أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
موسوعة فريدة أعدها مهندس مصرى فى 11 عاما
مصر فى 200 سنة بصوت النكلة والسحتوت والمليم
20 نوفمبر 2015
أمانى ماجد

للنكلة والمليم والقرش صاغ «رنة» لا تخطئها أذن الآباء والاجداد،مهما مرت السنون وضعف السمع والبصر، فما تزال تلك «الرنة» قاسما مشتركا فى احاديثهم،


 يتخيلون صوتها و شكلها حين يجترون ذكريات الزمن الذى كان،زمن كان الجنيه له شنة ورنة كما يقال... نعم كان الجنيه ومعه آلاف العملات المعدنية الصديقة لها قيمة كبيرة جدا،ترتبط بتاريخ الدولة المصرية


.................................................................



تلك العملات توقف أمامها المهندس المصرى مجدى حنفى الذى تحول من مجرد هاو لجمع العملات إلى محترف ثم انفرد بإعداد أول موسوعة فاخرة من نوعها فى مصر والعالم ،فى 500 صفحة باللغتين العربية والإنجليزية، جمع فيها آلاف العملات المعدنية التى سكت فيما يزيد على  200 سنة،واستغرق فى إعدادها 11 عاما بالتمام والكمال .. 



ولم يكتف الرجل فى موسوعته بعرض للعملات لكنه أرخ لحياة مصر ولحالة كل عملة معدنية، بدءا من الظروف التاريخية لإصدار تلك العملة والحاكم الصادرة فى عهده وطرق جمع العملات ودور سكّها والهيكل الوظيفى لتلك الدور،والعملات التذكارية ،وغيرها من المعلومات الشيقة .. فى رحلة ممتعة عبر الأزمان السحيقة.. ندعوكم لزيارتها فى السطور المقبلة  .. 



  فى البداية نطرق مع المهندس مجدى حنفى أحد أهم أبواب الدولة المصرية، وهو العصر الفرعوني، الذى تناوله المؤلف فى المقدمة ، فيشرح لنا الوحدات القيمية التى كان يستعملها المصرى القديم والانظمة التى كان يتداولها فى وضع الاسعار، فـ « الدبن» كان وحدة لتقدير السلع،وهو عبارة عن حلقة معدنية،أما « السنيو»  أو « الشعتى»  ،فهو ثانى وحدة قيمية من الفضة استعملها المصرى القديم للتعبير عن الأسعار وذلك بمقارنتها بقيمة سلعة ما، و» الهن « أو» الهنو»،كان وحدة ذات قيمة ويعادل نحو 48٫0 من اللتر،أما «الخار» فكان مكيالا للحبوب من القمح والشعير،بينما كان « الحقات» مكيالا للحبوب



 



الدنانير والدراهم 



وفى صفحات الزمن نطوى فخامة الموسوعة، وصولا الى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم،فماذا فعل الرسول الكريم مع النقود، هل استخدم عملة خاصة بالمسلمين،؟ 



الإجابة لا ،فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر النقود التى كانت متداولة قبل الاسلام، وهى الدنانير والدراهم ، وكانت دنانير الروم ( البيزنطيين) من الذهب ويطلق عليها « العين» ودراهم الفرس ( الساسانين) من الفضة ويطلق عليها (الورق)



واستمر حال النقود كما هو ،حتى تولى الخليفة الثانى عمر بن الخطاب الحكم ،وبعدها فتحت مصر على يد القائد الاسلامى عمرو بن العاص ،واستمرت الدنانير البيزنطية والدراهم الساسانية ،لكن  عمر بن الخطاب أضاف بالخط العربى عبارات ( بِسْم الله) و( جيد) على بعض المسكوكات الفضية بداية من سنة 18 هجرية ،ويعتبر هو أول من ادخل عبارات عربية على المسكوكات الساسانية



وفى عهد الخليفة عثمان بن عفان ازدادت العبارات العربية على العملات ،ومنها» بِسْم الله - ربي» و» بِسْم الله- الملك»و» لله»و» بركة».،بينما استمر الخليفة الرابع على بن أبى طالب - كرم الله وجهه- فى ضرب العملات الفضية على الطراز الساسانى بنفس العبارات السابقة، وأضاف اليها عبارة جديدة هى « ولى الله». 



وفى عام 705 ميلادية قام عبد الملك بن مروان بتعريب النقود وسكّها فى دار السك بدمشق ودار سك الفسطاط بمصر،وأصبحت النقود المصرية تعتمد على الدينار وأجزائه والدرهم وأجزائه والفلس ونصف الفلس وذلك مع تعاقب واختلاف الشكل الرسمى للدولة وحكامها مرورا بالعصر العباسي والفاطمى والأيوبي والمماليك البحرية والمماليك الجراكس ،ولم يتغير أساس النقد الرسمى فى مصر إلا مع العهد العثماني



 



  عملات متعددة الجنسيات 



 يفاجئنا الابحار فى الموسوعة بعملات أخرى غريبة ،نتوقف امام معانيها وجنسياتها ..فمثلا « زلوطة» نقد تركى قديم ضرب أو تم سكه من الفضة فى عهد السلطان سليمان الثانى على نمط العملة البولندية المسماة» زلوطة» ،واستخدم هذا النوع فى مصر وأطلق عليه المصريون اسم « صلدى». 



