أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
ضربات روسيا تجهض أحلام أردوغان فى سوريا
17 أكتوبر 2015
أنقرة ـ سيد عبد المجيد

ها هو الفشل نفسه يواصل عناده، ليصبح ملازما لكل سياسات حزب العدالة والتنمية في عموم تركيا، وذلك على الصعد الثلاث: داخليا وإقليميا ودوليا، زاد عليه الملف السوري الدموي، الذي لم يدر بخلد ساكن القصر الجمهوري ومعه رئيس وزرائه. أنه سيصل إلى هذا الوضع المأساوي من التعقيد، والذي ترك بدوره ومازالت غيوما قاتمة غطت فضاء البلاد من أقصاها إلى ادناها، المذهل أنه لا أمل في نجاح حتى ولو كان ضئيلا لا على المدى القريب أو المنظور، وهذا من باب زر الرمد في العيون أو لحفظ ماء الوجه.



والحلفاء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، الذين طالما صرخوا مجتمعين جهارا نهارا أمام شعوبهم واحزابهم وبرلماناتهم ومجالس شيوخهم، لا لبشار الاسد الذي فقد شرعيته، صارت مواقفهم ، ومنذ شهور قليلة، متناقضة مترددة، وتزداد تراجعا اسبوعا بعد آخر، ولتضيف هي الأخرى هموم وهواجس اصبحت تنوء بها كواهل صناع القرار.



وعلى غير توقع أنطلقت الضربات هادرة من تخوم قادمة من وراء ضفه البحر الاسود المقابلة لشمال هضبة الاناضول حيث موطن القياصرة وورثتهم الاقوياء ، لتتوالي دون توقف أو تهدئة أو مراجعة ، غير عابئة بالحناجر الزاعقة الرافضة المنددة، وهي لا تقتصر على الجو فحسب فبارجاتها ــ وهذا إمعانا للحسرة ــ وبحكم إتفاقية مونترو الكندية ، تبحر في الدردنيل ببحر مرمرة لتتجه صوب اللاذقية لتدعم ما باتت تصفه أنقرة بالعدو الدمشقي، وياله من عدو يطارد اهل الحل والعقد في صحوهم قبل منامهم، ينغص عليهم حياتهم ، وهم يرونه رابض في سلطته، أنه لنذير شؤم يزعزع اركان حكمهم.



ويالها من مفارقة ففي احد الفنادق الفاخرة بمدينة إسطنبول ، وتحديدا بشرفته البانورامية في الطابق السابع والثلاثين التي تري بوضوح زرقة البوسفور، بدا سياسي بارز في العدالة الحاكم منتشيا وهو يزف للحضور تأكيده أن الرئيس السوري ليس أمامه سوى ست شهور فقط وهذا على اقصي تقدير، بعدها سيفارق الحكم غير مأسوف عليه . كان هذا في شهر سبتمبر 2011، وبحسبة بسيطة سيكون هناك نظام آخر في الجارة السورية مع نهايات مارس 2012، ولكن النبوءة بدت وكأنها كذبة إبريل فالربيع لم يأت على هذا الجزء العزيز من الشام، بيد أن الموت حل محله بصوره المرعبة، وتمر سنوات والاسد قابعا في مكانه لا يبرحه إلا لصلاة العيدين الفطر والاضحي وتفقد جنوده بحيشه العربي .



ولم تكن أمنية سقوط الاخير هو حلم اليقظة الوحيد الذي لم يتحقق ، فطوال الحرب الطاحنة استمرت الأحلام، ولوقت قريب كان اهل القرار في العاصمة انقرة يحدوهم الامل في مشهد نصر بالافق ، فيه ستعود من جديد وريثة الامبراطورية العثمانية إلى بسط سلطانها ، زعيمة لجموع أهل السنة بالعالم الإسلامي في مرحلة ما بعد سقوط البعث وقائده ، إضافة إلى نيلهم جزء معتبر من كعكة إعمار البلد المنهك والمدمر ، التي يقال إن تكلفتها ستتجاوز الـ 350 مليار دولار ، وليس في الامر منة او حسنة ، إنما هو رد بعض ــ وليس كل ــ الجميل ، وإمتنانا لصبر الاتراك اللامحدود في ايواء واحتضان الآلاف من الاشقاء السوريين .



