أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
« المدرسـى» .. إهدار مـع سـبق الإصـرار !
12 ديسمبر 2015
تحقيق:وجيـه الصقـار
د.محمد غنيم ود.حسني السيد

مازال الكتاب المدرسى على صفيح ساخن فهو المنهج والمرجع فى المادة ، ولكن مازال الطلاب لا يفضلون الاعتماد عليه فى التعليم أو التعلم بعد منافسة الكتاب الخارجى وتفوقه بمهارة على كتاب الحكومة الذى يكلف الدولة نحو 1،3 مليار جنيه تضيع بلا فائدة ، برغم حرص الوزارة على إلزام معلم الفصل للاعتماد عليه ، وبرغم محاولات وزارة التربية والتعليم لتطوير الكتاب الحكومى من حيث الشكل والمضمون ، فالكتاب الخارجى مازال هو المرجع الأول والأساسى للطالب طوال العام الدراسى.



الدكتور محمد غنيم أستاذ البحوث التربوية بجامعة بنها يؤكد أن هناك إجماعا بأن الكتاب الخارجى يتفوق بجدارة على الكتاب المدرسى لتوصيل وفهم المعلومة والخدمة التعليمية، وأنه يتميز من حيث الرسومات التوضيحية والألوان المميزة للعناوين ، ووجود ملخص للدرس فى نهاية كل فصل يركز ويسهل المعلومات الصعبة للطالب ، وهذا لا يتوافر  فى الكتاب المدرسى والذى لا يجذب الطلبة فى التحصيل أوالفهم.



فكلما كان شكل الكتاب الخارجى والرسومات الملونة متوافرة فى الدروس و على الغلاف الخارجى ، توضح المادة المشروحة  والمعروضة بالدرس مثل ، وأجزاء الجسم والخرائط والتاريخ ، لأن الرسوم التوضيحية  لها دور فى توضيح عبارات الشرح للدرس ، وهى تثير الأفكار وتحفز على المذاكرة و يعتمد أيضا فى الشرح  على طريقة سرد المعلومات، دون انتظار المعلم ليوضح ويحلل للطالب، بينما كتاب المدرسة يعتمد على شرح المدرس وربما يكون مستواه منخفصا أو غير مؤهل لمستوى المادة، أما الكتاب الخارجى بطرح المعلومات بطريقة الأسئلة والأجوبة والاستعانة بالجداول فى إيضاح المعانى والتراكيب لذلك يكون دور الكتاب الخارجى هو دور المدرس الخصوصى ، و مع التطور الأخير أصبح يوزع معه  «سيديهات» تدعم المعلومات بالصوت والصورة ، وتبسط المعلومات ، لدرجة أن الطالب يمكن أن يعتمد عليه كليا ، مع المدرس الخصوصى، ويعتمد على ما يقدمه الكتاب الخارجى من معلومات مع انتظام المذاكرة  وحل الأسئلة المتوقعة ونماذج  للامتحانات والمحافظات للأعوام السابقة ، والتى تجعل الطالب يتعرف على جميع أنواع الأسئلة وكيفية وضعها والإجابة النموذجية عليها، وهذا لا يتوافر فى الكتب المدرسية، الذى يركز على وضع المحتوى العلمى مع أمثلة بسيطة ويترك للمدرس الجانب الإثرائى فى الشرح ، وتمده (بكتاب دليل المعلم ) للاستفادة منه فى الشرح ولكن للأسف لا يتوافر هذا الكتاب غالبا مع كثير من المدرسين مما يحدث خللا ، كما أن هناك دليل الطالب فى التقويم والذى يضعة مركز الامتحانات ، و يجهز بعد انتهاء نصف العام مع أن تدريباته مرتبطة درسا بدرس منذ بداية العام الدراسى ، ومع ذلك فالوزارة تتاجر فيه رسميا لمن يبحث عنه وبسعر 50 جنيها للنسخة برغم أهميته تنافسه للكتاب الخارجى .فى حين أن الكتاب الخارجى يتوافر قبل بداية العام الدراسى وبنصف الثمن .



