«مارد سيناء».. والخونة!!
ما أسمى الموت من أجل الوطن؛ ذلك الهدف الأسمى لعشاق الشهادة، لمن استطاعوا أن يعبروا من صحراء سيناء ليخلدوا تحت أجنحة السماء، لتسطر فصول التاريخ بدماء زكية أروع ملاحم التضحية والفداء.. وتصعد روحهم الطاهرة إلى السماء، مرتلين لحن الفجر القادم، هكذا كانوا -ولا يزالون- يرددون النشيد تلو الآخر، لذلك ينحني الموت لهم إجلالاً حينما يمر في سمائهم.
هكذا حال الجندي بطل الصاعقة محمد أيمن، الذي ضرب أروع الأمثلة للتضحية بنفسه لينقذ زملاءه الضباط والجنود بالعريش، بعدما احتضن تكفيرياً يرتدي حزاماً ناسفاً، وجنّب رفاقه الموجة الانفجارية الضخمة، التي حولّت جسده الطاهر إلى أشلاء.
لم أرَ الأب الموجوع لفقدان فلذة كبده إلا راضياً بقضاء الله، وأن أقل ما يقدمه لمصر هو أحد أبنائه.. وتلك الأم المكلومة لفقدان ابنها، لم تُطالب بحق مادي للشهيد "مارد سيناء"، ولكنها بكل شجاعة بالرغم من آلامها، تريد أن تُرسل باقي أولادها؛ دفاعاً عن مصر، لا يهمها إن لحقوا بمن اغتالته أيادي الإرهابيين الآثمة.
هكذا ضحى محمد أيمن، ورفاقه من قبل، الجنود الأبطال، وستظل تضحياتهم ملحمة بطولية تتناقلها الأجيال.. عنوانها (نموت نموت.. ويحيا الوطن).. هؤلاء هم الرجال الذين قال عنهم المولى عزّ وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
كل هذا في الوقت الذي تجد فيه شباباً يضحون بتضحيات ولكن من نوع آخر... من خلف شاشات الكمبيوتر، يمتطون صهوة كراسيهم الوثيرة، متسلحين بأزار الكيبورد؛ للتحريض على هدم الوطن، وآخرين يلقون بأجسادهم على الأرض لمنع فريق من الذهاب لأداء مباراة في كرة القدم، شعارهم: (التضحية)؛ من أجل (فريقهم الكبير العظيم)، معطلين حركة السير فى الشوارع، متسلحين بالشماريخ، ضاربين بكل القوانين عرض الحائط!
ومن عجبٍ أن جنود الوطن يتم اغتيالهم بدم بارد على يد إرهابيين يعقدون صفقات الخيانة، هم وآخرون يتاجرون بسلعة الوطنية الرخيصة الحقيرة، ويبحثون عن مقاعد السلطة والمال والنفوذ، على أشلاء جثث أشرف من أنجبتهم مصر.
عذراً أيها المارد البطل.. فأنت ورفاقك الأبطال أغلى من أي ناشط صدعنا بنظرياته، أو أي إعلامي نفرنا بسطحيته وهزله ومعاركه العقيمة، أو أي مراهق لم نجنِ من ورائه سوى الخراب. أيها الصامتون في قبوركم.. قبوركم أرحب وأوسع من دنيانا الملوثة بالمطامع واللهث وراء المناصب. أكررها.. نعتذر إليكم ونقدّر تضحياتكم.. هكذا تبقى مصر حية بفضلكم يا من كنتم تعطون ولا تأخذون.. وإن كان فينا ناكرٌ لفضلكم، فيكفيكم الله؛ الذي لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.