أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
توحيد المعارضة السورية والأمل الكاذب
14 ديسمبر 2015
د. حسن أبو طالب


مع اقتراب موعد البدء بعملية سياسية تجمع بين نظام الأسد ومعارضيه تحت مظلة الأمم المتحدة مطلع العام المقبل، يُعد توحيد فصائل المعارضة الوطنية السورية شرطا ضروريا لإنجاح أية جهود تتعلق بتسوية سياسية فعالة وقابلة للتحقيق فى سوريا انطلاقا من بيانى جنيف 1 و2 وما بات يعرف بعملية فيينا التى تستهدف وقف إطلاق النار وبدء عملية تفاوضية لمدة ستة أشهر تقريبا تبدأ بعدها مرحلة انتقالية تقودها حكومة جديدةموسعة من حيث العضوية وواسعة من حيث الصلاحيات. وهو - أى توحيد المعارضة الوطنية - شرط ضرورى أيضا لكى يكون هناك مقابل موضوعى يفاوض نظام الرئيس الأسد الذى ما زال معترفا به دوليا وله حضور فى المؤسسات الدولية المختلفة، فى حين أن ما يعرف بفصائل المعارضة منتشرون فى الداخل السورى وفى الخارج الإقليمى والدولي، وكثير منهم لا يثق فى الفصيل الآخر ويعتبره عدوه اللدود ويفوق عداءه لنظام الأسد نفسه، والمُسلح منهم يقتل ويواجه أعضاء الفصيل الآخر لأسباب سياسية أو فكرية أو مصلحية أو بسبب ارتباطه بدولة ليست على وفاق بأخرى وهكذا.


وتوحيد المعارضة يمكن أن يأخذ أحد شكلين، أولا دمج هذه الفصائل السياسية والعسكرية فى بنية معارضة واحدة وهو أمر غير قابل للتحقيق مهما بُذل من جهود، وثانيا وضع إطار تنسيقى موسع يتيح لكل الفصائل أو غالبيتها الفاعلة المشاركة فى العملية التفاوضية المرتقبة مع الاحتفاظ بكيانها المستقل ورؤيتها الذاتية على الأقل لبعض تفاصيل التفاوض. ولأسباب موضوعية وعملية يُعد بناء إطار تنسيقى أقل صعوبة من خيار الدمج غير الواقعي، ولكنه أيضا لن يكون مهمة سهلة أو يمكن أن تتحقق بمجرد الاجتماع ليوم أو يومين فى أى مكان بين عدد من ممثلى هذه الفصائل المتنوعة سياسيا وفكريا وتمويليا فضلا عن اختلاف أساليب عملها ما بين العسكرى والسياسى والدعائي. وغالبا ما سيكون نتاج مثل هذه المحاولات جزئيا وغير مقبول من الذين استبعدوا عن المشاركة لسبب أو لآخر وكان لديهم حضور وتأثير فى مناطق واسعة، كالمنظمات الكردية المشاركة فى الإدارة الذاتية فى محافظات سورية الكردية.



وليس سرا أن بعضا من المجموعات والتنظيمات المسلحة تحديدا مرتبط ارتباطا وثيقا بتنظيم القاعدة المُصنف إرهابيا على مستوى العالم أجمع، ولعل أشهرها جبهة النصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام وجيش الفتح وغيرهم كثير جدا بما يفوق حصره بسبب كثرة الانشقاقات وتشكيل منظمات محلية فى أكثر من مكان والتحرك فى مساحات واسعة من الأرض السورية بلا ضوابط. ومثل هذه الفصائل تعتبر نفسها معنية فقط بإقامة دولة إسلامية فى عموم الشام وأن إسقاط النظام السورى وهدم المؤسسات هى الأولوية الوحيدة وليس التفاوض كما عبر عن ذلك أبو محمد الجولانى زعيم النصرة. وليس سرا أيضا أن الكثير من فصائل المعارضة المُصنفة سياسية خاصة التى تعمل فى الخارج مرتبطة بشكل ما بدولة أو أكثر من دول الجوار تتيح له التمويل والمكان وحرية الحركة وتدافع عنه لدى واشنطن أو غيرها من العواصم الأوروبية وتسعى أن يكون هذا الفصيل أحد أدواتها الفعالة فى التأثير على مسار الأحداث فى سوريا. أما المنظمات أو المجموعات المسلحة التى يصفها البعض بالسنية المعتدلة فهى موصولة مباشرة بالولايات المتحدة عن طريق وكلائها فى الإقليم وتحديدا تركيا ودول أخري. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تسمح لنفسها بعلاقات مباشرة مع قوى كردية مسلحة بعيدا عن خط المرور التركى لأسباب استراتيجية تتعلق برؤية واشنطن بعيدة المدى للمنطقة ككل.



