أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
"هنا القاهرة".. رسالة ثأر بعثها أبطال الميدان بعد رفع العلم على الضفة الشرقية
3 أكتوبر 2015
ليلى مصطفى :

"الله أكبر" صيحية انطلقت بها حرب تحرير سيناء في الثانية وخمس دقائق من ظهر السادس من أكتوبر سنة1973 ولقن فيها جنود مصر وهم صائمون درساً قاسياً للعدو بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات الذى قال حينئذ: "إن التاريخ العسكرى


 سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس أمام عملية السادس من أكتوبر سنة1973"، واستتردنا ارضنا المحتلة، وكان اثر الصيام كبيرا جدا ومهما للغاية في رفع معنويات الجنود الاوفياء، بل زادتهم عزيمة واصرار علي الفوز بالمعركة و الثأر.


كواليس البيان رقم (1) للحرب



فى تمام الساعة الواحدة من ظهر السادس من أكتوبر، توجه مندوب رفيع المستوى من وزارة الدفاع إلى مقر الإذاعة المصرية حيث كان يحمل خطابا مهما كتب عليه سرى للغاية.



كان هذا الخطاب هو أول بيان كتبه اللواء الجريدلى سيتم إذاعته فى الثانية وعشر دقائق بعد انطلاق الضربة الجوية بخمس دقائق. ولم يعرف أحد من الحضور سواء مدير الإذاعة أو المذيعين ولا المخرجين شيئاً عن فحوى الخطاب، لكنهم عرفوا إن هناك أمراً هامًا وخطيراً على وشك الحدوث.



وانتظر المندوب والدقائق تمر عليه وكأنها ساعات، وهو ممسك بالخطاب المغلق الذي لا يعرف محتواه حتى المذيع الذى سيلقيه، وبعد أن عبرت القوات الجوية بـ 220 طائرة بموجة كاسحة لـشط القناة فى تمام الثانية وخمس دقائق، تلقى الرجل اتصالاً من اللواء حسن الجريدلى من داخل غرفة عمليات القوات المسلحة حاملاً الإذن بإذاعة البيان.



كان اللواء الجريدلى، يشغل منصب سكرتير عام وزارة الدفاع، وبعد الاتصال انفرجت أسارير المندوب، وسلم البيان لرئيس الاذاعة واشترط أن يسلمه له داخل الاستوديو، وكان الدكتور عبد القادر حاتم وزير الإعلام يتابع الموقف هاتفياً حتى لا يكشف تواجده الموقف.



" هنا القاهرة "



وعقب بدء ساعة الصفر استمرت القوات المسلحة المصرية في إصدار بيانات بثتها عن طريق الإذاعة، بعدما أصدرت البيان الأول فور انطلاق الضربة الجوية بخمس دقائق، فأصدرت ثلاثة بيانات لعبت فيها كل من ''الإذاعة المصرية'' وإذاعة ''صوت العرب'' دورا هاما في نقل أخبار ''جبهات القتال'' للمستمع المصري والعربي، وبيانات الإذاعة وقت ''العبور''.



وجاء فى الساعة الثانية والربع ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973، صوت الإذاعي الكبير ''صبري سلامة'' عبر أثير ''البرنامج العام يلقي البيان الإذاعي الأول الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة: '' قام العدو الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتي الزعفرانة والسخنة بواسطة تشكيلات من قواته الجوية وتقوم قواتنا حالياً بالتصدي للقوات المغيرة .. هنا القاهرة''



حقيقة الأمر أن هذا البيان وما تلاه من ''ثلاثة بيانات أخرى'' لم تكن سوى ''تمهيد'' الشعب لتحركات الجيش، وإمكانية الدخول في اشتباك حربي، وكان مفادها ''تعليقا على البيان السابق، رداً على العدوان الغادر، نفذت قواتنا مهامهاً بنجاح وأصابت مواقع العدو إصابات مباشرة ومازال الاشتباك مستمرا.. هنا القاهرة''، و كانت تذاع بمعدل كل نصف ساعة تقريبا.



وجاء إلحاقاً للبيان رقم (2) مايلى:



نفذت قواتنا الجوية مهامهاً بنجاح وأصابت مواقع العدو إصابات مباشرة وعادت جميع طائراتنا إلى قواعدها سالمة عدا طائرة واحدة.



أما الساعة الرابعة وخمس دقائق عصرا، فقد اذيع بصوت ''حلمي البُـلُـك'' البيان الأشهر في تاريخ هذا اليوم والحرب كلها، إذ أذاع البيان ''نبأ العبور'' واقتحام خط بارليف الحصين'': ''هنا القاهرة .. جاءنا الآن البيان الخامس الصادر عن القوات المسلحة.. نجحت قواتنا المسلحة في اقتحام قناة السويس في قطاعات عديدة واستولت على نقط العدو القوية بها ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة، كما قامت القوات المسلحة السورية باقتحام مواقع العدو في مواجهتها وحققت نجاحاً مماثلاً في قطاعات مختلفة'' .



