أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
البيانات العسكرية فى زمن الحرب
10 أكتوبر 2015
د.عبدالله زلطة
د.عبد الله زلطة أستاذ الإعلام

تلعب البيانات العسكرية الصادرة عن قيادة الجيش –في أى دولة –دوراً مهماً وفعالاً في التأثير علي الرأي العام وتحريكه واستنهاضه من سباته للتفاعل مع الأحداث الساخنة علي جبهات القتال.



وفي مصر بصفة خاصة كانت البيانات العسكرية التي صدرت خلال حربي يونيو 67 وأكتوبر 73، في مقدمة المواد الإعلامية التي لقيت اهتماماً كبيراً من جانب ملايين المواطنين في مصر والعالم العربي، حيث تغيرت ملامح الصفحات الأولي لجميع الصحف اليومية كما تغيرت خريطة البرامج في جميع المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية المصرية لتواكب تطورات الأحداث. وأضحي "البيان العسكري" في صدارة الرسائل الإعلامية من حيث الأهمية والفاعلية والتأثير.



وقبل أن نتناول الدور الإعلامي للبيانات العسكرية في حرب أكتوبر، نعود إلي الوراء 48 عاماً لنتعرف سريعاً علي اتجاهات ومضمون البيانات العسكرية في حرب يونيو 1967. فقد أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة خلال حرب يونيو 38 بياناً عسكرياً اذيع أولها في التاسعة و 50 دقيقة من صباح يوم 5 يونيو، وأذيع آخربيان في الثانية والنصف من بعد ظهر يوم 9 يونيو 1967.



ويمكن لأي باحث مدقق أو أي مراسل اتيحت له فرصة الاطلاع علي البيانات العسكرية الصادرة خلال حرب 1967، أن يدرك علي الفور غلبة اللهجة الحماسية علي تلك البيانات وعدم التزام الدقة والصدق في صياغتها، وتضليل الرأي العام. ففي يوم 5 يونيو أذاعت القيادة العامة للقوات المسلحة في الحادية عشرة و 15 دقيقة بياناً تقول كلماته:(توغلت قواتنا بعد معارك عنيفة مساء اليوم في داخل الأرض المحتلة من اسرائيل وذلك بعد ان تمكنت قواتنا من القضاء علي هجوم للعدو علي منطقة الكونتلا قام به مستخدماً لواء كاملاً ومجموعة كبيرة من الدبابات.وبعد أن تمكنت قواتنا من القضاء علي هجوم العدو تسلمت زمام المبادرة وتوغلت في الأرض التي يحتلها في فلسطين مقتحمة مواقعه فيها).



ويفهم من صياغةكلمات هذا البيان تقدم قواتنا وامتلاكها زمام المبادرة والمبادأة، فقد وصلت إلي داخل فلسطين!! طبقاً لما ورد بالبيان، وهو أمر غير صحيح بالمرة، ويدل علي استخفاف كامل بعقول المواطنين. إذ فوجئ الشعب بعد أيام قليلة تعد علي أصابع اليد الواحدة، ببيان تبثه إذاعة القاهرة في الثانية عشرة ظهر يوم 9 يونيو يقول بالحرف الواحد: (أتمت قواتنا المسلحة أمس انسحابها إلي الضفة الغربية من قناة السويس، وبرغم أمر ايقاف النار الذي التزمت به الجمهورية العربية المتحدة وأبلغته إلي مجلس الأمن أمس فإن قوات العدو الاسرائيلي الذي تسانده قوي الاستعمار مازالت حتى الآن تواصل هجماتها ضد قواتنا في غرب قناة السويس ..) إلي آخر ما جاء بالبيان.وفي الثانية والنصف من ظهر اليوم نفسه 9 يونيو1967 كان البيان الأخير فيما أطلق عليها "حرب الأيام الستة"، ينتقل إلي آذان الملايين عبر موجات إذاعة القاهرة وجاء فيه: (ساد الجبهة الآن الهدوء وأوقفت جميع العمليات مراعاة لقرار وقف إطلاق النار).وهكذا تبخرت آمال الملايين من أبناء الأمة العربية في تحقيق نصر علي العدو. وأضفت تلك البيانات العسكرية صفات غير أخلاقية علي الشخصية العربية، خاصة أنه لم يتم الاكتفاء بإذاعة تلك البيانات، بل صاحبتها تعليقات سياسية حماسية إنشائية عبر إذاعة القاهرة وإذاعة صوت العرب كان لها رد فعل سيئا في الشارعين المصري والعربي.



