أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
فرنسا والغرب.. دروس جمعة الحزن والعجز
16 نوفمبر 2015
د. حسن أبو طالب


فى كلمة الرئيس السيسى أثناء زيارته الخاطفة لمطار شرم الشيخ قال عبارة ذات دلالة ، «أنوار شرم الشيخ لن تنطفئ»، العبارة على إيجازها الشديد تعنى أن إرادة الحياة لدى المصريين سوف تتغلب على كل هجمات الشر والحقد سواء جاءت من مصريين باعوا أنفسهم للشيطان وانخرطوا مع تنظيمات إرهابية، أم قوى خارجية تفعل كل شئ من أجل الزج بمصر فى أتون حرب أهلية، أعاذنا الله سبحانه وتعالى منها ومن شرورها. فى المقابل من هذه العبارة البليغةاتخذت الحكومة الفرنسية عدة قرارات شملت فرض الطوارئ ومنع تحركات الفرنسيين وإغلاق الحدود وتعليق العمل باتفاقية شينجن لغير الأوروبيين وإغلاق الأماكن السياحية الشهيرة وأبرزها برج إيفل وإطفاء أنوارها. دلالة هذه الاجراءات أن عاصمة النور لم تضئ، لقد أصيبت فى مقتل تسبب فى وقف الحياة بالمعنى الحقيقى للكلمة وليس فقط بالمعنى المجازي.


هكذا لقد حقق الإرهابيون هدفهم الأول وهو إثارة الذعر وكشف مستوى الاجراءات الأمنية ووجود العديد من الثغرات فيها مهما تكن مشددة. هذه الاجراءات بالطبع جسدت هول الفرنسيين حاكمين ومحكومين من صدمة العمل الإرهابى الخسيس الذى ضرب متزامنا عدة أماكن منتقاة بعناية حسب بيان تنظيم داعش الارهابى، وخلف وراءه أكثر من 130 قتيلا و350 جريحا. ومع ذلك يظل المعنى أن هناك من غَلّب إرادة الحياة، وهناك من غلبته إرادة التقوقع على الذات مدفوعا بخوف غريزى مفهوم دوافعه وأسبابه.



