أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الأحزان الدائمة
2 أكتوبر 2015

أمسكت بالقلم لكى أسطر إليك هذه الرسالة وأنا فى أشد الحيرة والقلق والخوف



 على أمى التى أخشى عليها من الوحدة والمرض والحزن.. وبالرغم من أن ما سوف أرويه لك مرت عليه سنوات طويلة, إلا أننا نعيشه فى كل لحظة, ولا تفارقنا ذكرياته المؤلمة أبدا, ولا أستطيع أن أصف مدى تعاستى عندما أنظر اليها وأجد الدموع تسقط على خديها ليل نهار.



صحيح أنها مؤمنة بقضاء الله وقدره ولكن «الضنا غال كما يقولون», ولن أطيل عليك, فلقد سافر أخى الى الخارج, وانقطعت أخباره، ثم علمنا من بعض زملائه أنه أصيب بمرض نفسي, وبالفعل سعينا لإعادته إلى مصر, ولما حضر استقبلناه بالمطار، فوجدناه هيكل إنسان محطم نفسيا، ولم يفلح أساتذة الطب النفسى فى علاجه, ولم يمض وقت طويل حتى لقى وجه ربه، وسقطت أمى مغشيا عليها من شدة الصدمة, وأخذت تهذى بكلمات غير مفهومة وبعدها انطوت على نفسها.



أما أبى فلقد كان رجلا مسنا محالا الى التقاعد, ولم تمر شهور على وفاة أخى حتى صدمته هو الآخر سيارة ميكروباص وهرب سائقها, وتجمع المارة وحملوا والدى الى المستشفى العام, وظل هناك عدة أشهر ثم رحل عن الحياة، فصدمت أمى من جديد, وانزوت فى ركن البيت ولم تعد تتكلم مع أحد أو تتعامل مع الآخرين كما كانت من قبل.



إنها تضيع أمامي, وأخشى أن تلحق بأبى وأخى وتتركنى فى الدنيا وحيدة.. فماذا أفعل لكى أخفف عنها ما هى فيه؟ وهل هناك أمل فى أن تتناسى الأحزان وتواصل حياتها من جديد؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



إذا فتشنا فى الدنيا فسوف نجد أن جميع من فيها مبتلون, فهذا مبتلى فى صحته ويعانى الكثير من الأمراض, وهذا مبتلى فى رزقه فيقاسى شظف العيش والفقر وضيق ذات اليد, وذاك مبتلى بفقد ولده أو زوجته، أو تلك مبتلاه بموت زوجها وولدها, إلى غير ذلك من صور الآلام والمتاعب التى هى حقيقة يجب أن نعيها ونأخذ الدروس والعبر منها, حيث يقول تعالي: «لقد خلقنا الإنسان فى كبد».

إذن لا يوجد على وجه البسيطة من يخلو من الأزمات والمشكلات, وكل أزمة شخصية ترجع إلى ضعف الإيمان, فالمؤمن وحده هو الذى يقيس الأمور بحجمها الصحيح, ويعلو فوق آلامه ويتحمل مصاعب الدنيا, ويعتصم بحبل الله ويلتزم بالحق ويصبح فى يقينه أن الله سوف يعوضه خيرا حتى فى الشوكة التى يشاكها.

ولو أن والدتك أيقنت ذلك فعليها أن تسلم أمرها إلى ربها وتطلب منه مساعدتها على تجاوز الصدمتين اللتين ألمتا بها, فدعاؤها إلى الله تعالى بأن يخفف عنها ما هى فيه هو العامل الأول الذى ينتشلها من الدائرة المغلقة التى وضعت نفسها فيها فى زاوية من إحدى حجرات البيت والتى أراها علامة الخطر التى قد تؤدى بها إلى ما لا تحمد عقباه.



ولنأخذ رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه اسوة لنا عندما فقد ولده إبراهيم إذ احتسبه عند الله, وقال وهو يلقى نظرة الوداع الأخيرة عليه إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون، فها هو رسول الله يعلمنا الدرس بأن الكل ميت, وأن علينا أن نتحمل متاعب الدنيا حتى يؤجرنا الله عن صبرنا يوم القيامة.

احمدى الله الذى لا يحمد على مكروه سواه. واعلمى أن هذه الحياة الدنيا لعب ولهو, وكما يقول رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء».



ويقول الشاعر بدر شاكر السياب:



لله الحمد مهما استطال البلاء..



ومهما استبد بقلبى الألم



لله الحمد إن الرزايا عطاء..



وإن المصيبات بعض النعم



إن مردنا إلى الله وعلينا أن نكمل رسالتنا فى الحياة بما يرضيه عز وجل, واحسب انك قادرة على الأخذ بيد والدتك ومساعدتها على تجاوز ما هى فيه بالصبر, والإلحاح عليها فى أن تخرج إلى الحياة مع الأهل والجيران, وأن تدع أمرها لخالقها, وتتقرب إليه بالسجود والدعاء بأن يزيل عنها الهم, «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتي» صدق الله العظيم.