أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الجياع.. فى ذمة مَنْ؟
1 نوفمبر 2015
تحقيق ــ خالد أحمد المطعنى:

لا شك أن الفقر المدقع وازدياد عدد الجياع في العالم، يهدد الأمن والسلم المجتمعين، وقد كشف تقرير دولي صدر حديثا حول حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم للعام الحالي عن أن نحو795 مليون شخص في العالم يعانون الجوع،


 بعد أن كانوا 167 مليونا منذ عقد من الزمان، مما يتطلب من الجميع وضع برامج وخطط من شأنها الحد من زيادة أعداد الفقراء، حتي لا يكونوا قنبلة موقوتة قابلة للانفجار والاشتعال في أي وقت وأي مكان، خاصة أن هؤلاء الفقراء الجياع يعدون فريسة سهلة للجماعات الإرهابية لتنفيذ مآربهم وأهدافهم الدنيئة.


من جانبهم طالب علماء الدين جميع المنظمات الدولية وهيئات الاغاثة والجمعيات الاهلية بضرورة التنسيق فيما بينها لمواجهة تلك الظاهرة، مؤكدين أن الاسلام سبق كل التشريعات والمواثيق الدولية لمواجهة الفقر، باعتبار ذلك فريضة دينية ومجتمعية، من خلال وسائل متنوعة، بها تتحقق العدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة للجميع.



ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، إن الإسلام قد انتهج منهجا هو مثال ينبغي أن يحتذي في القضاء علي الجوع والفقر, فقد جعل الإسلام حقا للجياع في أموال الفقراء, وهو الزكاة والكفارات, ونحوها, فقال تعالي: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ), وقال سبحانه في وصف المتقين: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ), وبين الحق سبحانه أن من العبادات ما لا خير فيه, إلا أن يكون مقرونا بصدقة أو نحوها, قال تعالي: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس), وروي عن علي قال: «إن الله فرض علي أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم, ولم يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم, ألا وان الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما», وقال صلي الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلي جنبه», فالزكاة التي تشبع الأنفس الجائعة, فرض وركن من أركان الإسلام, لا يسع المسلم إنكارها, أو التغاضي عن أدائها, وكذا ما حض عليه الشرع من صدقة التطوع.



آليات متعددة



وأشار الي أن الزكاة لم تكن فقط هي وسيلة دفع غائلة الجوع عن الجياع من المسلمين أو غيرهم, فإن الكفارات الكثيرة, والتي يعد الإطعام فيها إحدى خصالها, أكثر سبل رد غائلة الجوع عمن يعانون منه, فكفارات: الحنث في اليمين, والظهار, والفطر في رمضان بعذر أو غيره, والفدية الواجبة بارتكاب محظور من محظورات الإحرام بالحج والعمرة, وهدي التمتع والقران, فضلا عن الإطعام في الأضاحي والعقائق, وإفطار الصائمين, وغير هذا وذاك, مما شرعه الإسلام, ينتفي معه القول بوجود جياع في بلاد الإسلام, سواء كان ذلك من مسلم أو غيره, ولذا فلا عجب في زمن خلافة عمر بن عبد العزيز أن عماله في الأمصار شكوا إليه أنهم لا يجدون مكانا يخزنون فيه الطعام من كثرة ما توافر منه زائدا عن الحاجة, فقال لهم: أرسلوا منادياً ينادي في ديار الإسلام, أيها الناس: من كان عاملاً للدولة وليس له بيتٌ يسكنه فليـبن له بيت علي حساب بيت مال المسلمين, ومن كان عاملاً للدولة وليس له مركَبٌ يركبه، فلْيُشْتَرَ له مركب علي حساب بيت مال المسلمين, ومن كان عليه دينٌ لا يستطيع قضاءه، فقضاؤه علي حساب بيت مال المسلمين, ومن كان في سن الزواج ولم يتزوج، فزواجه علي حساب بيت مال المسلمين, فتزوج الشباب الأعزب, وانقضي الدين عن المدينين, وبني بيت لمن لا بيت له, وصرف مركب لمن لا مركب له, و لكن المفاجأة الأكبر أن الشكوي ما زالت مستمرة: بعدم وجود أماكن لتخزين الأموال والخيرات!، فأرسل عمر بن عبد العزيز إلي ولاته: عُودوا ببعض خيرنا علي فقراء اليهود والنصاري حتي يسْتَكْفُوا»، فأُعْطُوا، والشكوي ما زالت قائمة، فقال: وماذا أفعل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، خذوا بعض الحبوب وانثروها علي رءوس الجبال, فتأكل منه الطير وتشبع, حتي لا يقول قائل: جاعت الطيور في بلاد المسلمين.



وأكد أن نظام الوقف في الاسلام تعدي حدود كل دولة, ليطعم الجياع حتي خارج حدود الدولة الإسلامية, وأوقاف المسلمين في العالم خير شاهد علي ذلك, فالإسلام قضي علي الجوع, ولا يوجد في ديار الإسلام من يصدق عليه جائع, وهذا منهج رب العالمين الذي رسمه لعباده, وارتضاه لهم, فأين هذا من مناهج الآخرين التي أفرزت المجاعات والجياع, حتي أكل رعاياهم الميتات والجيف, وهلكوا من شدة ما يعانونه مع الجوع؟!.



الأمن المجتمعي



وفي سياق متصل، يؤكد الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أن الاسلام حرص منذ وضع لبنات دولته الأولي علي تحقيق الامن الاجتماعي والتعايش السلمي بين الجميع، تأكيدا لقول الله تعالي «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، حيث إن من دواعي هذه الرحمة أن يعيش الناس جميعا علي مختلف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ودياناتهم في مستوي لائق من الحياة الكريمة، سواء علي مستوي السكن أو الغذاء أو الكساء أو الدواء، كما حرص الإسلام ايضا علي ألا يكون هناك فقر مدقع في اي مجتمع، وذلك لأن الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم يمثلون تهديدا وخطرا كبيرا علي الأمن، سواء الأمن القومي أو الأمن المجتمعي والدولي، مشيرا الي أن الفقر المدقع قد يؤدي الي الكفر-والعياذ بالله- لذا نجد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم، قد استعاذ من الفقر والكفر في دعائه المشهور«اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر لا اله إلا أنت»، موضحا أن الاسلام جعل من محاربة الفقر فريضة دينية، من خلال آليات متعددة ومتنوعة كلها مشروعة، بغرض تحقيق العدالة الاجتماعي، وتوفير حياة كريمة لجميع أفراد المجتمع.



آثار سلبية



وأشار الي أن من الآثار السيئة للفقر، ما نراه ونسمع عنه كل يوم من غرق وموت عشرات الشباب من الفقراء في عرض البحر، عبر ما يسمونها «الهجرة غير الشرعية»، طلبا وبحثا عن لقمة العيش، كما ان الفقر المدقع قد يؤدي بصاحبه الي الكفر والحسد والحقد والغل والصراع الاجتماعي، والرغبة في الانتقام من الأغنياء الذين يستمتعون بكل شيء، في الوقت الذي يحرم فيه الفقراء من أدني حقوقهم وما يسد جوعتهم، وفي هذا خطر كبير علي كل أفراد المجتمع، لذا شرعت الزكاة والصدقات في الاسلام، وهي فريضة دينية مالية، جعلها الله تعالي من صفات المتقين، وقرنها بالايمان في بداية سورة البقرة، قال تعالي «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»، موضحا ان الفقر المدقع يعد رافدا وسببا رئيسا في انتشار الارهاب والتطرف الذي ينكوي بناره جميع دول العالم.