أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الأمية الدينية .. بوابة التطرف
2 ديسمبر 2015
تحقيق - نادر أبو الفتوح:

جاءت توصيات مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسـلامـيـة الخامس والعشرين، الذى عقد بمدينة الأقصر تحت رعاية رئيس الجمهورية، بعنوان «رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الدينى وتفكيك الفكر المتطرف» وبمشاركة وزراء أوقاف ومفتين وعلماء دين من 40 دولة عربية وإسلامية وأجنبية،


تباحثوا على مدى يومين حول سبل المواجهة العلمية للأفكار المنحرفة وتصحيح المفاهيم الخاطئة ـ لتكشف أن الأمية الدينية هى المحرك الأول للفكر المتطرف، وأن مثلث الرعب الذى يواجه الأمم هو الجهل والفقر والمرض، ولكن الأعظم خطرًا هو الجهل لأنه يصيب العقل والفكر وأعظم أنواع الجهل خطرًا هو الجهل الدينى الذى يترتب عليه الفهم الخاطىء والتطرف والعنف.


علماء الدين يؤكدون أن الأمة الإسلامية ابتليت فى الآونة الأخيرة بجماعات مارقة ترفع شعارات دينية، وتزعم أنها تدافع عن الإسلام، رغم أنها ترتكب جرائم تتناقض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وقاموا بتجنيد واستقطاب الشباب للانخراط فى صفوفهم، وخداعهم بمفهوم الخلافة والهجرة من دار الكفر لدار الإسلام، فى ظل تناقض كبير بين الأقوال والأفعال وتلاعب بالمصطلحات، وكان من نتيجة ذلك ظاهرة التدين الشكلى التى أحدثت حالة من السطحية والتركيز على الشكل، دون الاهتمام بالجوهر.



وأوضح العلماء أن التدين الحقيقى هو الذى يؤثر بشكل ايجابى على سلوك الإنسان، وينعكس هذا السلوك على تعامل الإنسان فى المجتمع، لأن المقصود من العبادات هو تحقيق مصالح الفرد والمجتمع والدولة، وشدد العلماء على أن التدين الشكلي، الذى يتعارض مع الباطن، هو نفاق صريح، كما أنه يتناقض مع مقاصد الشريعة، فالتدين الحقيقى يكون بتحقيق مقاصد الشريعة فى كل تكليف سواء فى العبادات أو المعاملات وغيرها.



يقول الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، إن المفروض فى المسلم أن يكون الظاهر متفقا مع الباطن، أما اختلاف الظاهر عن الباطن بما يتعارض مع مبادئ الشريعة وتطبيقاتها العملية، فيضع الإنسان فى موقف المنافق، ولذلك لابد أن يكون سلوك المسلم ومظهره متفقا مع باطنه، ويكونا متفقين أيضا مع ما يتفق مع الشريعة الإسلامية، لأن لدينا عنصرين أساسيين للمسلم، هما العقيدة والشريعة، فالعقيدة هى أركان الإسلام، وهى أمور عقدية داخلية، وتطبيق هذا السلوك الباطنى لابد أن يكون ظاهرا، من خلال التطبيق العملى للإسلام عقيدة وشريعة.



التوافق بين المظهر والجوهر



وأشار الى أن السلوك الظاهرى يظهر مع المسلم فى صورته الخارجية، على أساس أن يدل هذا المظهر على أنه متسق مع الجوهر، ومتسق كذلك مع الشريعة من واجبات ومندوبات ومنهيات، لأن الإنسان عندما يتعارض فى هذا السلوك الخارجي، ويظهر للناس أن مظهره متدين ويدل على أن باطنه هو الإيمان، والاتساق مع الإسلام عقيدة وشريعة، لكن من خلال الممارسة العملية فى أماكن ومواقف معينة، يعمل خلاف هذا الباطن، فالمؤكد أن هذا يمثل خطورة على الإسلام والمسلمين، كما هو الحال مع الجماعات التكفيرية التى يطلقون على أنفسهم إسلاميين، والإسلام منهم براء، لأنهم يفعلون فى الواقع ما يتعارض ويتناقض مع تعاليم الإسلام، ويتظاهرون فى شكلهم وأقوالهم بما يكون من الشريعة الإسلامية، لكن التطبيق الواقعى يتعارض مطلقا مع هذا.



يتعارض مع مقاصد الشريعة



فى سياق متصل، يؤكد الدكتور رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن التدين الظاهرى دون أن يكون له التأثير الحسن فى سلوك الفرد، يؤدى إلى عدم انتظام حياة الناس، لأن البعض قد ينخدع بالتدين الظاهرى لأحد الأشخاص وقد تحدث شراكة مع هذا الشخص فى أعمال تجارية أو غير ذلك، ثم يتبين أن هذا الشخص ليس متدينا، ولنا أن نتصور الأضرار التى يمكن أن تحدث، بناء على انخداع الناس فى بعض الأشخاص، الذين يظهرون التدين، دون انعكاس حقيقى حسن على أخلاقهم وسلوكهم، مشيرا إلى أننا محتاجون إلى وجوب أن تُنشئ الأسر أولادها، على أساس ما يطلبه الشرع، سواء فى العبادات أو فى غيرها، ومنها أداء حقوق الأفراد والمجتمع والدولة، وتوعيتهم بأن التدين إذا لم يحقق الثمرة الإيجابية، للفرد والمجتمع، ولذلك هناك دور كبير على خطباء المساجد ووسائل الإعلام المختلفة، سواء صحافة وإذاعة وبرامج ومسلسلات، بل وأفلام سينمائية ومسرحيات، كل ذلك يجب أن يكون موجها للتوعية الصحيحة بأحكام الدين ومقاصد الشريعة، وبيان أن الإنسان إذا لم ينعكس تدينه على أدائه، فيكون الأداء الحسن فى علاقته بالناس، فإن هذا التدين لم يحقق المقصود منه .



