أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الفريق سعد الشاذلى.. بطل التخطيط لحرب أكتوبر
7 أكتوبر 2015
بقلم: لواء أ.ح. د. سمير فرج

إن ذاكرة التاريخ على مر العصور لا تنسى أبطالها .. مهما مر عليها من الزمان، هذه المقولة تنطبق على الفريق سعد الشاذلى .. الذى ظلمته الأحداث مع انتهاء حرب أكتوبر 73 ووصل الأمر إلى رفع صورته من بانوراما حرب أكتوبر.


ولأن التاريخ لا ينسى أبطاله العظام .. فلقد جاء الوقت بعد ثورة 25 يناير .. ليقوم المشير طنطاوى قائد المجلس العسكرى .. ليعيد الصورة الحقيقية ويضع الفريق سعد الشاذلى فى مكانه فى صورة مركز القيادة فى حرب 73.


وسوف نتناول اليوم دورا.. أو عملا عظيما.. رائعا أداه الفريق سعد الشاذلى ضمن أعمال عديدة فى مرحلة التخطيط للحرب.. وإن كنت أرى من وجهة نظرى الشخصية أنها كانت العنصر الرئيسى فى خطة الهجوم المصرية لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف.. وهو ما سمى بالتوجيه 41.. الذى حفظه عن ظهر قلب.. كل جندي.. وضابط.. وقائد.. شارك فى اقتحام قناة السويس يوم السادس من أكتوبر 1973.. ومن خلاله تم إنشاء رءووس الكبارى بخمس فرق مشاة مصرية فى 6 ساعات.



ولقد بدأ التفكير فى إصدار ذلك التوجيه عندما كان الفريق سعد الشاذلى يراجع خطة العملية الهجومية.. لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف.. ووجد أن هناك العديد من المشاكل التى تعوق وتؤثر فى التخطيط للعملية الهجومية.. فأصدر أوامره بتشكيل لجنة خاصة لإعداد هذا التوجيه ليكون منهاجاً لخطة الحرب.



وأتذكر وأنا طالب فى كلية أركان حرب.. فى منتصف عام 1973 وقبل الحرب بأشهر قليلة.. أن أبلغنا مدير الكلية.. أن الفريق سعد الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة سيزور الكلية وسيقضى يوماً كاملاً مع الطلبة الدارسين لكى نناقش معه التوجيه 41 وهى الخطة التفصيلية لعبور واقتحام قناة السويس.. كان قرار الفريق سعد الشاذلى بإشراك طلبة كلية أركان حرب قراراً سليماً.. لمناقشة تفاصيل هذه الخطة بصورة نهائية.. أولاً لأن الدارسين فى كلية أركان الحرب فى هذا التوقيت كانوا نخبة متميزة من ضباط القوات المسلحة.. وثانياً أن هؤلاء الدارسين هم من كافة الأفرع والقيادات والأسلحة الرئيسية والمعاونة والإدارية فى القوات المسلحة.



وتم توزيع مسودة التوجيه 41 على جميع الدارسين قبل اللقاء بعدة أيام.. قمنا بدراسته.. بالتفصيل.. وكنا نظل ندرس ونتناقش فى الكلية يومياً.. حتى وقت متأخر.



ولقد حققت هذه المناقشات داخل الكلية لنا كطلبة دارسين من مختلف الأسلحة والتخصصات التنسيق المتكامل.. المبنى على الفهم العلمي.. الأكاديمي.. لكافة مراحل العبور.. واقتحام النقاط القوية.. وصد الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.. ومطالب كل مرحلة من مراحل العبور.



