أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
مؤتمر الرياض .. المعارضة السورية بين الحل السياسى وعقدة الأسد
16 ديسمبر 2015
العزب الطيب الطاهر

شكل مؤتمر الرياض الذى عقد يومى الأربعاء والخميس الماضيين ,اختراقا حقيقيا لحالة التشظى التى تسود فصائل المعارضة السورية ,سواء السياسية بالخارج أو التى تحمل السلاح بالداخل, ودفع بها الى خندق الرقم الأضعف فى المعادلة الراهنة , لاسيما مع بروز روسيا كفاعل رئيسي فى هذه المعادلة ,بعد لجوئها الى التدخل العسكرى المباشر بقوات جوية وبرية وبحرية, مما رفع من منسوب الشعور بالقوة لدى حكومة بشار الأسد ,والذى وظف بشكل جيد ورقة التنظيمات الإرهابية, وفى الوقت نفسه خفف من غلواء القوى الكبرى تجاه بقائه -أى الأسد - فى السلطة مع تراوح الفترات الزمنية لهذا البقاء, وفقا لتصورومصالح هذه القوى .





ولاشك أن قوى المعارضة التى اجتمعت فى الرياض ,كانت فى حاجة الى هذا القدر من تفعيل صوتها الموحدحسب تعبير بيان وزارة الخارجية المصرية الذى رحب بنتائج المؤتمرحتى يكون بمقدورها وضع محددات مشاركتها فى العملية التفاوضية المرتقبة مع الحكومة السورية ,والتى باتت تحظى بإجماع إقليمى ودولى مع تفاوت فى منظور أطراف هذا الإجماع ,وتمسك البعض بما يمكن اعتباره شروطا مسبقة تتمثل بشكل رئيسى فيما يطلق عليه سياسيا "عقدة الرئيس الأسد", والتى ستخضع بالتأكيد لحسابات خاصة بكل طرف ,ومنظوره لمدى الأرباح والخسائر التى سيحققها فى حال استمراره فى السلطة ,أو خروجه منها ويمكن الإشارة الى جملة من الملاحظات فى ضوء قراءة نتائج مؤتمر الرياض:



أولاصحيح أنه لم تشارك فيه جميع الفصائل والتنظيمات ,لكنه  حشد أكبر عدد منها  بما فى ذلك جماعات مسلحة من الداخل, فى مقدمتها الجيش الحر وأحرار الشام وجيش الإسلام. تنوعت توجهاتها بين الوطنى والقومى والاسلامى المعتدل غير المرتبط بالفكر المتطرف, وتمثل جميع مكونات الشعب السورى ,من العرب والأكراد والتركمان والأشوريين والسريان والشركس والأرمن



ثانيا : بدا واضحا أن ثمة إجماعا من قبل فصائل المعارضة ,على المحددات الرئيسية التى تشهد توافقا ,حتى لو بدت بعض الخلافات فى منهجية الوصول اليها ,مثلما حدث من قبل أحرار الشام التى أعلنت انسحابها من المؤتمر, ثم تراجعت ومبادرة ممثليها الى التوقيع على البيان الختامى ,وتتمحور حول التمسك بوحدة الأراضي السورية و,الإيمان بمدنية الدولة وسيادتها، والالتزام بآلية الديمقراطية التعددية, دون تمييز عرقي أو طائفي، وبالحفاظ على مؤسسات الدولة، والرفض الكامل للإرهاب بكافة أشكاله، وهو ما يتسق مع  ãÇ صدرعن مؤتمر القاهرة للمعارضة الوطنية السورية  ,الذى عقد فى شهر يونيو الماضى الأمر الذى   يعكس تكامل الأدوار بين مصر والسعودية , فيما يتصل بأسس توحيد المعارضة والحل السياسى للأزمة السورية ,ويؤكد غياب التناقض الذى تحاول بعض الدوائر إلصاقه بمواقف الجانبين ,تجاه التعاطى مع ملف المعارضة تحديدا ,وحتى ولو بدا أن ثمة موقفا مغايرا للرياض فيما يتعلق ببشار الأسد والذى تصر على إزاحته, فإن مصر- حسبما أكدت قيادتها السياسية -لاتبدى اهتماما بالأشخاص بقدر اهتمامها بالدولة السورية ,وبقائها فى خانة الوحدة أرضا وشعبا , والاستقلال والسيادة ,تجنبا لإعادة إنتاج الوضع السيئ فى العراق عقب الغزو الأمريكى له فى 2003 .



