إذا سألت أحدا من المسلمين طائعا أو عاصيا: هل تحب رسول الله؟ أجابك الجميع بلا تردد: نعم، نحبه، ومن منا لا يحب رسول الله، ويشتاق إلى رؤيته وزيارة قبره ومرافقته فى الجنة، و.....و...!
وإذا تحركت بين الناس لوجدت الصياح بالصلاة على النبى وإطلاق الشعارات فى الطرقات والجدران ومواقع الإنترنت وخلفيات المحمول والكمبيوتر!ولكنك إذا تأملت فى جزء من واقع هؤلاء، فلن تجد لهذا الحب أمارات ودلائل حقيقية، فهذا يضيع صلاته، وهذا يكذب، وهذا لا يراعى حق الجار، وهذا يعق والديه، وهذا لا يتقن عمله، وهذا يطفف الميزان،..إلخ. وهنا تعود لتسأل نفسك من جديد: أمثل هؤلاء حقا محبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم كيف تكون المحبة وما علاماتها؟ مجرد ادعاء يقول الدكتور إمام رمضان إمام، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر، إن ما نحن فيه هو مجرد ادعاء وليست محبة حقيقية، إلا ما رحم ربي، فكلنا يدعى محبته..ولكن أين نحن من تطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أين نحن من أوامره ونواهيه؟ فلو أننا أحببنا رسول الله لما كان هذا هو حالنا، وهو ما عبر عنه إبراهيم بن أدهم – رحمه الله – حينما كان يمر بسوق البصرة، فاجتمع الناس إليه, وقالوا له: يا أبا إسحاق: مالنا ندعو الله فلا يستجاب لنا؟ رد عليهم قائلا: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء.. وذكر منها: «زعمتم أنكم تحبون رسول الله, صلى الله عليه وسلم, وتركتم سنته». فالمحبة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم هى الجمع بين القول والفعل، الاتباع وليس المخالفة والابتداع. وهذه المحبة جسدها الصحابة الكرام فى الطاعة لرسول الله والإيثار والانقياد المطلق لأوامره واجتناب نواهيه والذود عنه صلى الله عليه وسلم حتى الرمق الأخير، فها هو أبوبكر الصديق رضى الله عنه يصدقه وقت أن كذبه الناس عند بدء نزول الوحي، وهو أيضا الذى كان يتحسس الطريق وهو يسير مع رسول الله، فتارة يسير أمامه وأخرى عن يمينه وثالثة عن يساره ورابعة من خلفه حتى يجنب الرسول أى أذى من أى جهة، إنه الحب لرسول الله..وها هو على بن أبى طالب يبيت فى فراش النبى مقدما حياته فداء لحياة رسول الله، مخافة أن يطاله أذى المشركين. ويوضح د.إمام أن الله عز وجل لم يجعل اتباع رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ترفا أو اختيارا للمؤمنين، بل جعله شرطا للفوز بمحبته سبحانه وتعالي، فقال تعالى “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”.سورة آل عمران، الآية 31 بل إن محبة رسول الله كما أخبرنا هو نفسه تعد شرطا لتحقيق الإيمان من عدمه، فقال صلى الله عليه وسلم «لا يؤمنُ أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والديه، وولده والناس أجمعين». أى أن الإيمان ينتفى عنا حتى يكون الرسول أحب الناس إلينا. وعلينا أن ننتقل فى محبتنا لرسول الله من حيز الكلام والشعارات إلى الفعل والتطبيق والترجمة الحقيقية الصادقة لهذه المحبة، بأن نتلمس هديه صلى الله عليه وسلم فى جميع أقوالنا وأفعالنا، حينئذ فقط نكون محبين للنبى صلى الله عليه وسلم. ليست شعارات وفى سياق متصل يقول الدكتور ناصر محمود وهدان ـ أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة قناة السويس، إن محبة النبى صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلام ولا شعارات نرددها فى المجالس والمناسبات المختلفة، ولكنها سلوك ومواقف تترجم هذه المحبة المدعاة، وإلا فأى محب ذلك الذى يتفوه لسانه بالمحبة ويخالف سلوكه هذا القول، وأى محب يكذب النبى صلى الله عليه وسلم بمجافاة سنته. حب الصحابة وأضاف وهدان قائلا: علينا أن نراجع أنفسنا وأن نعيد النظر فى ادعائنا لمحبة النبى صلى الله عليه وسلم، وإذا أردنا أن نتلمس الطريق الصحيح ونقِوم محبتنا لرسول الله أن ننظر للصحابة كيف كانوا يعبرون عن محبتهم للرسول وكيف كان لهذا الحب تأثير فى حياتهم.. فها هم قوم من الأنصار يسارعون إلى تولية وجوههم إلى الكعبة وهم ركوع بمجرد سماعهم خبر تحويل القبلة، حيث انحرفوا من فورهم وهم ركوع فى صلاة العصر، تأسيا بالرسول الحبيب دون أن يناقش أو يجادل أحدهم. وكذا عند تحريم لحوم الحمر الأهلية سارع الصحابة بإكفاء القدور وهى تفور باللحم، فحينما نادى مناد فى الناس «إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية» أكفئت القدور وهى تفور باللحم»، فلم يفكر أى منهم فى التحايل أو البحث عن فرصة أو استثناء من هذا الأمر، أو حتى يرجئ التطبيق لطعام قادم، لكنهم كانوا يعلمون أن الحب هو الطاعة والانقياد. وعندما أتى الصحابة خبر تحريم الخمر أهرقوها على الفور حتى جرت فى سكك المدينة. رغم أن الخمر كانت من الأمور التى توارثوها وترتبط بعاداتهم لكن ذلك لم يمنعهم من الطاعة المطلقة دون قيل وقال وتردد واستفسار..حتى روى البخارى عن أنس قال:«فإنى لقائم أسقى أبا طلحة وفلانا وفلانا، إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر، فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر»، قالوا: «أهرق هذه القلال يا أنس». قال: «فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل»!. وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة فعندما اختلط رجال مع النساء فى الطريق، قال الرسول لهن «استأخرن ..... عليكن بحافات الطريق»، فاستجابت النساء على الفور وكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى كان ثوبها يتعلق به من لصوقها به. فمثل هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى «إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون» سورة النور، الآية 51
إنها المحبة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى كل من يدعى حبه لرسول الله أن ينظر لأمثال هؤلاء.