  أباطرة الكتب الخاصة



  ويرى الدكتور على الجمل أستاذ المناهج بجامعة عين شمس أن الكتاب المدرسى تعرض لظلم شديد بدخول أباطرة الكتب الخاصة ، لأن الكتاب المدرسى له أهداف تربوية عديدة منها التدرب على التفكير والاستنتاج والفهم والتحليل من نص أسلوب الكتاب ، إلا أنه لدينا خلل واضح وهو ربط التعليم بالامتحانات حتى أصبح التعليم لا يزيد على سؤال وإجابة فقط مرتبطا بنص الكتاب ، ولا يعتمد على مهارة التفكير والاستنتاج ، لدرجة أن الوزارة تلزم واضع الامتحان بضرورة تحديد نص الإجابة ورقم الصفحة والسطر فى كتاب المدرسة بنموذج إجابة الامتحان ، أى يتم تقييده دون تحقيق الأهداف الأساسية من تعليم المادة الدراسية ، وهنا لا يجد الطالب ومعلمه أسهل من الاتجاه للكتاب الخارجى وعلى طريقة حل الامتحانات أو حفظ الإجابات ، فالتعليم المصرى قليلا مايخرج أجيالا منافسة عالميا لأن الحفظ والتسميع لا يحقق هدفا تربويا ، ويكفى أن الوزير يخرج من خلال الإعلام ، ليؤكد أن الامتحانات فى مستوى  الطالب المتوسط وهذه كارثة فهى تعنى أننا لا نهدف لخلق جيل  متميز دراسيا وذهنيا ، لندخل التقدم العالمى ، فلابد من احكام الامتحانات والاختبارات بمعايير تربوية ، فمثلا بأن تأليف منهج الكتاب المدرسى يحتوى قطعة نصوص معينة وراء كل فقرة من الدرس ليركز على قيمة عالية من الفكر المقصود وعند طبع الكتاب تحذف الوزارة قطعة النصوص الهادفة ليصبح الدرس بلا أهداف.



كما يتميز الكتاب الخارجى بجودة الخامات المستخدمة وطريقة الطباعة الملونة التى تجذب الطالب وتشجعه على التحصيل والحفظ دون اعتماد على كتاب المدرسة .



من جانبه، أكد الدكتور حسنى السيد أستاذ البحوث التربوية أن كتاب الوزارة الذى يكلف  الدولة سنويا 1،3مليار جنيه، تحكمه الجوانب الاقتصادية لأن الميزانية غير كافية فالمليم الواحد زيادة أو نقصا فى المعروض يعادل 30 مليون جنيه، ولذلك سيكون البديل هو التحميل على جهاز تابلت وتعميمه على جميع المدارس بالجمهورية، وبرغم تجربته  الأخيرة التى لم تنجح بسبب عدم الاعداد الجيد ، وذلك لخفض تكاليف الكتاب المدرسى وإدخال التكنولوجيا المتطورة بالتعليم بما يعد ضربة  للكتب الخارجية ، ولتلافى سلبياتها ، وكذلك الدروس الخصوصية، متواكبا مع الضبطية القضائية ومحاسبة المدرس وعزله ، ومواجهة سرقات فى المدارس لأجهزة الحاسب الآلى التى تعدت الملايين وعطلت الاعتماد على التكنولوجيا فى التعليم  وضرورة توافر البنية التحتية لتشغيل وصيانة جهاز التابلت نتيجة تعطله باستمرار ، وسقوط المناهج من الجهاز كل فترة ، وانقطاع الكهرباء وعدم وجود أجهزة للتشغيل أو شبكة دولية بالمدارس ، ولأن الطلاب يعانون تعطل الأجهزة إضافة إلى عدم وجود وصلات( نت) وكهرباء لشحن البطارية. وهو ماجعل المديريات التعليمية تطالب بتوفير الكتب المدرسية بديلا للتابلت، لتسليمها للطلاب  إذ انتهى الأمر أن بعضهم باعه أو اكتفى باستخدامه فى الألعاب ،ولمتابعة صفحات  التواصل الاجتماعى ، واستغلت بعض المدارس الخاصة فكرة المشروع لعمل (بيزنس) وطبقت نظام التابلت ، وحققت من ورائه مبالغ طائلة ، بإرغام أولياء الأمور على شراء نوعيات منه من خلال المدرسة ووضع حسابه لدى بنك خاص ، بينما أجبرت اللآباء على دفع ثمن الكتب وتسليمها لهم وكان بالأساس لتعويضهم عن الكتاب المدرسى بمنهج إلكترونى ونظام تعليم تفاعلى ، فضلا عن هدف تلافى إرهاق ميزانية الوزارة  ،ولوحظ أن الوزارة لم تدرب المعلمين على إمكانات تشغيل الجهاز ولم تضع أسلوبا رقابيا يضمن تدريب المعلمين الذين انصرفوا للدروس الخصوصية ، وأن فشل مشروع التعليم الإلكترونى يعنى ضياع 290 مليون جنيه خصصت لتنفيذه . كما أن الوزارة استعانت بشركة أمريكية متخصصة فى التعليم التفاعلى ، اعدت تقريرا عن سلبيات التعليم التفاعلى ، منها عدم حصول المعلمين على قدر كاف من التدريب العملى .ذلك لأن البيئة المدرسية لا توفر وسائل تطبيق التكنولوجيا ،



وأضاف أن الوزارة حاولت إلغاء الكتب المدرسية فى العام الماضى وإحلال وحدات (CD) بدلا منها ، اعترافا بأن الكتاب المدرسى لم يعد له ضرورة لدى الطالب كما أن الطلاب يرون أنه «عبء » ،لأن المدرسين يعتمدون حتى فى الواجبات على الخارجى ، بينما يرى آخرون أن فكرة (cD) لن تكون ناجحة الا اذا كان فى جميع المدارس أجهزة كمبيوتر لكل الطلاب طوال اليوم الدراسى .فكثير من الطلاب لا يحضرون إلى المدرسة ولا يستخدمون الكتاب المدرسى ، وبعضهم لا يذهب لتسلمه ، فتجده مكدسا بالمخازن ، فالوزارة فى واد والطلاب فى واد آخر ، وتتوقف حياتهم على الدروس الخصوصية ، كما أن الطالب الذى تربى على الكتاب لن يعتمد على (cd) لأنه لا يعرف المذاكرة بدون كتاب ، ولا يستطيع أن يذاكر على جهاز الكمبيوتر ، بدليل أن الوزارة ومواقع أخرى كثيرة تضع دروسا وشرحا على المواقع الالكترونية ولا يوجد أحد ينظر إليها .