ثالثا : أسفر المؤتمر عن  تحديد آلية لتشكيل وفد المعارضة فى المفاوضات المرتقبة سواء فى نيويورك أو فى جنيف ,تتمثل فى إنشاء لجنة عليا للمفاوضات مكونة من  33 شخصا ,وتتخذ من الرياض مقرا، وتكون بمثابة مرجعية للوفد التفاوضي , تضم  9أعضاء من الإئتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة السورية , و11 من الجماعات المسلحة , و5 من معارضة الداخل   و8 مستقلين , صحيح أن اختيار أعضاء هذه اللجنة لم يتم عبر آلية الانتخاب  , وهو ما شكل موضعا لانتقاد بعض الفصائل , غير أن الاختيار حاول إرضاء جميع الأطراف, بما فى ذلك الفصائل المسلحة التى سيكون لها شأنها ورؤيتها فى الحل السياسى,  بيد أن ذلك قد يدفع بتفجير بعض  الخلافات فيما بين أعضاء هذه اللجنة  ,عند البدء فى إختيارأعضاء الوفد الممثل للمعارضة فى التفاوض مع النظام , الأمر الذى من شأنه أن يسهم فى قدر من الإرباك لخندق المعارضة , وهو مالن تسمح به الدبلوماسية السعودية الراعية للمؤتمر



‎رابعا: ثبت المؤتمر رؤية المعارضة بشقيها السياسى والعسكرى على الخيار السياسى لحل الأزمة السورية , وفقا لوثيقة جنيف 1 الصادرة فى الثلاثين من يونيو 2012 وبيان فيينا الأخير ,وهو موقف تبنته أغلب فصائلها حتى قبل التدخل الروسى العسكرى المباشر ,مايعنى أن السنوات الخمس الماضية أنهكت جميع أطراف الأزمة , فجميعها تتحدث عن تبنى هذا الخيار بعد أن  أن اتضحت الكلفة الباهظة للخيار العسكرى,  الذى أفضى الى قتل ما يقرب من 300 الف سورى إصابة وجرح عشرات الألوف ,ونزوح ولجوء حوالى نصف الشعب السورى بالداخل والخارج ,فضلا عن تدمير البنية التحتية والمرافق والخدمات , لكن المعارضة تطالب فى الوقت ذاته بضرورة توافر ضمانات دولية، مع التأكيد على  أن عملية الانتقال السياسي في سوريا هي مسئولية السوريين، وبدعم ومساندة المجتمع الدولي، بما لا يتعارض مع السيادة الوطنية، وفي ظل حكومة شرعية منتخبة , غير أن ثمة متغيرا يبدو فى الأفق فيما يتعلق بهذا الخيار ,بوسعه أن يسهم فى إجهاض عملية التفاوض  , ففى الوقت الذى أعلنت فصائل مؤتمر الرياض أن هدف التسوية السياسية هو" تأسيس نظام سياسي جديد، من دون أن يكون لبشار الأسد، مكانا فيه", وفق تعبير البيان الختامى    ,شدد بشار فى مقابلة صحفية عقب صدور البيان بساعات وجيزة على رفض مشاركة حكومته فى التفاوض مع ما وصفها بالجماعات الإرهابية وهو التعبير الرسمى الذى يضع كل فصائل المعارضة فى خانة الإرهاب  وعندما سئلأى بشار الأسد - عما إذا كان يريد التفاوض مع جماعات المعارضة التي اجتمعت في الرياض  نهاية الأسبوع الماضى عقب بقوله:  عندما تكون مستعدة لتغيير منهجها والتخلي عن سلاحها فإننا مستعدون، أما أن نتعامل معها ككيانات سياسية فهو أمر نرفضه تمام.



خامسا:  لايمكن اعتبار موقف المعارضة فى مؤتمر الرياض هو العنصر الرئيسي الحاسم المؤدى الى الإنخراط فى عملية تفاوضية سياسية  - على الرغم من أهميته وحيويته, فثمة مواقف لأطراف أخرى ضالعة فى الأزمة السورية أولها إيران التى لم تبد ارتياحا لما جرى فى السعودية, ووجهت انتقادات حادة اتساقا مع منظورها المؤيد للنظام السورى وعلى رأسه الاسد, فضلا عن روسيا التى تعاملت بحيادية مع مخرجات مؤتمر الرياض مع الرفض المطلق للمساس بوضعية بشار الأسد على رأس السلطة فى دمشق ,وهو ما سيحاول جون كيرى وزير الخارجية الأمريكي بحثه باستفاضة خلال اللقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين بموسكو وحتى  الولايات المتحدة حذرت من أن بعض " النقاط لاتزال عالقة في الاتفاق بين قوى المعارضة السورية إذا كانت مفاوضات السلام برعاية الأمم المتحدة ستستأنف الأسبوع المقبل "  دون أن تحددها ,وهوما سيكون موضع بحث بين كيرى ونظيره السعودى عادل الجبير , لكن واشنطن ترغب في أن تكون موسكو مرتاحة للاتفاق حسب تسريبات صحفية .



على آى حال , من الواضح أن ماكينة الحل السياسى بدأت تعمل ,لكنها ستظل فى حاجة الى وقود دائم من أطراف الأزمة السورية ذاتها ,ومن الفاعلين الرئيسيين فيها سواء فى الإقليم أو فى المجتمع الدولى والسؤال هل يمتلكون القدرة على ذلك ؟