وبالطبع يمكن أن يقال إن هذه الاجراءات التى أوقفت الحياة وأطفأت الأنوار مبررة بفعل أن التهديد غير مسبوق وأنها إجراءات احترازية حتى يمكن البحث عن الفاعلين والداعمين من الداخل لهذا الفعل الإرهابى الخسيس واعتقالهم ومنع أية أعمال إرهابية أخري. وبمنطق حماية المواطنين وحقهم فى الحياة، ومع وجود تهديد محتمل فمن المقبول اتخاذ مثل هذه الاجراءات التى رآها الغرب الأوروبى ضرورية، بل أكثر من ضرورية، وتفاعل معها وطلب التعاون فى تطبيقها. ولم يشر أحد هنا خاصة فى الغرب إلى حقوق الإنسان وكيف أن هذه الاجراءات ذات طابع عدائى بحكم طبيعتها وربما ينتج عنها، وهو أمر محتمل بقوة، بعض التجاوزات الشديدة ضد مواطنين عاديين لا علاقة لهم بالفعل الإرهابي، وسيثبت ولو بعد حين براءتهم التامة، وبالقطع لن يدافع أحد عن هؤلاء وسيتم التعتيم على حقوقهم.وكذلك لم يخرج علينا زعيم غربى خاصة من بريطانيا أو أمريكا ليقدم عظته الميمونة فى مجال مواجهة الارهاب ولم يقل أحد منهم أن أجهزة استخباراته كانت لديها علم بالتهديدات وأنها سجلت كذا وكذا للارهابيين وأن فرنسا تستحق ما حدث بفعل تقصير أجهزتها الامنية، ولم يسارع أحد فى إجلاء مواطنيه من العاصمة باريس. الكل صمت وتضامن ولم يشمت كما فعلوا معنا رغم الفارق فى طبيعة الحدث. ولنا أن نتخيل لو أن مصر وهى التى تواجه إرهابا عاتيا منذ عدة سنوات وكانت له ضرباته الموجعة فى أكثر من موقع ومكان، فى العاصمة وفى مدن كبيرة جنبا إلى جنب شمال سيناء، قد قامت باتخاذ 10% فقط من هذه الإجراءات، فكيف ستكون ردود الأفعال الدولية خاصة الغربية؟ وبدون مبالغة كانت قامت القيامة ضد مصر قيادة وشعبا، وعندها سوف يغلق الجميع أذانهم ولن يسمعوا المبررات والأسباب، كان الجميع سيغمض عينه ولن يرى إلا أوهامه حول قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، وبدلا من الوقوف مع مصر وشعبها للدفاع عن نمط حياتها وقيمها وعن استقرارها وأمنها، سيجتمع الكل فى الغرب ومعهم التابعون لهم فى الداخل على الإدانة والرفض.بالقطع ازدواجية المعايير التى يتبعها الغرب ضدنا لن تثنينا عن إدانة الإرهاب وعن الوقوف ضده سواء حدث هنا فى بلدنا أو فى أى بلد آخر، ولن توقفنا عن الجهر بأن الغرب هو الصانع الأول للظاهرة الارهابية وأن عليه أن يعترف بأنه مخطئ فى حق نفسه قبل أن يكون مخطئا فى حقنا نحن المستهدفين، وبعد الاعتراف بالخطأ عليه أن يعيد النظر تماما فى سياسته واستراتيجيته الشمطاء التى ترى بعين واحدة وتسمع بنصف أذن. لقد نمت وترعرعت الظاهرة الإرهابية فى أحضان الغرب، على أيدى أجهزة استخباراته التى ثبت أنها غبية بالمعنى التاريخى وقاصرة فى استيعاب القدرات الذاتية للفعل الإرهابى على التطور، ومتصورا أنه قادر على السيطرة الكاملة عليها دون أن ترتد إليه بعض من آثارها البغيضة. ومتصورا أيضا أن الإرهاب سيظل محصورا فى منطقتنا وحسب وأنه سيظل فى مأمن منها باعتبار أنه الراعى الأول لها والذى يقدم لقادتها الملاذ الآمن بدعوى الالتزام بالحريات، ومتوهما أن الإرهابيين سوف يقدرون مثل هذا التعاون والاحتضان لقادتهم ورموزهم ومؤسساتهم الاعلامية والتحريضية التى تعمل فى الغرب ذاته ولن يقوموا بالهجوم عليه أبدا. لم يدرك الغرب أن العولمة ليست أبدا فى اتجاه واحد من الغرب الأعلى إلى الشرق والجنوب الأدني، بل هى فى كل الاتجاهات، وأن الأدنى يمكنه أيضا أن يصدر للغرب بعضا من بضاعته.



تلاعب الغرب بالإرهاب ليرهبنا، ولم يستمع أبدا إلى نصائح زعمائنا طوال العقدين الماضيين بضرورة التخلى عن هكذا سياسة مزدوجة ولابد من مواجهة عالمية فعالة. لم يدرك الغرب أن الظاهرة الإرهابية متلونة وأنها قادرة على توجيه الضربات لرعاتها الكبار، ولم يدرك أن الإرهاب لم يعد محلى الطابع، بل عالمى وعابر للحدود وقادر على التطور الذاتى وابتداع أساليب خبيثة مثل الذئاب المنفردة والخلايا الشبحية والتوظيف الذكى لقدرات شبكة الانترنت من أجل الانتشار والدعاية وتجنيد الاتباع بمن فيهم هؤلاء الذين نموا وترعرعوا فى ظل الثقافة الغربية نفسها.



الآن لا بديل عن استراتيجية عالمية جديدة، لمواجهة التنظيمات الإرهابية لاسيما التى تتحدى بصلافة شديدة المنظومة العالمية وأبرزها داعش والقاعدة واتباعهما. على الجميع أن يتعلم من خبرات الآخر ويستفيد منها، ولا بديل عن تعاون حقيقى وجاد بين كل الدول كبيرها وصغيرها فى مجال تبادل المعلومات الخاصة بهذه التنظيمات بكل شفافية ونزاهة، ويصاحبه تعاون عملى فى المواجهة وإغلاق كل »الدكاكين الإرهابية« المعلومة جيدا والتى تعيث فسادا من عواصم أوروبية شهيرة. ودون ذلك ستهدأ العاصفة قليلا وبعدها تبدأ عاصفة أكثر قوة وضراوة.