مثل هذه الخريطة لمجموعات المعارضة السورية أقل ما توصف به أنها معقدة ومتداخلة وذات امتدادات خارجية متشعبة ومتناقضة، وإذا أضفنا إليها ما يُعرف بالمعارضة السورية فى الداخل والتى تتشكل من 17 حزبا رغم التحفظات الكثيرة التى يمكن أن تُقال عن وجود معارضة تحت كنف النظام السوري، لتأكد لنا أن عملية التوحيد للمعارضة السورية هى أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، كما أن التنسيق بينها جميعها أو بين غالبيتها تقف أمامه جبال من العقبات والمشكلات ويحتاج حلها لسنوات وسنوات مع افتراض حُسن النية وليس فقط بضعة أيام.ولذلك ستظل أى محاولة للتنسيق بين فصائل المعارضة هى محاولة جزئية ولا تعبر إلا عن المشاركين فيها وحسب، والمشكلة الكبرى فى كل الأحوال أن أحدا من المشاركين سواء معارض سياسى أو مُسلح لن يستطيع أن يدعى أنه الأكثر تعبيرا عن مطالب الشعب السورى الصامد فى وجه الاستبداد والقهر والعمالة والخيانة وتدمير سوريا الممنهج على أعلى مستوي.



ومعروف أن عملية فيينا أوكلت للأردن أن يبذل جهدا فى وضع قائمة تفرق بين المجموعات المسلحة الإرهابية لاسيما المرتبطة بداعش أو القاعدة ومن سار على دربهما، وبين تلك التى يمكن اعتبارها معارضة معتدلة ولكنها مسلحة تناهض النظام وتسعى فقط لإعادة بناء سوريا كدولة مدنية وديمقراطية كما نصت على ذلك بيانات جنيف وفيينا. وبحيث يُسمح لها أن تشارك فى التفاوض المستقبلى مع النظام السوري. وبالطبع ستكون هذه العملية بالتنسيق مع الدول الفاعلة فى الأزمة السورية وليست مجرد جهد أردنى خالص. ومن غير المعروف ما هى المعايير التى سيعتمد عليها الجهد الأردنى للتفرقة بين ما هو إرهابى مرفوض وما هو مجرد معارضة مُسلحة، خاصة وأن استخدام السلاح فى حد ذاته ضد الحكومة والنظام العام يُعد إرهابا مهما كانت الأسباب المعلنة، والإشكالية القانونية هنا أن الاعتراف بالمعارضة المسلحة والمدعومة من الخارج لاسقاط نظام الحكم سيؤدى إلى نوع من التناقض لمن يقبلون مثل هذا الطرح، لأنه ببساطة يقدم أساسا معنويا وسياسيا لأى فصيل معارض أن يتحول إلى مسلح استنادا إلى التجربة السورية ذاتها ويعتبر نفسه معارضة معتدلة ومقبولة دوليا. وهو ما يمكن أن يحدث فى أكثر من بلد عربي. ولذا اعتقد أن غياب معايير واضحة وذات أبعاد قانونية سليمة ترفض استخدام السلاح تحت أى ذريعة فى تقييم مدى صلاحية هذه الفصيل أو ذاك من المشاركة فى العملية السياسية السورية سوف يشكل سابقة خطيرة بكل المقاييس وسوف تفتح أبواب جهنم على من يقبلون بها ويدافعون عنها، لاسيما وأن أمثلة عربية عديدة تتراكم لديها الأسباب والمبررات لكى ينزلق البعض من المحليين ومناصريهم الإقليميين لاستنساخ الحالة السورية بكل تشوهاتها وخيباتها ومآسيها.