غير أن كل هذا سرعان ما تبخر مع القصف الجوي الروسي الذي لم يكتف بدك مواقع داخل الاراضي السورية ، بل انتهكت مقاتلاته أجواء تركيا ، في فصل جديد قلب كل الموازين ، والدليل هو ان تلك الطلعات فتحت الأبواب على مصراعيها أمام احتمالات شتى في مقدمتها أنها ارجأت الحسم الذي كانت تريده موسكو نفسها ، وذلك حتى إشعار آخر أو بمعنى أدق إلى أن يسترجع الأسد جزءا من قوته بعد أن كاد يلفظ أنفاسه.



الاهم من هذا هو أن القائمين على سدة السلطة اكتشفوا مدي ضعف نفوذهم ، فهو في الاصل لا يقارن بالنفوذ الايراني ، فما بالهم بالروسي الساعي إلى أن يصبح وعن جدارة قوة إقليمية يحسب لها الغرب وإسرائيل وإيران ألف حساب، وهذا لن يتأتي إلا من خلال تأسيس وتكريس وعلى نحو نهائي وجود عسكري دائم سيؤدي بالتالي الى زيادة قوتها وفعاليتها في الشرق الاوسط وفي شرق المتوسط ، وسط رضاء وترحاب من شعوب تلك المنطقة نكاية في الولايات المتحدة التي ترغب في الهيمنة الكاملة على المنطقة خاصة خطوط الطاقة وتركيا ليست إستثناء من حالة النفور العربي العام بعد أن اظهرت دعما غير مشروط للاسلام السياسي وتغاضيها عمدا عن عنف ودموية فصائله .



وطبيعي أن ينتاب الغضب الرئيس رجب طيب اردوغان شاجبا ما اقدم عليه الكرملين ، لكن من غير الطبيعي أن يحذر من أن بلاده لن يطول صبرها على الانتهاكات التي طالت سماءها ، فماذا عساه أن يفعل ؟ فبرغم كونه عضوا بحلف الناتو إلا أن الأخير اكتفي بالتعبير عن القلق وترديد عبارات إنشائية بالدعم والمساندة ، وثمة تسريبات تفيد أن واشنطن بصدد ترك المجال لموسكو للقيام بما فشلت هي فيه بالقضاء على داعش . والمراقبون للشأن التركي لم يتوقفوا كثيرا عند فحوى التصريحات الاردوغانية لتأكدهم مدى حاجة اردوغان لنظيره بوتين وليس العكس ، وهذا ما وضحته جمهوريت في عددها الصادر يوم الثامن من اكتوبر الحالي عندما تساءلت لماذا لا تتحدى انقرة موسكو ؟ وفي سخرية واضحة أجابت هي نفسها قائلة أن تركيا لا يمكن ان تتلفظ بعبارة دقيقة واحدة – One Minute " لروسيا ، مثلما فعلت مع إسرائيل ( في إشارة إلى واقعة دافوس الشهيرة بين اردوغان وشيمون بيريز قبل سبع سنوات ) والسبب هو إرتباطها الكامل مع الاتحاد الروسي ، فهناك علاقات حاسمة من الصعب القفز عليها أو مجرد التفكير في إلغائها ، فالتبادل التجاري بينهما تجاوز الثلاثين مليار دولار وفي القلب منه الغاز الطبيعي الذي تستورد انقرة أكثر من نصف إحتياجاتها عبر الخطوط الروسية ( 28 إلى 30 مليار مترمكعب من إجمالي 50 مليارا احتياجات تركيا السنوية) .



كذلك أيضا توجد اتفاقية بناء محطة اككويو النووية في مرسين جنوب البلاد لتوليد الكهرباء ، وما قاله اردوغان "إذا لم تقم روسيا بتنفيذ المشروع فسنضطر إلى منحه إلى دولة أخرى " لا يخرج عن رد فعل إنفعالي ، فبجانب أنه تم تنفيذ إستثمارات فيه تجاوزت الثلاثة مليارات دولار هناك القوانين الدولية التي تفرض غرامات هائلة في حال تنصل أي طرف عن تعهداته كما لا يمكن التضحية بالآلاف من السياح الروس الذين يأتون للمنتجعات السياحية بطول البلاد وعرضها .



باختصار وكما قال الكاتب البارز مراد يتكين فعلى أنقرة أن تعيد النظر جذرياً في إستراتيجية دعم "الإخوان" في المنطقة ، هذا الدعم الذي أوصلها للعزلة .