ولقد بدأ الفريق سعد الشاذلى هذا التوجيه بوضع كافة المشاكل.. والمصاعب أمام المخطط المصرى لعبور القناة وتدمير خط بارليف.. وكان أمام مجموعة العمل أن تضع الحلول أمام كل مشكلة.. فلقد كانت أعقد المشاكل التى قابلت المجموعة هو الساتر الترابى على الضفة الشرقية للقناة.. التى يحتلها الجانب الإسرائيلي.. وأدى ذلك إلى اقتراح ضرورة بناء نقاط قوية مرتفعة مزودة بمصاطب دبابات على الضفة الغربية للقناة.. تسمح للجانب المصرى أن يؤمن قواته التى تعبر القناة بالنيران والمعلومات. وأتذكر أن موشيه ديان عندما شاهد الجنود المصريين يقومون ببناء هذه النقاط سخر منهم.. وأمام وكالات الأنباء.. قائلاً إن المصريين دائماً مغرمين ببناء الأهرامات. وأمام مشكلة عمل فتحات فى الساتر الترابى أمام الكباري.. فكان أحد أعظم الحلول التى وضعها المفكر المصري.. وهو استخدام خراطيم المياه.. والتى تم نقل فكرتها أثناء بناء السد العالى فى أسوان.



ثم جاءت مشكلة اقتحام النقاط القوية الإسرائيلية فى خط بارليف.. حيث تم تكوين قوات خاصة لمهاجمة هذه النقاط اعتمد تكوينها.. على حجم النقطة وتسليحها.. وعدد الدبابات الموجودة بها.. وشكل وحجم المواقع الدفاعية التى تحوط بهذه المنطقة.. وبالتالي.. خرجت الخطة بشكل وأسلوب الهجوم .. سواء بالمواجهة.. أو على الأجناب.. أو من الخلف.. طبقاً لطبيعة دفاعاتها.. وهكذا يمكن القول أن هذا التخطيط الدقيق.. المبنى على معلومات دقيقة.. تفصيلية.. كان من أهم عوامل نجاح عملية التنفيذ.



كما تناول التوجيه 41، أساليب مهاجمة نقاط خط بارليف.. ومجموعات فتح الثغرات فى الساتر الترابي.. وعمل مجموعات إغلاق أنابيب النابالم.. وتوقيت وأسلوب دفع مجموعات المفارز المصرية المتقدمة التى ستحتل مصاطب الدبابات الإسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة لمنعها من التدخل ضد قوات العبور.. ثم عمل مجموعات الدخان لعمل ستائر تعمية مناطق المعابر.



كما ركز التوجيه 41 على توقيتات عبور القادة على جميع المستويات.. كما شمل التوجيه 41 على تصميم سترة خاصة لكل جندى يرتديها لتناسب ما يحمله من الأسلحة والذخائر والألغام.



ويمكن القول أن هذه المناقشات كانت تفصيلية إلى أكبر درجة ممكنة.. وأدارها بالكامل الفريق سعد الشاذلى الذى كان ملماً بكل التفاصيل الدقيقة.. وسمح بنقاش ديمقراطي.. علمي.. عسكري.. ميداني.. سمح لكل الأطراف بعرض رأيها.. دون رهبة.. أو خوف.. فالكل كان يعلم أن مصر هى الهدف.. ولذلك كان هذا اللقاء مع طلبة كلية أركان حرب هو بمثابة المراجعة النهائية للخطة التفصيلية للعبور «التوجيه 41» بعدها تم إصداره فى خطط تفصيلية للقوات المشتركة فى عبور القناة.



تلك كانت لمسة سريعة.. لعمل عظيم.. ربما لم يتحدث عنه أحد من قبل نظراً للظروف التى مر بها الفريق سعد الشاذلى رحمه الله.. ولكنى أعتقد أنه جاء الوقت لكى يكرم هذا القائد العظيم.. بالتكريم اللائق.. الذى حرم منه فى حياته..



ولا يبقى إلا أن نقول.. أن دور الفريق الشاذلى فى حرب أكتوبر وما قبلها فى حرب الاستنزاف .. كان أساسياً وبارزاً فى التخطيط والإعداد وإدارة أعمال القتال فى الحرب .. ولن ينسى شعب مصر .. ولا رجال القوات المسلحة هذا القائد العظيم على ما قدمه لشعب مصر .. خلال حرب أكتوبر المجيدة.