أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
أدباؤنا فى السينما المصرية..وسينمائيونا الأدباء
3 نوفمبر 2015
كتبت:هناء نجيب

بدأت العلاقة بين السينما المصرية و الأدب منذ زمن بعيد تعود الى عام 1930 عندما قدم المخرج محمد كريم فيلما صامتا بعنوان «زينب» وهو مأخوذ من رواية الفلاح المصرى للدكتور محمد حسين هيكل ثم أعيد الفيلم مرة اخرى ناطقا لنفس الرواية عام 1952بدءاً من هذا التاريخ اصبحت الرواية الادبية مادة خصبة للسينما المصرية.


ومن ابرز الكتاب الذين تحولت رواياتهم الى افلام سينمائية الأديب الكبير نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس اللذان كان لهما النصيب الأكبر, الأفلام المأخوذة عن أعمالهما تكاد تفوق الحصر فى هذا الحيز ومن اهمها الثلاثية لمحفوظ، (وفى بيتنا رجل) لعبد القدوس. ومن توفيق الحكيم يوميات نائب فى الأرياف - عصفور من الشرق - الايدى الناعمة... كذلك أخذت السينما العديد من روايات طه حسين منها دعاء الكروان - الحب الضائع.... وأيضا من روايات يوسف إدريس الحرام - النداهة.. ومن يوسف السباعى السقا مات - اذكريني.. ومن يحيى حقى البوسطجى - وقنديل ام هاشم.. ومن إبراهيم أصلان فيلم الكيت كات. وأفلام الباطنية - السلخانة - حارة برجوان من ضمن الافلام المأخوذة من إسماعيل ولى الدين. هذه بعض أمثلة لبعض الكتاب التى استوحت من أعمالهم الشاشة السينمائية الافلام.


وبتأمل هذه الأمثلة يتضح أن السينما عاشت عصرها الذهبى حين أكثرت من استلهام الأعمال الأدبية التى أصبحت من كلاسيكيات السينما المصرية،  ويبقى التساؤل الآن: لماذا لا تعود السينما المصرية إلى تحويل الروايات الأدبية إلى أفلام مرة أخرى سواء من كبار الكتاب أو من الشباب الواعد؟.



وفى نفس الوقت نجد أن كثيرين من المخرجين تحولوا إلى كتاب سيناريو بجانب عملهم الأساسي, بالإضافة إلى بعض الأدباء الذين شاركوا فى السيناريوهات السينمائية.



ويعتبر داوود عبد السيد من المخرجين الذين ينطبق عليهم وصف المخرج المؤلف، فهو من المخرجين الذين لديهم فكر خاص وخيال أدبي، وهو ينتمى للمدرسة غير التقليدية فى السينما المصرية، مثله مثل خيرى بشارة ومحمد خان وعلى بدرخان من أبناء جيله, ورأفت الميهى الذى ينطبق عليه أيضا وصف «الأديب السينمائي», فقد كان يكتب الأفلام التى يخرجها, بل عُرف كاتبا للسيناريو قبل أن يتحول للإخراج, ومن قبلهما كان «توفيق صالح» من المخرجين ذوى الرؤية والقدرة الأدبية, ولا ننسى له فيلم «المتمردون».



بدأ عبد السيد مشواره الفنى كمساعد مخرج مع كبار المخرجين فى مصر منهم يوسف شاهين وكمال الشيخ، ثم ابتعد عن الشاشة الفضية لسنوات طوال قدم خلالها افلاما تسجيلية منها وصية رجل حكيم فى شئون القرية والتعليم (1976) - العمل فى الحقل ( 1979) - عن الناس والأنبياء والفنانين (1980).. ثم عاد مرة أخرى للأفلام الروائية عام 1985مخرجاً مؤلفاً بفيلم الصعاليك من تأليفه وإخراجه, وكذلك أفلامه البحث عن سيد مرزوق 1990 - ارض الخوف (1999) - مواطن ومخبر وحرامى (2001) وآخر أفلامه رسائل البحر (2010).



أما فيلم الكيت كات (1991) فهو مأخوذ من رواية ابراهيم أصلان مالك الحزين وقام عبد السيد بكتابة السيناريو وإخراجه.. نفس الأمر بالنسبة لفيلم سارق الفرح (1994) فهو عن قصة للأديب خيرى شلبى كما اخرج فيلم ارض الأحلام تأليف تهانى فوزى فى (1993).



وكان من الطبيعى والأمر هكذا أن نبدأ برأى داود عبد السيد بخصوص سينما المؤلف المخرج من ناحية والأفلام السينمائية المأخوذة من الروايات الأدبية من الناحية الأخري. صرح عبد السيد للصفحة الأدبية بالأهرام فقال: هناك روايات أدبية كثيرة تحولت لأفلام سينمائية ناجحة حققت إقبالا جماهيريا كبيرا. ولكن من وجهة نظرى الشخصية هذه الأفلام تعبر عن رؤية المخرج وليس الأديب. على سبيل المثال, يوميات نائب فى الأرياف لتوفيق الحكيم من إخراج توفيق صالح عمل سينمائى رائع, إلا أنه يعبر عن رؤية مخرجه توفيق صالح وليس فكر توفيق الحكيم فى روايته الأصلية.. وليس معنى هذا أننى ضد فكرة تحويل الرواية الأدبية الى فيلم سينمائى فقط أوضح أن المخرج الذى يقوم بهذا العمل يأخذ الموضوع ويضيف خبرته إليه. أيضاً نجد أعمالا كثيرة لنجيب محفوظ تحولت الى أفلام سينمائية لاقت إقبالا جماهيريا واسعا خاصة فى الستينات والسبعينات مثل بداية و نهاية - زقاق المدق - القاهرة 30 - الثلاثية (بين القصرين - قصر الشوق ـ السكرية) والكرنك وثرثرة فوق النيل وغيرها، ولكن مؤلفها نجيب محفوظ غير مسئول عنها, لأن عملية التحويل كما سبق أن ذكرت متروكة لخيال المخرج لتجسيدها على الشاشة.