أما « زر محبوب « فهو نقد مصرى من الذهب يختلف باختلاف الزمان والمكان ،وكلمة «زر» مؤخذة من الفارسية بمعنى ذهب ،وكلمة « محبوب» من العربية بمعنى « عزيز» ،فبعد استيلاء سليم الاول على مصر عام ( 923 هجرية- 1517 ميلادية) ضرب نقودا ذهبية اطلق عليها اسم زر محبوب وكانت تساوى 37٫5 صاغ من الفضة ،ثم اطلق عليها اسم « محبوب سليمى» نسبة الى السلطان سليم، وهكذا تغير اسمها مع كل سلطان ، وكان يسجل فى الوثائق باسم « دينار ذهب زر محبوب» ،لانه حل محل الدينار فى مصر بعد الحقبة العثمانية



  > و«الصّاغ»، أصله تركى،ومعناه « سليم» فكان يطلق على القرش السليم غير المنقوص اسم « قرش صاغ» ،اما الفرنك فهو عملة فرنسية ويساوى أربعة قروش مصرية ،فأطلق العامة على العملة فئة ( قرشان) اسم « نص فرنك»، وكذا « المليم» فهو مشتق من الكلمة الفرنسية « Millieme» ،بمعنى ( جزء من ألف ) ،وكان الجنيه المصرى يحتوى على ألف مليم ،وأول مليم مصرى تم سكه كان فى عهد السلطان حسين كامل ،سنة ( 1335هجرية-1917ميلادية) ، بينما» الشلن» عملة انجليزية،فالريال المصرى كان (20 قرشا) و يساوى ( 4 شلنات) انجليزى ،أى ان كل 5 قروش مصرى تساوى « شلن» انجليزى،فأطلق العامة على العملة فئة 5 قروش اسم « شلن» وأحيانا يقال « شلم» فى بعض المحافظات



 > «الباريزة» ،وهى عملة مصرية فئة 10 قروش صدرت سنة 1280 هجرية- 1863 فى باريس ،فأطلق عليها العامة اسم ( باريسة) او ( باريزة) ،ومن اسبانيا جاء إلينا « الريال» ،و « Real» معناها ملكى،واطلق الريال على العملة فئة ( 20 قرشا)،بينما «السحتوت» الذى ما زلنا نضرب به المثل ،فهو نقد فلسطينى وأردني وسوري قديم، وقليل القيمة وأطلق على فئة عشر القرش ، والخردة، التى تدل فى العرف المصرى حتى الان على الأدوات المعدنية القديمة قليلة الثمن، فهى كلمة فارسية ،واستخدمها المصريون والاتراك



> « مصارى» التى ترمز للنقود المصرية حتى الان فى الدول العربية فتعود الى كلمة « مصرية» التى أطلقها العرب على العملة المصرية ( البارة) ، التى كانت تأتى اليهم من مصر اثناء التجارة ثم أطلق على النقود عامة اسم « مصارى» . 



ومعانى العملات التى يتطرق اليها محترف جمع العملات المهندس مجدى حنفى ، عديدة ،والغوص فى بحارها يستغرق ساعات وساعات، فيتحدث عن عملات مصرية قديمة مثل الخروبة والظريفة والاسبر ومانجر والخيرية والسعدية وأشرفى ألتين ونبشلك و أوزلك، وغيرها، ويلاحظ ان هذه العملات وردت الى مصر مع كل الغزاة، ليضيف كل حاكم لمساته عليها ، إلى أن نأتى الى الجنيه !! 



وله معانٍ عديدة، فيعود الى اقدم جنيه فى العالم وهو الجنيه الانجليزى ،فكانت إنجلترا تستورد الذهب من « غينيا» لصناعة عملتها الذهبية ،فأطلق على هذه العملة اسم ( غينى) نسبة الى غينيا والعرب ينطقونها ( جنيه) ،ويقال ايضا ان الاسم يعود الى ان الجنيه الذهب، له بريق يذهب ويجن العقل ،فسمى « جنيه»، وأول سكة للجنيه كانت فى عهد محمد على باشا، ويقدر بـ 100 قرش.  