أمثلة للإهمال



وهناك أمثلة لحالات اهمال فى طباعة وتأليف الكتب منها : ولى أمر تلميذة فى الصف الخامس يحكى تجربته مع الوزارة فى عام 2012 مع كتاب العلوم  الخاص باللغة الإنجليزية  ووجد أخطاء علمية فى تقسيم الحيوانات ففى صفحة 76 من الكتاب فى جانب الصورة تقول fig the commensalism among birds and hippopotamus. ، ومعنى هذا الكلام أن فى شكل (57) يوجد إفادة بين الطيور وفرس النهر ، أما مايوجد تحت الصورة:



A mutualism relationship between the hippopotamus and some birds 



أما التعليق فى أسفل الشكل : يوجد علاقة تبادل منفعة بين فرس النهر وبعض الطيور.فالمكتوب بجوار الشكل ليس هو المذكور فى وصف العلاقة وباكتشافه ، توجه إلى المسئول بمديرية التعليم وأوضح الخطأ ً  فأحاله لمستشارة العلوم ، فأرسلت له موجهين فى المادة  وبعد الشرح وتصويره , وبرغم مرور ثلاث سنوات فإن نفس الخطأ استمر فى نفس الصفحة فى كتاب المدرسة والمشكلة أن الخطأ تم نقله بالتبادل ، والغريب أن المستشارة طلبت النسخة العربية للكتاب لأنها وحسب قولها لم تدرسه باللغات ، والجديد أن اسم المستشارة أضيف ضمن المؤلفين  على الكتاب فى الطبعة الجديدة بعد قولها  إنها ستمنح ابنته الدرجة لو كتبت المعلومة الخاطئة لأن الوزارة مسئولة عن الخطأ فى النهاية . كما كشف أحد معلمى اللغة الإنجليزية بإدارة الزيتون التعليمية، عن كارثة ، تمثلت فى أن مناهج اللغة الأجنبية للمرحلة الابتدائية  لا يوجد فيها درس أو موضوع يخدم الهوية العربية وتفتقد لأبسط الأساليب والعبارات التى تنمى الهوية المصرية لدى الطالب، رغم تأكيد الوزارة أن هناك لجانا بصفة مستمرة قائمة على تنقيح ومراجعة المناهج الدراسية لجميع الصفوف. وتقدم المدرس بمذكرة خلال الفترة الماضية بالمشكلات الخاصة بالمناهج ، وتجاهلها المسئولون ، مما دفعه إلى التقدم ببلاغ إلى النائب العام فالأمر يتعلق بالأمن القومى مما يعنى تلاعبا فى المنهج القومى لتربية الأجيال ومستقبل البلد .



من جانب آخر ،كشف تقرير قضائى أخير  بهيئة النيابة الإدارية، فى (القضية 111 لسنة 57 تعليم ) يتضمن نصها : وجود خلل وفساد فى عملية تأليف وطبع الكتب الدراسية بوزارة التربية والتعليم عن عمد بقصد تقاضى مكافآت خيالية بدون وجه حق وإهدار مئات الملايين من الجنيهات فى إعادة طبع الكتب القديمة مع تغيير الغلاف فقط للإيهام بتطوير المناهج. وأن الوزارة كانت تشكل لجانا وهمية لتطوير المناهج وتعقد لجانا تتقاضى مبالغ مالية ضخمة وتكون النتيجة أنهم يغيرون فقط غلاف الكتاب ويقتبسون المادة القديمة كما هى دون زيادة أو نقصان أو تغيير حتى ولو حرف واحد ، مما يكلف خزانة الدولة مكافآت تقدر بالملايين بدون وجه حق وإعادة الطبع بمئات الملايين من الجنيهات.وجاء  نص الإحالة أنه مع كل شروق شمس يوم جديد تخرج علينا وزارة التربية والتعليم بمخالفة جديدة تظهر مدى الفساد الذى تتمتع به هذه الوزارة ومدى الاستخفاف بمستقبل الطلاب والعبث بمستقبل هذه الأمة والسعى لتخريج شباب لا يستطيع أن يستفيد أو يفيد وطنه من خلال ما يقدم له من تعليم بالإضافة إلى تخريب اقتصاد الوطن ونهب أموال الشعب وتحميل موازنة الدولة مئات الملايين من الجنيهات دون مقابل.