انطفأت قناديل البيت الصغير وسكنت جدرانه العتمة وسحابة سوداء غشيت سماءه بعد رحيل طيور الجنة الثلاثة وخلت اركانه من اصوات الضحكات التي كانت تهز ارجاءه بعد ان اختطف الموت الرهيب الاطفال الاشقاء الثلاثة وسلبهم ملك الموت ارواحهم الطاهرة وهم نيام حتي لايدركوا آلام سكرات الموت.
ورحلوا عن والديهم ومعهم الفرحة والدفء وخلا البيت المتواضع الذي تهدمت جدرانه علي رءوس ساكنيه من نسائم طيور الجنه ليتركوا ذكري أليمة تعصف بقلب وعقل ابوين فقدا السند والحماية ومن كانوا يستدفئون بأنفاسهم الطاهرة في ليالي الشتاء القارسة ومن كانوا يملأون البيت الفقير فرحا وسعادة رغم اسياج الفقر والحاجة التي كانت تحيط بهم من كل جانب وكأن القدر استكثر علي الاسرة الفقيرة رضاها وصبرها علي الجوع والعري وقرر ان يلقنهم درسا في الحزن لن ينسوه أبد الدهر واختطف فلذات الاكباد في لمح البصر ليترك لوعه وحسرة تسكن قلوب والديهم .

المشهد اقسي من ان يوصف عندما حمل الأهل والجيران نعوش الاطفال الثلاثة لتتواري اجسادهم البريئة خلف الثري بينما تثاقلت خطوات الابوين اللذين قصم الحزن ظهريهما علي رحيل فلذات الاكباد وكلمات بطعم الحزن تخرج من افواههما علي رحيل الابناء الثلاثة وحملت الام تراب الارض علي رأسها وهي تشاهد دخول قطع غالية من جسدها القبر وخشيت عليهم الوحدة والوحشة وراحت تنادي كبيرهم الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره ان يضم شقيقيه الطفلين بين صدره حتي لايخافا من عتمة القبر وشقت الزوجة المكلومة صفوف الرجال وحاولت ان تدخل القبر حية مع ابنائها الثلاثه حتي تخفف عنهم وحشة القبر وتنام بجوارهم، كما كانت تفعل وهم احياء وظلت تصرخ حتي فقدت الوعي.
اوي الابوان وابناؤهما الخمسة الي فراشهم داخل حجرتين في منزل متهالك مبني من القش والطوب اللبن ونسائم الامان تهفو الي الصغار واصوات المزاح والضحكات تفترش الارض بجوارهم والاب المدرس البسيط يتوسل اليهم ان يخلدوا الي النوم حتي يستيقظوا مبكرا للذهاب الي المدرسة الا ان الصغار كأنهم كانوا يعلمون انها الثواني الاخيرة في اعمارهم فاستمروا في اللهو واللعب ومداعبة ابويهم حتي راحوا في النوم العميق وبعد دقائق استيقظت الام علي اصوات غريبة داخل الحجرة التي كانت ترقد فيها مع ابنائها الاربعة بينما كانت الخامسة ترقد في غرفة اخري بجوار ابيها وفوجئت الام بسقف الغرفة وجدرانها تهتز وصرخت للاستغاثة بزوجها وحملت ابنها الاكبر وهو نائم وأخرجته إلي بهو المنزل وعندما عادت لتحمل اشقاءه الثلاثة فوجئت بسقف الغرفه وجدرانها قد سقطت عليهم وماتوا في لمح البصر.
ترجع وقائع الحادث المأساوي عندما تلقي اللواء رضا طبلية مدير أمن بني سويف إخطارا من العقيد عمرو العدل مأمور مركز الفشن يفيد بوصول «معتز» أحمد سعد زكي 9 سنوات طالب بمدرسة الصم والبكم وشقيقته «ندي» 7 سنوات طالبة بمدرسة الصم والبكم أيضاً و«أروي» 5 سنوات إلي مستشفي الفشن المركزي جثثا هامدة وتبين من تحريات مباحث المركز أن والد الأطفال الثلاثة مدرس يدعي احمد سعد زكي 44 سنة يعيش مع زوجته ربة منزل و5 أطفال صغار في منزل قديم صغير مبني بالطوب اللبن ومسطح بالأخشاب وفي أثناء نومهم انهار سطح المنزل عليهم ليلقي أطفاله الثلاثة الصغار مصرعهم تحت أنقاض المنزل بينما نجا المدرس وزوجته وطفلان آخران هما عمرو 11 سنة وغادة 13 سنة من الموت وتم رفع أنقاض المنزل واستخراج جثث الأطفال الصغار من أسفل الأنقاض.
انتقلت الأهرام إلي الأسرة ووجدوا أفرادها يقيمون في منزل جار لهم بسبب تهدم المنزل وعدم قدرتهم علي ترميمه.. في البداية لم يستطع الأب المكلوم التحدث بسبب حزنه الشديد علي وفاة 3 من أبنائه وتحدثت الأم بصوت متهدج متقطع وعيناها تزرفان الدموع قائلة: كنت أنام وسط أبنائي في حجرة بالمنزل الذي يتكون من حجرتين فقط وفي نحو الساعة الثانية بعد منتصف الليل سمعت صوت سطح المنزل وهو ينهار فأسرعت بحمل نجلي الكبير عمر طالب بالصف الخامس الابتدائي وهو نائم وأخرجته خارج الحجرة وفي أثناء عودتي لنقل باقي أطفالي انهار سقف المنزل عليهم فلقوا مصرعهم وهم معتز وندي وأروي أما غادة نجلتي الكبري فكانت تنام في الحجرة الأخري مع والدها .وتمالك الأب زمام نفسه قليلاً وأكمل الحديث قائلاً إن نجلته الكبري غادة 13 سنة أصيبت من عدة سنوات بسخونة أثرت علي رأسها وتركت لها إعاقة في الكلام وأصبحت خرساء وهي تحتاج لعلاج شهري وناشد المسئولين في الدولة التدخل لمساعدته في ظروفه الصعبة وفي النهاية تساءل الأب : هل سيصل صوتنا للمسئولين وأصحاب القلوب الرحيمة وفصل الشتاء علي الأبواب ولا يوجد مكان يؤوينا ؟