ونمضى فى رحلتنا مع العملات المعدنية منذ عهد محمد على باشا وحتى عصرنا الحالى،لنتعرف على أماكن سك العملة والتطور التقنى لآلات سكها،والتسلسل الوظيفى للعاملين فى دار السك، لنصل إلى «سُرَّة « النقود التى كنّا نراها فى الأفلام القديمة، وهى الكيس أو الجراب الذى كانت توضع فيه الدنانير والدراهم،وله قيمة متعارف عليها بين الناس، وأثناء الحملة الفرنسية كان يقدر بـ 25 ألف نصف فضة ،أى ما يعادل 625 قرشا ،وفى حكم محمد على قدر الكيس بـ 20 ألف نصف فضة ،أى 500 قرش



ونكتشف فى رحلتنا أنواعا من الكعك اللذيذ جدا، لأنه ارتبط بالنقود والمناسبات السعيدة فى العصر الفاطمي، فكان الكعك محشوا بدنانير من الذهب، توزع على أصحاب الجاه وحملة السيف والكتبة وغيرهم من علية القوم ،وكان يختم على الكعكة بعبارة « كل واشكر مولاك». 



 



أبو الهول و النسر والقلعة  



وبأسلوب ممتع يأخذك المؤلف الى عملات السلطان سليم الثالث ومصطفى الرابع وحسين كامل، وغيرهم حتى يصل إلى الملك فؤاد الاول والملك فاروق الاول،مستعرضا تاريخهم وما طرأ على العملة النقدية أثناء توليهم الحكم، والمراسيم والقوانين التى صدرت تنظم شكل وقيمة العملة المتداولة



ثم يتطرق الكاتب الى إصدارات مصر ، من عام 1954 الى 1958 ، وكان منقوشا على تلك العملات « ابو الهول» ،ثم نقش عليها « النسر» بعد الوحدة مع سوريا،ثم توالت الوجوه المختلفة تحاكى تاريخ مصر الفرعوني والاسلامى ، فتارة تنقش عليها « الأهرامات» وتارة أخرى « القلعة» ومرة ثالثة وجه توت عنخ آمون ، وفى كل الأحوال يستعرض المؤلف بالصور الملونة وزن وتفاصيل وتاريخ كل عملة ومكان سكّها



   وتقودنا الموسوعة إلى ذاكرة الأمة ،أى العملات التذكارية،التى  سجلت أحداثا ومناسبات مصرية وعربية وعالمية مهمة ،مثل نصر أكتوبر العظيم وتحرير سيناء وذكرى الهجرة النبوية الشريفة والاحتفال بكأس العالم وزواج الملك فاروق،وخلدت العملات بعض الزعماء والمبدعين ،فقد اصدر الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرارا بصك عملة تحمل صورة صديقه الراحل جمال عبد الناصر تخليدا لذكراه ، كما حملت العملات ايضا صورا لكوكب الشرق ام كلثوم والعندليب عبد الحليم  حافظ واديب نوبل نجيب محفوظ والشيخ المجدد محمد متولى الشعراوى ، وغيرهم



وصدرت أيضا عملات غير متداولة لمناسبات معينة ،مثل الذكرى الخمسين للشاعرين احمد شوقى وحافظ إبراهيم والعيد الذهبى لشركة بيع المصنوعات ،و800عام على وفاة صلاح الدين الايوبى،وافتتاح دار الأوبرا ،والعيد المئوى لحدائق الحيوان بالجيزة، ومرور 125 عاما على ميلاد طلعت حرب، والعيد الفضى لإعلان اول محمية طبيعية ( رأس محمد)،وغيرها من آلاف العملات



 



نظيف ومبارك وسوزان  



  ونصل فى رحلتنا إلى التاريخ المعاصر، إلى 26 سبتمبر 2010 ،حيث أصدر الدكتور احمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق  قرارا بإصدار عملات ذهبية وفضية فئة العشرة والخمسة جنيهات والجنيه الواحد،بمناسبة الاحتفال بمرور 20 عاما على فعاليات « القراءة للجميع»،وكتب على العملة « القراءة للجميع ،برعاية السيدة سوزان مبارك» مع صورتها،وتم سك هذه العملات الذهبية والفضية ،وطرحت الفضية منها فقط  للبيع للجمهور ،وقبل طرح الذهبية بدأت أحداث 25 يناير 2011 ،وفى سنة 2013 تم بيع كمية قليلة جدا من هذه العملات الذهبية فى مزاد علنى ،والكمية الأكبر تم صهرها،اما الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فحملت عملة تذكارية هو الاخر صورته عام 2003 ،بمناسبة مرور 50 عاما على اصدار جريدة الجمهورية



والموسوعة لا تكتفى بعرض صور لآلاف العملات، بل توضح له أيضا اخطاء سك العملة والعوامل التى تساعد على تزييفها،بل تقدم نصائح عديدة لهواة جمع العملات المعدنية ،كما تشمل جزءا مهما عن « الأوائل» فى تاريخ العملات، فأول سيدة تتولى حكم مصر فى العصر الاسلامى وتضرب النقود باسمها كانت شجرة الدر، وأول خادم يظهر اسمه على النقود هو «ياسر» خادم السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد، والاوائل كثيرون فى الموسوعة التى عادت بنا إلى ما يقرب من 230 عاما من عمر المحروسة.