ويضيف داود عبد السيد: إننى أرى أن عملية تحويل القصة الى فيلم سينمائى مثل الشعر تماما, فعندما تترجم قصيدة شعرية من لغة لأخرى فقد قمت بخيانة العمل الأصلى بشكل ما. وبما ان الشعر له عناصر عديدة لإبداعه مثل الموسيقى فبمجرد أنه تحول من لغة إلى أخرى عن طريق الترجمة فقد خنت العمل الأصلى وإن كان ذلك إجباريا.. نفس الأمر بالنسبة للرواية, فهى مجرد مادة للفيلم السينمائى وليست بناء أستطيع ان أحافظ عليه بدقة. وهنا نشبهها بعملية افتراس فالأسد عندما يأكل فريسته الغزالة فإنه لا يرتب طريقة أكلها ومضغها حتى تصل الى معدته، وهذا ما ينطبق تماما على عملية اقتباس القصة الأدبية: فتحويل العمل الأدبى لفيلم يجب أن يتم بحرية شديدة أقرب للافتراس.



وبسؤاله عن تفضيله تأليف الفيلم السينمائى بجانب إخراجه قال: كل ما كُتب عنى باننى أحبذ هذه الفكرة غير صحيح. ولكن سبب رفضى أحيانا لسيناريو فيلم ما يرجع لأنه لعدم إعجابى بالموضوع وقد وجدت من وجهة نظرى أنه غير جذاب. ولكن فى حالة عرض سيناريو جيد لفيلم فلا مانع من إخراجه.



ويؤكد الناقد السينمائى سمير فريد أن هناك علاقة إيجابية بين السينما والأدب، فالأعمال الأدبية غير المكتوبة للسينما مباشرة تفصل بينها وبين الأخرى الأكاديمية الأمريكية للفنون السينمائية بوجود جائزة أوسكار مستقلة لكل منهما.. فان السيناريوهات المأخوذة من أعمال أدبية تكون ترجمة من لغة الأدب الى لغة السينما, وهى مثل الترجمة من لغة الى اخرى مادة جديدة من وحى العمل الأدبى تعادل المادة التى استخدمها الأديب فى عمله وتختلف عنها.



كما أن هناك ظاهرة موازية, هى ما يعرف مخرج السينما المؤلف, و يقوم من خلالها المخرج بكتابة سيناريوهات أفلامه.. وقد انشغل الأديب إحسان عبد القدوس بهذا الأمر, فكان رأيه أن السيناريو مثل المسرحية نص ادبى وفن جديد من فنون الأدب.. فالمخرج المؤلف له عالمه الخاص وأسلوبه الخاص فى التعبير عن هذا العالم, مثل أى أديب, ولكن مع اختلاف الأداة، وقد استخدمت شخصياً تعبير «فنان سينما» فى هذا الخصوص منذ بدأت ممارسة النقد الأدبي.



وترى للناقدة السينمائية ماجدة موريس أن عملية تحويل الرواية الأدبية الى عمل سينمائي, الذى بدأ منذ الخمسينات وصل ذروته فى الثمانينات, حيث أصبح وقتها للأدب المصرى شأن كبير عندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل.. فتحول كثير من الأعمال الأدبية وخاصة لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس إلى أفلام سينمائية وتليفزيونية. وأضاف عمق الروايات الادبية وما تحتويه من تفاصيل تمس المتفرج إلى العمل الدرامي..كما أن تلك الأعمال ساهمت فى تثقيف المتفرج الذى لايميل للقراءة وكذلك المتفرج الأمي.



هناك كتاب سيناريو قدموا أعمالا رائعة سينمائية وتليفزيونة مأخوذة من روايات أدبية، ومن أهم هؤلاء محسن زايد وهناك سينمائيون آخرون كتبوا أو شاركوا فى كتابة كثير من الأفلام السينمائية المأخوذة من الأعمال الأدبية أمثال رأفت الميهى وممدوح الليثى ولتوفيق صالح ايضا مساهمات فى مجال كتابة السيناريو على سبيل المثال فيلم درب المهابيل (الذى كتب قصته السينمائية نجيب محفوظ)، وهناك على الجانب الآخر أدباء كتبوا مباشرة للسينما أبو العلا السلامونى ومحمد المنسى قنديل، حتى نجيب محفوظ شارك فى العديد من سيناريوهات افلام صلاح أبو سيف وسيناريو فيلم الاختيار ليوسف شاهين.. وهناك أفلام عديدة اخرى شارك فى كتابة السيناريو لها أكثر من واحد، وأبرز مثل على هذا الأمر الفيلم الكبير الناصر صلاح الدين، ولكن من المؤسف ان هذا الجيل لم يعد موجوداً. ولكن رغم ذلك يظهر بين الحين والآخر تحويل بعض الروايات الأدبية الى افلام سينمائية حققت أعلى الإيرادات ومن أهمها رواية الفيل الأزرق والذى قام بكتابة السيناريو للسينما احمد مراد مؤلفها.. إلا أن الاهتمام الآن بالإنتاج هزيل فالجمهور يتزايد ولكن المعروض الآن اضعف السينما المصرية.. فمن وجهة نظر أغلب السينمائيين حاليا الابتعاد عن نقل الروايات الادبية رغم وجود الجيد منها من الشباب الصاعد، ولكنهم يرون انه لن يحقق الربح التجارى المطلوب و هذا المفهوم خاطئ.