدى الكثير من الأمريكيين. وذلك على أساس أن "داعش" يستهدف أمريكا والأمريكيين ويجب التصدى له والقضاء عليه وتصفيته ـ سواء هنا فى الأراضى الأمريكية أو هناك فى العراق وسوريا. ويجب التذكير هنا بأن "احتواء داعش" أو "الحد من بسط نفوذه" كان الهدف المعلن فى الخطاب السياسى الأمريكى والاستراتيجية المتبعة فى الشهور الماضية. الا أن الاعلان عن أو التصريح بـ "القضاء على داعش" صار فى الأسابيع الماضية هو النغمة السائدة والأكثر تكرارا وتشددا على لسان الرئيس وفى تصريحات معاونيه وأيضا فى المواجهة السياسية الدائرة فى موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية.



"لا توجد استراتيجية للقضاء على داعش" هذا ما قاله ويقوله منتقدو الادارة. فى حين أكد الرئيس أوباما مرارا أن استراتيجيته العسكرية فى مواجهة "داعش" ناجحة، ذاكرا أن هناك سوء تقدير ونقص تقييم من جانب وسائل الاعلام. وحرص أوباما دائما على استبعاد اقتراح ارسال قوات برية بأعداد كبيرة الى سوريا. وقبل يومين من عقده آخر مؤتمر صحفى له فى عام ٢٠١٥ وذهابه مع أسرته الى "هاواي" لقضاء أجازة الأعياد بها جلس الرئيس أوباما مع مجموعة من الصحفيين الكبار فى "جلسة دردشة خاصة". ذكر عنها فيما بعد أن الرئيس قال لهم عن ما قد يحدث فى حالة ارسال قوات برية أمريكية ـ فالتقديرات الأولية تقول أن عدد القتلى فى الشهر الواحد قد يصل الى ١٠٠ جندى أمريكى والمصابين قد يصل عددهم الى ٥٠٠ فى الشهر الواحد. كما أن القيام بهذه المهمة سوف يكلف ١٠ مليارات من الدولارات شهريا. ولم تتردد واشنطن فى الترحيب بما أعلنت الرياض عنه من "تحالف اسلامي" ضد "داعش" الا أنها فى الوقت نفسه لم تعلق وفضلت عدم التعقيب على طبيعة هذا التحالف وأهدافه ومهامه.



ولا شك أنه مع "المواجهة العسكرية" ضد "داعش" يأتى السعى لـ"حل سياسي" أو "حلحلة سياسية دبلوماسية" للأزمة السورية. وأيضا ايجاد "خارطة طريق" برعاية الأمم المتحدة مع بداية العام الجديد لوقف نزيف القتال ونزوح المهاجرين فى سوريا. ولم يعد سرا أن واشنطن تراجعت ـ ولو لحين ـ عن الحاحها المطالب برحيل الأسد حالا.



ولا يستبعد المراقبون للتحركات الروسية والأمريكية فى المنطقة تزايد الرغبة والاستعداد لدى الطرفين فى وضع صيغ للتعاون فيما بينهما من أجل احتواء ما يحدث فى العراق وسوريا وعدم الانزلاق الى الفوضى ومن ثم انهيار دول المنطقة وأنظمتها. هذا ما يتردد فى العاصمة الأمريكية مع الاعتراف بما تعانيه الولايات المتحدة من انكماش فى نفوذها بالمنطقة وانخفاض فى مصداقيتها لدى شعوب المنطقة ولدى قادة دول حليفة لها فى الشرق الأوسط.



ومن المنتظر أن تتبلور فى الأسابيع المقبلة أيضا طبيعة العلاقات الأمريكية الايرانية التى تشكلت وتتشكل هذه الأيام عقب الاتفاق النووى وأن اتصالات تجرى بين واشنطن وطهران فيما يخص العراق وسوريا واليمن. كما أن الدور التركى فى التعامل ـ سلبا أم ايجابا ـ مع ملفات سوريا والعراق والأكراد وروسيا واسرائيل صار ملفا مطروحا للنقاش من جديد فى أرجاء واشنطن فى محاولة لايجاد صيغة تعاون أو مشاركة تخدم مصلحة كل من واشنطن وأنقرة. ورغم اقرار الجميع بأهمية وضرورة احياء عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية الا أن هذا الأمر ـ بتعقيداته ـ متروك معلقا لحين اشعار آخر فلا أحد يعرف موعد استئناف العملية التفاوضية أو خارطة مسارها أو مدى استعداد أمريكا للانخراط فيها. والحديث عن ملفات الشرق الأوسط بشكل عام يتضمن فى المقام الأول بالنسبة لواشنطن "الشراكة الاستراتيجية" (العسكرية والأمنية والمخابراتية) مع دول المنطقة من أجل مواجهة الارهابيين والحفاظ على استقرار الدول وعدم السماح بانهيار أنظمة الحكم بها. وتأتى العلاقات الأمريكية مع مصر والسعودية وأيضا مع دول الخليج فى هذا الاطار المحدد والمفضل بشكل خاص مهما اختلفت التوصيفات أو التعليقات الاعلامية لدى طرفى هذه المشاركة الاستراتيجية. وقد لوحظ فى الشهور الأخيرة من العام المنصرم أيضا أن قضية "تغيير الأنظمة" أو "دمقرطة الشعوب" لم تعد قضية ملحة ومطروحة بشدة من جانب الادارة الأمريكية ـ وأيضا تم انتقادها بحدة فى المناظرات الأخيرة بين المتنافسين فى المعركة الرئاسية ـ حتى بين المتنافسين من الحزب الديمقراطي. وكما قيل وتكرر إن تحديات المرحلة الحالية فى مواجهة ارهاب "داعش" و"الميليشيات المسلحة" أينما كانت ـ فى سيناء وليبيا وشمال أفريقيا لها دائما الأولوية.