أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
السر الخطير
18 سبتمبر 2015

هل يدفع الحب الانسان منا إلى أن يؤذى نفسه‏,‏ ويضر من يرتبط به ويقاسمه حياته؟‏..



أم أن من ينتهج هذا النهج يكون شخصا أنانيا لايفكر إلا فى نفسه؟.. وكيف يتخلص من وقع عليه الضرر مما آلت إليه حاله بعد أن أظلمت الدنيا من حوله؟

هذه
الأسئلة تزاحمت فى رأسى وأنا أسطر إليك هذه الرسالة , فأنا شاب فى الأربعين من عمري, تعرفت منذ عشر سنوات على فتاة جذبتنى إليها برقتها وطيبتها, وارتحت إليها وربطتنا قصة حب جميلة, ولم أهتم بمعرفة كل شىء عن حياتها وأسرتها, فما كان يعنينى هو أننى أحبها, وتزوجنا سريعا, ولم اتوقف عند المسائل البسيطة ومنها مثلا أنها تعمدت ألا أجلس مع أقاربها, وكنت كلما سألتها عن أحدهم تتذرع بأسباب واهية لكيلا يتم اللقاء, لدرجة اننى لم أقابلهم إلا فى حفل الزفاف!.

وانتقلت زوجتى إلى عش الزوجية, وبدأ أهلها يترددون علينا من حين إلى آخر, ولاحظت أن والدها يتكلم بصعوبة بالغة وأن طريقته فى الكلام ليست طبيعية, فسألتها عن حالته, فقالت لى إنه أصيب بجلطة فى المخ أثرت فى قدرته على الكلام.. ومرت الأيام ورزقنا الله بطفل, وبمرور الوقت أحسست أن حركاته غير طبيعية فحملته إلى أكثر من طبيب للاطمئنان عليه, وبعد فحوص وأشعات نزلت الصاعقة فوق رأسي, وعرفت أن ابنى معاق ذهنيا, وأن المرض الذى أصيب به هو مرض وراثى منتشر فى عائلة زوجتى وأنها تعمدت إخفاء هذه الحقيقة المرة عني, لكى استمر فى زواجى منها ولا أتخلى عنها.. ولم يكن أمامى بد من التسليم بالواقع وبأن أبحث عن طريقة اتكيف بها مع حياتى الجديدة.. ولم أفقد الأمل فى أن يرزقنى الله بطفل سليم.

ويبدو أن زوجتى قد أدركت فداحة ما ارتكبته فى حقى وحق نفسها فاستخدمت وسائل منع الحمل, ولاحظت عزوفها عن التفكير فى الانجاب مرة أخري.. وعلى مدى ست سنوات تعاطت أدوية كثيرة وظننا أن حالتها الصحية قد أصبحت مهيأة لإنجاب طفل طبيعى لايحمل الصفات الوراثية المرضية الموجودة فى عائلتها, فطلبت منها التوقف عن استخدام أى موانع للحمل فرفضت فى البداية خوفا من أن يتكرر إنجابها لطفل غير طبيعى يزيد العبء علينا, ويضيف فردا جديدا إلى قائمة الأسرة المصاب كثيرون من أفرادها بالإعاقة الذهنية, ولكن أمام إصرارى حملت فى الطفل الثاني, وحانت لحظة الولادة وأنا أتعشم أن يرزقنى الله بابن سليم كأى أب فى الدنيا, ويبدو أننى أتمنى المستحيل فقد جاء الطفل الثانى صورة طبق الأصل من شقيقه الأول, وحملته إلى البيت.. وأنا فى ذهول.. ومن كثرة التفكير فى المستقبل ارتفع ضغطى جدا وفقدت إحدى عيني, وضعف ابصار العين الأخرى حتى إننى لا أكاد أرى بها، وتدهورت حالتى النفسية فأصبحت لا أتكلم مع أحد وانتظر الموت, لكن ما ذنب الطفلين البريئين اللذين جاءا إلى الحياة مصابين بالإعاقة الذهنية, ثم هل هناك أمل فى أن تعود علاقتى بزوجتى إلى ما كانت عليه بعد الزلزال الذى هز كيانى واستقرارى عندما كذبت علىّ وظلت تخفى عنى حقيقة المرض الوراثى اللعين فى عائلتها حتى لحظة الإنجاب؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول:



فى كل الأحوال يرضى المؤمن بقضاء الله, فعن أبى يحيى بن صهيب بن سنان الخدرى أنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن.. إن أمره كله خير, وليس ذلك لأحد إلا المؤمن, ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.. رواه مسلم.

وأنت هذا المؤمن ياسيدي.. فلقد شكرت ربك حين تزوجت ممن أحببتها, وصبرت على ما ابتلاك به حين أنجبت طفليها المعاقين ذهنيا.. ولذلك فإن أمرك كله خير.. وسوف تنال الجزاء الأوفى من المولى عز وجل الذى يقول فى كتابه الكريم «وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا».



والحقيقة أن رسالتك تتضمن أبعادا اجتماعية ونفسية وطبية ينبغى التوقف عندها والاستفادة من دروسها, فالبعد الاجتماعى فيها يتعلق بضرورة التعرف على الأسر والاختلاط بأفرادها ودراسة كل ما يتعلق بها, فلا يكفى للزواج أن تتعرف على فتاة ترتاح إليها لكى تضرب عرض الحائط بكل ما يتعلق بأسرتها وأهلها, فالإنسان لا يتزوج لكى ينعزل عن الآخرين. وإنما يتخذ الزواج وسيلة لتوسيع دائرة أهله, ويتواصل معهم فى الحياة.. وهذا التواصل يكشف له عن خبايا وأسرار من نوع هذا السر الخطير الذى يتعلق بمرض أهل زوجته, ولو أنك أصررت على التعارف عليهم والسؤال عنهم, لعرفت حقيقة حالتهم الصحية واتخذت قرارك سواء بالارتباط بها أو البعد عنها وأنت على يقين من أمرك.



ويتعلق البعد النفسى بضرورة المصارحة والمكاشفة بكل شىء منذ البداية, فما بنى على خطأ سيظل خطأ إلى ما لانهاية.. وكلما كانت قاعدة الزواج قائمة على الخداع, كانت هشة تطيح بها أى رياح تهب على الحياة الزوجية, وما أشدها هذه الرياح, خصوصا فى البدايات الأولى للزواج.

أما البعد الطبى فيتعلق بضرورة خضوع الزوجين للفحص الشامل قبل الزواج لكى يعرف كل منهما بحقيقة حالة الآخر, وهذا الفحص لاينال من أحد وإنما يبصر الشباب بما ستكون عليه الحالة الصحية لأبنائهم, وفقا للصفات الوراثية التى يحملها كل من الزوجين.

وعلى كل حال عليك أن تهون على نفسك, وأن تعرف أن هناك دائما فرجا بعد الضيق, وأن تبدأ صفحة جديدة مع زوجتك، ومازال باب الأمل مفتوحا أمامك لتجاوز ما فات، فتفضل بزيارتي، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.