أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
« عوض » .. الصيد فى الماء المكهرب
12 ديسمبر 2015
‫المنصورة . إبراهيم العشماوى :

هو البحر .. قليلا ما يبوح بأسراره العميقة وحكاياته الصامتة ، وبقدر ما يكتنز من ثروات وأسماك وجواهر بقدر ما يحمل على أجنحة أمواجه الخادعة وبين طيات رياحه الهادرة نقمة على بعض مرتاديه ممن لا يحترمون قواعده أو تسكنهم روح المغامرة والتطلع إلى مضاعفة المكاسب .. " الرزق يحب الخفية "



مثل رفعه بقناعة عوض أحمد صياد المطرية المسكين فى بحيرة المنزلة ورفاقه الذين يعيشون على الكفاف مع معاناة الصيادين من تلوث البحيرة وحصار البلطجية وإنتشار الحشائش والأعشاب، وفى ظل إخفاقهم فى تحسين أوضاعهم برحلات دولية فى البحر الأحمر أو فى أعالى البحار شمالا فى البحر المتوسط لأنها تحتاج إلى أموال كثيرة ونفقات باهظة وقد يكون المصير السقوط فى مخالب شبكات التهريب أو القرصنة البحرية أو الوقوع فى يد أجهزة أمن إحدى الدول .






فكر عوض ورفاقه محمد والعربى كثيرا فى كيفية كسر النحس الذى يعانون منه وكيفية تلبية الطلبات المتزايدة لأطفالهم وزوجاتهم وتكاليف الحياة والتعليم والدروس الخصوصية والعلاج والمواصلات، فهداهم تفكيرهم إلى خطة وحيلة مبتكرة لجلب أكبر كمية من الأسماك عن طريق الصيد بصعق الأسماك بالكهرباء وهى طريقة مخالفة ومحرمة قانونا لأنها تدمر بيض السمك والزريعة، وتسبب الإصابة بالفشل الكلوى لمن يأكل تلك الأسماك، ولكنها مربحة جدا لأنها تشل حركة الأسماك فى البحر وتجعلها تتجمع حول شباك مصنوعة من الألومنيوم .



دبر عوض ورفاقه الخطة للخروج ليلا للصيد حتى يكونوا بعيدا عن أعين المراكب وعسس البحر بعد أن أعدوا موتورا مجهزا بدينامو لتوليد الكهرباء ، لكن عوض لم يكن يعرف أنها رحلة الصيد الأخيرة له وأنه بدلا من أن يصطاد أسماكا وفيرة ويعود إلى زوجته وأطفاله بالخير العميم ، إصطاد روحه وأنهى حياته دون قصد وترك ثلاثة أطفال أيتام فى بحر متلاطم الأمواج وظروف قاسية . فبينما كان عوض يشد الشبكة من فوق القارب محملة بالأسماك إنزلقت قدمه فى الماء المكهرب وفى لحظات قليلة غاب عن العيون وظهر جثة هامدة وسط دهشة رفاقه الذين لم يدروا ماذا يقولون لأهله أو للشرطة فقدموا روايات متناقضة رفضتها الشرطة والطب الشرعى فى النهاية .



وكان اللواء عاصم حمزة مدير أمن الدقهلية تلقى إخطارا من اللواء السعيد عمارة مدير إدارة المباحث بوفاة عوض أحمد حسن الأذعر 30 عاما صياد ومقيم بندر المطرية ، ادعاء حادث غرق وما قرره شاهدا الواقعة محمد الغريب القرعة  والعربى محمد أحمد النجار ، وانه حال تواجدهما والمتوفى ليلاً ببحيرة المنزلة لصيد الأسماك بموتور بحرى فوجئوا بمجموعة من الأشخاص المجهولين يستقلون موتور بحرى آخر ، يعترضونهم لمنعهم من الصيد وتعدى أحدهم على المتوفى بالضرب بالأيدى وسقوطه فى المياه، ما أدى الى وفاته فى الحال صعقا بكهرباء مكنة الصيد الخاصة به وفرارهم هاربين، وما قرره شقيق المتوفى من تأييد أقوال الشاهدين .



وبالعرض على النيابة العامة قررت انتداب الطبيب الشرعى لتشريح جثمان المتوفى والتصريح بالدفن عقب ذلك  ، حيث أسفر فحص ضباط وحدة مباحث مركز المطرية عن عدم صحة الواقعة وأن المتوفى والشاهدين كانوا يصطادون الأسماك ببحيرة المنزلة عن طريق صعق المياه بالتيار الكهربائى باستخدامهم مولد كهرباء بقوة 12 كيلو وات، وأن المتوفى إنزلقت قدماه وسقط فى المياه، ما أدى إلى وفاته.



وبمواجهة شاهدى الواقعة المذكورين بما أسفر عنه الفحص ، أيدا ذلك وأضافا أن المتوفى سقط بالمياه أثناء محاولتهم الهرب من بعض الأهالى الذين طاردوهم بسبب طريقة صيدهم المخالفة، وبإرشادهما تم ضبط مولد الكهرباء والتحفظ عليه على ذمة تصرفات النيابة .



لكن إبراهيم شقيق عوض يؤكد أن الرواية الأولى هى الأصح والتى تتحدث عن هجوم عناصر بلطجية على أخيه ورفاقه جعلت قدمه تسقط ويغرق فى الحال . ويضيف إبراهيم وهو يعمل أيضا صيادا : عوض إنسان بسيط مكافح من أجل لقمة عيش شريفة وهو " أغلب من الغلب "، يخرج يوميا ليعود بمصاريف أولاده وأسرته حيث يعيش معى ووالدتنا فى بيت واحد ويقضى عمله ثم يعود بعشرات الجنيهات فقط راضيا قنوعا بالستر والرضا والأمل فى غد ربما يكون أفضل ، ويوم الحادث وزع قبلاته على أطفاله الثلاثة بحنو وعطف وكأنه كان يودعهم إلى الأبد ، وقبل يد والدته طالبا منها الدعاء له . ويستطرد شقيق عوض : أخى لديه ثلاثة أطفال الكبيرة رضوى فى الصف الأول الإبتدائى والثانية جنة فى الحضانة وأحمد عمره عامين تقريبا ، وهو غير حاصل على أى مؤهل تعليمى ، وليس له معاش أو مصدر رزق آخر غير الصيد وأريد حقه من الذين اعتدوا عليه وتسببوا فى قتله ، وفى الختام يطالب إبراهيم المسئولين سواء فى المحافظة أو الجهات المعنية فى الشئون الإجتماعية بأن ينظروا إلى أطفال شقيقه ووالدته نظرة عطف ومساعدتهم فى تأمين حياتهم وتخصيص معاش شهرى يساعدهم على مواجهة أعباء المعيشة.