ولم تكن الحرب حكراً على الجنود فى أرض المعركة، بل امتدت للجبهة الداخلية بمشاركة كل مصرى ومصرية لتحرير الأرض بطرق واساليب وان اختلفت شكلاً الا أنها اتفقت فى الهدف والمضمون معاً، حيث رأينا السيدات يذهبن للتطوع فى المستشفيات و جمعيات الهلال الاحمر المصرية، كما رأينا الشباب يعرضون رغبتهم للمشاركة فى الحرب أو التبرع بدمائهم، وتشابكت الايدي بين فئات المجتمع فى ملحمة رمضانية كان فى مقدمتها ما رأيناه من ابداعات فنية أسهمت فى رفع الروح المعنوية، خاصة انه بمجرد إذاعة أول بيانات المعركة في حوالي الخامسة والربع مساء كان المواطنون وقتها علي موائد الافطار في العاشر من رمضان، حيث توافد الفنانون من تلقاء انفسهم الي مبني الاذاعة والتليفزيون وتحولت منطقة الاستوديوهات بالدور السابع فى المبنى إلى خلية نحل، كما توافد الموسيقيون والمؤلفون والشعراء والملحنون والمطربون والكل يريد أن يتفانى من أجل مصر بطريقته الخاصة وطبيعة عمله لكى يتواكب مع عطاء الجيش المصري علي الجبهة في معركة التحرير.



ومثلما انطلقت المدافع في قلوب العدو انطلقت أيضا حناجر المطربين لقلوب الجيش والشعب الكل يرغب فى التضحية من أجل بلده، حيث انطلقت التسجيلات باستوديوهات الدور السابع فى مبني الإذاعة والتليفزيون مباشرة بأصوات المجموعة (بسم الله .. الله اكبر أذن وكبر بسم الله).. لتذاع في السادسة من صباح اليوم الثامن من أكتوبر كأول اغنية معبرة عن النصر الكبير في معركة العزة والكرامة.



أيضا على سبيل المثال غنى المطرب عبد الحليم حافظ (لفي البلاد يا صبية) التي أذيعت بعد البروفة الاولي مباشرة وكتبها محسن الخياط ولحنها الموسيقار محمد الموجي فى الاستوديو، كما غنت المطربة وردة (حلوة بلادي السمره).



كما قدم الفنانون جميعهم وقتها بما فيهم العازفون تلك الأعمال الفنية الوطنية في حب مصر بدون مقابل وتنازلوا عن أجورهم برغم اقامتهم خارج منازلهم طوال الاسبوع الاول من حرب اكتوبر المجيدة وتولت الفنانة شادية احضار الأدوية التى يحتاجها الفنانون، والفنانة وردة تكفلت بإحضار الأطعمة لهم، حتي إن المطرب عبدالحليم حافظ أسعف عازف الايقاع حسن انور الذي تعرض لهبوط مفاجئ بإعطائه حقنة مهدئة، حيث تحولت الاستوديهات وقتها إلى جبهة داخلية، وكان يشرف علي تلك الاعمال المخرج محمد محمود شعبان (بابا شارو) رئيس الاذاعة حينذاك والذي كان يتولي مهمة لجنة النصوص وإجازة الإعمال الغنائية.



أما أغنية (عاش اللي قال) التي غناها عبد الحليم فقد كان مقررا أن يرد الكورال خلفه عندما يقول عاش ليكي ابنك فيقول الكورال (السادات عاش اللي حبك السادات رد اعتبارك، خلي نهارك احلي نهار).. الا ان الرئيس السادات عندما علم بذلك رفض ذكر اسمه في الاغنية وتم تغيير اسمه الي (عاش.. عاش.. عاش ) واعيد تسجيل الاغنية.



مانشيت الأهرام أغنية لشادية



جاءت وسائل الإعلام والصحف وفى مقدمتها الأهرام يوم الثامن من اكتوير بمانشيت الصفحة الأولى كتبه الصحفى الكبير توفيق الحكيم( عبرنا الهزيمة) ولما قرأه الشاعر عبد الرحيم منصور من الطبعة الاولي مساء7 اكتوبر كتب أغنية بنفس العنوان ليلحنها الموسيقار بليغ حمدي وتغنيها الفنانة شادية وكانت كلماتها تقول (عبرنا الهزيمة يا مصر يا عظيمة.. باسمك يا بلادي تشتد العزيمة).. لتذاع الأغنية في العاشرة صباح يوم صدور الاهرام بعد ماسجلت في السابعة صباحا.



ولما كان الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب متواجدا في بيروت أثناء حرب أكتوبر وردا علي الشائعة التي سرت لسفره الي لبنان خوفا علي نفسه فقد قام بتسجيل أغنية (حي علي الفلاح).. التي كتبها الاخوان رحباني ولحنها محمد عبد الوهاب وتقول( طول ما أملي معايا وفي ايديا سلاح ح افضل اجاهد وامشي من كفاح لكفاح ).. وأرسل الأغنية عبر الطائرة وأذيعت بعد أسبوع من بدء حرب اكتوبر.



كما طلب الفنان عبد الحليم من الشاعر عبد الرحمن الابنودي العودة من لندن لكتابة أغنية (صباح الخير يا سينا).. ولحنها الموسيقار كمال الطويل.



أما زكريا عامر كبير مهندسي استوديوهات الدور السابع فقال مع بدء حرب أكتوبر اننا أقمنا في ماسبيرو وكأننا في معسكر وشعرنا وكأننا مجندون علي جبهة حب مصر والتعبير عما في صدور المصريين. وستظل تلك الأعمال خالدة عبر الأجيال لانها تحمل ذاكرة وطن.