التأثير الإيجابى للعبادات



وأضاف: إن للشريعة الإسلامية مقاصد، فى كل تشريع يكلفنا الله عز وجل به، سواء أكان هذا التشريع فى مجال العبادات أو المعاملات أو العقوبات أو العلاقات الدولية أو غير ذلك، وعلى هذا فإذا كان بعض الناس يظن أنه بمجرد أداء العبادات، من صلاة، أو صيام، أو زكاة، أو حج، دون أن يتأثر سلوكه التأثر الحسن فى علاقاته بغيره من أفراد المجتمع، ويظن أنه قد أدى ما عليه من واجبات فهو مخطئ، لأنه بهذا السلوك لا يكون قد حقق المقصود من العبادة، ولم يحقق قصد التشريع، فإذا كان الشخص مثلا، يؤدى الصلاة فى أوقاتها، ولا يؤدى واجباته - التى يتعاطى أجرا عنها - بالصورة المطلوبة، فهو بهذا لم يحقق قصد الشريعة من العبادات، لأن الإهمال فى أداء واجبه، هو أمر لا يرضى الله عز وجل، ويتبين بهذا أن الصلاة لم تؤثر فى سلوكه، وكان مثله كالذى يدخل فى حديقة جميلة، ولا ينشرح صدره بما يراه من جمال المنظر، فالصلاة تدفع شديد القلب، إلى أن يكون سلوكه قويما نافعا لنفسه ولأفراد المجتمع والدولة، وقد وجدنا العلماء يبينون أن الإيمان يزيد وينقص، ومعنى هذه أن الإيمان الشرعى يزيد وينقص، بزيادة ثمراته وهى الأعمال .



التأثر بغير المتخصصين



من جانبه، أوضح الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين الأسبق، أن هذه القضية غاية فى الخطورة، ولذلك فقد حرص مؤتمر الأوقاف فى توصياته على أن يجعل الدعوة مقصورة على خريجى الأزهر أو من يجيزهم الأزهر، ليقدموا للناس الإسلام على أساس من الاعتدال والاتزان والفكر الوسطي، لأنه فى الآونة الأخيرة أفلس كثيرون فى ميادين تخصصهم الدقيقة، ورأى هؤلاء أن الحل الوحيد هو التوجه إلى الاشتغال بالدعوة الإسلامية، يستوى فى هذا من كان يسارى الثقافة، ومن كان متخصصا فى الطب، ومن كان متخصصا فى بعض ميادين المعرفة، حيث لم يستطع أن يثبت ذاته من خلال تخصصه الدقيق، ولم يستطع أن يخدم الإسلام والمسلمين من خلال هذا التخصص، فإذا بهم يتجهون إلى الاشتغال بالدعوة الإسلامية، ولما كان الدين مرتبطا بالعاطفة، وكانت الآذان صاغية، لكل من يتكلم باسم الدين، فقد أصغى كثيرون، إلى هؤلاء وترتب على الإصغاء، أن يتولد غرور لدى هؤلاء، فانتقلوا من رحلة الاشتغال بالدعوة إلى إعلان الإمارة، ثم زعم بعضهم أنه أعلم أهل الأرض بالسنة النبوية، وصدقه الحمقي، فرددوا قوله، ثم تربحوا من وراء هذا الاتجاه، من خلال تحركهم فى الداخل والخارج، ربحا لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل.



متاجرة بالدين



وأشار إلى أن هناك طائفة أخرى عجزت عن إثبات وجودها السياسي، من خلال الحركة الهادئة المقنعة أو البرامج الموصلة للغاية، ورأت أن خير ما يعتد به أو يعول عليه، هو التظاهر بالاشتغال بالدعوة الإسلامية، ومحاولة رفع شعارات دينية، ولو سألت أحدهم عن تفسير أى شعار منها ما استطاع أن يفسره، فهناك عبارة واحدة محفوظة «الإسلام هو الحل»، ومن هنا تم استغلال العاطفة الدينية واتجه الناس تجاه من يقدم هذا الشعار ولم تمض شهور عدة حتى تفاقمت المشاكل واحتار الناس فى الحصول على الخبز والبنزين وغير ذلك، فإذا البعض يقول إن الإسلام هو المشكلة وليس الحل، وبهذا أساءوا للإسلام أكثر من إساءتهم إلى أنفسهم، حتى ظهرت بين الشباب حركة إلحاد لأنهم تساءلوا: أين الحل ؟، ولذلك أوصى مؤتمر الأوقاف الأخير، بالتصدى لهؤلاء وقصر الدعوة على الأزهريين أو من يجيزهم الأزهر، لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة.