المقاتل العربى سارق أحذية وضعيف الكفاءة ولا يحترم الخصوصية ويستخدم شاحن التليفون دون استئذان...هذه بعض شكاوى مقاتل بريطانى فى صفوف داعش، متحدثا عن ضيقه من المقاتلين السوريين خصوصا، والعرب عموما فى ساحة المعركة السورية.
داعش تحت الضغط العسكرى وخسرت بعض مواقعها فى سوريا والعراق هذا العام وتعانى احتقانات داخلية، وخلافات متزايدة بينها وبين الكثير من المقاتلين العرب والسوريين الذين انضموا اليها على مدار الأعوام الماضية بعضها يعود لخلافات أيديولوجية وسياسية حقيقة وجوهرية، وبعضها يعود لاختصام حول تقسيم الغنائم أو توزيع الموارد أو التباين فى الرواتب.
فسياسيا وأيديولوجيا تسير داعش ومقاتليها فى مسار مناقض للمقاتلين السوريين والعرب الذين ينخرطون فى صفوف تنظيمات مثل "أحرار الشام" و"لواء الحق" و"جيش الشام". فالمقاتلون الأجانب وأغلبهم من الشيشان والقوقاز وأوروبا، أعلنوا أنهم لا يعتزمون العودة إلى أوطانهم الأم ويريدون الأستقرار فى سوريا أو العراق فى اطار دولة الخلافة حيث من المتوقع أن يشغلوا أفضل المواقع، تماما كما يحتلون اليوم غالبية المناصب المهمة فى داعش. على النقيض من هذا يريد المقاتلون العرب والسوريون مغادرة المقاتلين الأجانب سوريا بمجرد إنتهاء الحرب، كما لا يتحمس غالبية المقاتلين السوريين لفكرة تذويب الدولة السورية فى إطار دولة الخلافة. وهذه الخلافات الإيديولوجية والسياسية يؤجهها الصراع على الغنائم والتمويل الذى يتناقص بإضطراد.
وكانت الاحتقانات بين المقاتلين العرب والأجانب فى سوريا قد بلورها المقاتل البريطانى من أصول أسيوية عمر حسين أو أبو سعيد البريطاني، وهو واحد من نحو 700 بريطانى أنضموا إلى صفوف داعش، عندما كتب أبو سعيد البريطانى على حسابه فى "توتير" أن المقاتلين السوريين "أطفال"، ويسرقون الأحذية، ويستخدمون شاحن تليفون الآخرين بدون إستئذان، وكسالى وفوضويين. ويقول أبو سعيد البريطانى موضحا:"فى الغرب عندما تدخل غرفة بحذاء تخرج منها بنفس الحذاء. لكن هذا لا يحدث فى سوريا. فأخواننا السوريون لديهم فلسفة غريبة جدا، فهم يؤمنون أنه يمكن لأى فرد أن يأخذ حذاء أى فرد أخر بغض النظر عن مقاس القدم". ويعدد أبو سعيد البريطاني، البالغ من العمر 27 عاما، باقى الصفات التى وجدها مزعجة لدى العرب والسوريين، ومنها أنهم لا يحترمون خصوصية الآخرين، وسلوكهم طفولي، وسريعو الغضب، خاصة إذا ما تم تنبيههم إلى أخطائهم، موضحا:"سمة مشتركة بين أشقائنا العرب هى أنهم يشعرون بالإهانة لو لفت نظرهم إلى أخطاء ارتكبوها، إذ يغضبون، وعندما يغضبون تنتهى قدرتهم على الحكم النزيه وينزعجون بسرعة عندما تقول لهم الحقيقة المريرة".
كما يقول أبو سعيد البريطاني، الذى كان حارس أمن فى سوبر ماركت فى بريطانيا قبل مغادرته إلى سوريا، إن السوريين والعرب لا يجيدون قيادة السيارات، ولا يتمتعون بأداب تناول الطعام، وأن الفرق بين المقاتل الغربى والسورى "هو الفرق بين الأرض والسماء". ويأخذ عليهم أنهم يقولون الكثير من الكلام الفارغ، ويتابع:"فى سلوك العرب والسوريين وتعاملاتهم مع اللآخرين صبيانية، وليس من النادر أن تجد رجلا سوريا يتصرف كطفل،... فى بعض الأحيان تجد صعوبة فى إقامة حوار متحضر مع رجل سوري". كما ينتقد معاملة السوريين والعرب للحيوانات بطريقة سيئة "إذ يطاردون قطة جائعة أو يقتلون كلبا متشردا برصاصة". ويصفهم بأنهم متسولون، ويتحدث عن سوريين قابلهم فى مطارات يحملون تذاكر سفر إلى أوروبا يتسولون من المارة.
ثم وبعد أن يتحدث عن كسل العرب وعدم فهمهم لوظائهم ومهامهم وعدم احترامهم لفكرة الوقوف فى الطابور، وتحديقهم فى الأجانب طوال الوقت، يقول:"نحن فى الغرب أفضل بشكل طبيعى فى الإدارة لأن حياتنا كلها تستند إلى هيكل منظم، الكثير من الأخطاء تحدث عندما تعطى عربى المسئولية. حتى هم يعترفون أن الكفار (فى إشارة إلى الغرب) يعمل أفضل وأسرع فى الناحية الإدارية".
ويخلص أبو سعيد البريطانى إلى أن عادات العرب والسوريين عموما بـ"مزعجة". ويقول:"العرب عموما لديهم ثقافة متفردة تختلف بشكل هائل عن أسلوب الحياة الغربي. إذ لم يكن الفرد مدركا لهذه الخلافات الثقافية فإنها ستبدو له غريبة جدا، ومثيرة للضيق وأحيانا مصدرا للضغط عند التعامل معهم". ويقول أبو سعيد البريطانى إنه لا يستهدف السخرية من الثقافة السورية، لكنه يخلص بدعوة الأوروبيين الذين يريدون الأنضمام إلى داعش بالأنضمام إلى "الكتائب الأوروبية" فى التنظيم. ثم ينصح المقاتلين الأجانب فى سوريا بالتالى "أن تبتهل إلى الله أن يأتى بآخرين محل العرب يفهمون ماذا يفعلون. وثانيا أن تصرخ فيهم بصوت عال وانت تطلب منهم ما تحتاجه".
ويقول تشارلى وينتر الباحث فى "مؤسسة كويليام" لمكافحة التطرف فى بريطانيا إن تدوينات أبو سعيد البريطانى تظهر حجم الخلاف بين المقاتلين الأجانب على الأراضى السورية والمقاتلين السوريين والعرب، موضحا:"المقاتلون الأجانب فى سوريا يتمتعون بنمط حياة مغاير للسوريين. إنهم يحصلون على مساكن أفضل وطعام أفضل وتمويلهم أحسن وهذا شئ يذكر على الدوام من باقى المقاتلين. لكن هذه المعاملة التمييزية تختلف عن الخط الرسمى لداعش الذى يشدد على المساواة بين جميع المنتمين لها".
اليوم يوجد فى سوريا أكثر 23 ألف مقاتل أجنبى من أسيا وأفريقيا وأوروبا ومناطق أخرى. غالبية هؤلاء المقاتلين الأجانب من أسيا (نحو 11 ألف مقاتل)، وأفريقيا (نحو 7 آلاف) وأوروبا (نحو 5 آلاف مقاتل). غالبية هؤلاء يفضلون الأنضمام لداعش فيما تأتى جبهة النصرة فى المرتبة الثانية. والأقلية منهم تفضل الأنضمام لجماعات محلية سورية، وهذا أحد أسباب التوتر والاحتقان بين المقاتلين السوريين والأجانب. فالمقاتلون السوريون يفضلون الإنضمام لجماعات محلية أو أغلب كوادرها محلية مثل "أحرار الشام"، فيما تتكون داعش فى أغلبها من مقاتلين أجانب وقياداتها أجمالا من المقاتلين الأجانب وليس السوريين.
وإضافة إلى الخلافات السياسية والإيديولوجية ومن بينها الخلاف على فكرة الدولة الإسلامية وهو ما يرفضه المقاتلون السوريون، وسيادة الدولة السورية وحماية حدودها كدولة قومية وهو المفهوم الذى يرفضه مقاتلو الدولة الإسلامية، هناك عوامل ثقافية لعبت أيضا دورا فى الخلافات والعداء المتزايد.
ويقول ناشط سورى شارك فى الاحتجاجات فى بدايتها قبل أن يلجأ إلى بريطانيا عندما تم "عسكرتها"، إن الاحتقانات والخلافات بين المقاتلين الأجانب فى داعش والمقاتلين السوريين والعرب لا تعود فقط إلى التطورات الميدانية على الأرض منذ بدأت الحملة الجوية الروسية ضد داعش فى سوريا. ويوضح لـ"الأهرام": "فى البداية عندما بدأت تأتى الأمواج الأولى من المقاتلين الأجانب كان الشعور الغالب على المعارضين السوريين هو الشعور بالأمتنان بسبب التضامن معهم، لكن تدريجيا ساءت العلاقات حتى باتت عدائية وذلك لعدة أسباب على رأسها أن المقاتلين الأجانب لا يعرفون أى شئ عن سوريا ولا عن شعبها ويقاتلون من أجل تحقيق هدف فى رءوسهم لا يشاركهم فيه الغالبية العظمى من السوريين"، مشيرا بذلك إلى إقامة خلافة إسلامية وإنهاء سوريا كدولة قومية وتحويلها إلى ولاية ضمن الخلافة الإسلامية المزعومة التى أعلنتها داعش فى سوريا والعراق.
إلى جانب هذا يتحدث الناشط السوري، الذى لا يريد كشف هويته، عن الأحكام العلنية التى طبقتها داعش والطريقة التى تدير بها المناطق التى سيطرت عليها، حيث تطبق أحكاما بربرية لم يألفها الشعب السوري، وتتعامل بكثير من التعالى مع السكان المحليين الذين اضطروا للبقاء لأنهم فقراء لا يستطيعون السفر إلى أوروبا.
ويحكى كيف أن الكثير من السوريين طردوا من بيوتهم فى المناطق التى إستولت عليها داعش كى يقيم فيها قادة التنظيم ومقاتليه، موضحا:"عندما كانوا يجدون بيوته فى حالة ميسورة وكبيرة المساحة يتوجهون إليها ويقولون للسكان: نحن ندافع عنكم من بشار الأسد وأحق منكم بالأقامة هنا، لكننا نطمئنكم أنها أقامة مؤقتة وفور إنتهاء الحرب ستعودون إلى بيوتكم".
وكما أن هناك مخاوف من التصورات العنصرية والصور الذهنية السلبية التى يحملها مقاتلو داعش ضد السوريين والعرب والتى أدت إلى مقتل عدد كبير من السوريين بسبب هذا، هناك قلق متزايد أيضا من صعود للمشاعر والسلوكيات العنصرية المتبادلة بين الأكراد والعرب فى كل من سوريا والعراق.
فالكثير من السوريين تحدثوا عن منع مليشيات كردية لعشرات الآلاف من السوريين العرب من العودة إلى مناطقهم بعد طرد داعش منها، على أساس أن "العرب جبناء وفروا من القتال ضد داعش وأن هذه المناطق حررها الأكراد بدمائهم وباتت بالتالى جزء من الدولة الكردية المستقبلية". هذه الأتهامات ترددت فى محافظة الحسكة السورية على الحدود مع العراق وفى المناطق الشمالية. وينفى الأكراد هذه الأتهامات ويقولون إنها تستهدف "شرعنة" بقاء داعش فى المنطقة.
نفس هذه الأتهامات ترددت ضد أكراد عراقيين منعوا العراقيين العرب من العودة إلى مناطقهم بعد تحريرها من داعش. وفى تقرير اصدرته منظمة "هيومن رايتس وواتش" أخيرا حذرت فيه حكومة إقليم كردستان من "فرض عقاب جماعى على مجموعات عربية بكاملها"، بعدما منعت قوات البيشمركة الكردية بعض العرب الذين نزحوا جراء أعمال العنف، من العودة إلى مناطقهم المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة المركزية فى بغداد. وحسب تقرير "هيومن رايتش وواتش" فإن "القوات الكردية تمنع منذ أشهر السكان العرب الذين نزحوا إثر الهجوم الذى شنه داعش فى يونيو من العودة إلى منازلهم فى تلك المناطق". وقالت المنظمة إنها وثقت "أعمالا تنطوى على ما يبدو أنه تمييز عنصري"، فى محافظتى نينوى وأربيل، عاصمة إقليم كردستان. طبعا يمكن تفسير الأحتقان العربى -الكردى هذا فى اطار الصراع على الأراضى والنفوذ بين الجماعات العرقية المختلفة فى سوريا والعراق، لكن هذا الصراع يتم تغليفه أيضا بلغة عنصرية من قبيل أن "العرب دخلاء على المناطق الكردية. وأنهم تم وضعهم لتغييرها ديمجرافيا منذ زمن صدام حسين"، و"العرب لم يحاربوا داعش لا فى سوريا أو العراق"، و"الأكراد هم من ملأوا الفراغ الأمنى بعد فرار الجيشين السورى والعراقى أمام داعش"، و"العرب يمكن أن يتحملوا الحياة مع داعش، لكنهم لا يمكن أن يتحملوا فكرة الدولة الكردية" وهى التعبيرات الأكثر أستخداما بين الأكراد فى وسائل التواصل الإجتماعي. بالمقابل يردد العرب فى سوريا والعراق اتهامات للأكراد أنهم "يتحالفون مع الشيطان مع أجل دولة كردية"، و"الأكراد لم يحاربوا داعش من أجل حرية سوريا بل من أجل مصالحهم القومية فقط"، و"الأكراد طابور خامس مع داعش لتفكيك الدولة القومية العربية فى سوريا والعراق"، وهى أكثر الأتهامات شيوعا ضد الأكراد فى مواقع المعارضة السورية.
فى وسط كل تعقيدات الوضع فى سوريا والعراق لا يبدو أن تنامى العنصرية والصور الذهنية السلبية بين التكوينات السكانية فى "موزايك" سوريا والعراق سيأخذ الكثير من الأهتمام أو التركيز، فالأهتمام كله منصب على داعش وباقى التنظيمات الجهادية السلفية التى تمزق البلدين، لكن فى النهاية هذه العنصرية والكراهية المتزايدة والمتبادلة بين الكتل السكانية المختلفة عرقيا أو دينيا يمكن إذا تنامت، وهناك قوى تعمل على نموها، أن تكون المسمار الحقيقى فى نعش التعايش بين السكان فى سوريا والعراق بعد القضاء على داعش.