أما في حرب أكتوبر، فقد صاحبت عملية العبور واقتحام القوات المسلحة المصرية لخط بارليف المنيع، اذاعة بيانات عسكرية متقنة الصياغة دقيقة الألفاظ محددة المعاني والأهداف.ويبلغ عدد البيانات التي صدرت في حرب أكتوبر 56 بياناً عسكرياً، أذيع اولها في الثانية والدقيقة 15 من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر، وأذيع بيان وقف اطلاق النار في السادسة و52 دقيقة مساء يوم 22 أكتوبر. وتلا هذا التاريخ صدور عدة بيانات عسكرية متفرقة خلال الفترة من 22 27 أكتوبر. ثم توقف صدور البيانات بإعلان بدء مباحثات الكيلو 101 بين الجانبين المصري والاسرائيلي تحت علم الأمم المتحدة وبإشراف رئيس قوات الطوارئ الدولية الذي دعا يوم 27 أكتوبر إلي اجتماع علي مستوي عال في منطقة الجبهة لتنظيم تطبيق قرارات وقف إطلاق النار وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر، وهو القرار الذي تبنته الدولتان العظميان في ذلك الوقت: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.



وقد جاء نص البيان الأول الذي أذيع ظهيرة يوم 6 أكتوبر 1973 علي النحو التالي: (قام العدو في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتي الزعفرانة والسخنة في خليج السويس بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية عندما كان بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربي من الخليج. وتقوم قواتنا حالياً بالتصدي للقوات المغيرة).وفي الساعة الثانية و35 دقيقة صدر البيان الثاني علي النحو التالي: (رداً علي العدوان الغادر الذي قام به العدو ضد قواتنا في كل من مصر وسوريا تقوم حالياً بعض من تشكيلاتنا الجوية بقصف قواعد العدو وأهدافه العسكرية في الأراضي المحتلة).ويلاحظ من قراءة هذين البيانين أن أيا منهما لم يشر علي الاطلاق إلي وجود القوات المسلحة المصرية علي شاطئ القناة والاستعدادات الضخمة لعبور هذا المانع المائي الضخم، وهي عملية استراتيجية كانت تتم بكل دقة في نفس الوقت الذي أذيع فيه البيانان الأول والثاني لحرب أكتوبر.



ويلاحظ بصفة عامة أن البيانات العسكرية الصادرة عن القيادة المصرية خلال حرب أكتوبر، اتسمت بالاعتدال ومخاطبة عقل المواطن واحترام الرأي العام والتركيز علي الحقائق وتحديد مواقع المعارك بدقة، كذكر اسم النقطة أو الطريق أو المدينة أو القطاع الذي شهد المعركة. كما اهتمت هذه البيانات بتكامل أداء الأسلحة المشتركة: البرية والبحرية والجوية، مما يدل علي وجود تنسيق وتخطيط كاملين بين مختلف الأسلحة وأداء دورها طبقاً لما هو مرسوم لها في التخطيط الاستراتيجي لسير العمليات. ولا يتسع المجال هنا لتحليل مضمون البيانات العسكرية الصادرة في حربي 67 و 73، فتلك مسألة تحتاج إلى بحث علمي يغوص في أعماق هذين الحدثين الكبيرين.



............................



د.عبدالله زلطة أستاذ الإعلام بجامعة بنها



مراسل حربي أثناء حرب أكتوبر