أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الشر المبرمج
2 سبتمبر 2015
د.فوزي فهمي

بعد أن انكشف لغز تنظيم داعش فى ضوء رفع الحظر عن وثائق سرية لوزارتى الخارجية والدفاع، بموجب دعوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية، تبين أن



الشر يتبدى مخفيًا ومبرمجًا؛ إذ التحالف الدولى لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، كان يحارب بداعش، ولا يحارب داعش على الإطلاق، ومع أن الأمركة تعيد إنتاج نهجها لتغير بعض ملامحه حتى لا تضبط متلبسة، فإن نهجها المعاد إنتاجه مازال يعكس أصداء نهجها السابق، إذ فى حروبها الحديثة استخدمت الأمركة الشركات الحربية المكونة من المدنيين القتلة بالإيجار، بدلاً من قواتها العسكرية، ولأن الأمركة لا تحجب الشر؛ بل تتصيد منه فائدتها، مهما كانت التكلفة؛ لذا لم تلتفت إلى ما أوضحه جوزيف ستيجليتس الحائز لجائزة نوبل فى الاقتصاد، بأن نفقات تكلفة هذه الشركات أعلى من تكلفة الجيوش الرسمية من مرتين إلى أربع مرات، وصرح مركز النزاهة العامة فى واشنطون، بأن وزارة الدفاع الأمريكية وقعت حتى عام 1994 نحو 3901 عقد بلغت قيمتها 300 بليون دولار، وفى كتاب ( الجنود غير المرئيين)، شبهت المؤلفة (أن هجدورن) هولاء القتلة بالجنود غير المرئيين، انطلاقًا من أنهم يؤدون المهام العسكرية التى تضطلع بها الجيوش، لكن بعيدا عن عيون الرقيب، إذ هم لا يلتفتون إلى الأعراف الدولية، وأيضًا لا تتم ملاحقتهم، كما لا تعد أفعالهم مهما بلغت بشاعتها بمثل مسئولية الجيش. ولأن الأمركة لا تقصى الشر؛ بل تعمل على تدجينه ترغيبًا أو ترهيبًا، محتجبة وراء هالات المبادئ والقيم؛ لذا تكشف (أنجيلا سنيل) من كلية الحقوق جامعة إلينوى، (أن شركات القتلة المأجورين تعد طريقة مريحة لحكومة الولايات المتحدة، للتهرب من التزاماتها القانونية، بما فى ذلك مسئولية حماية حقوق الإنسان والمدنيين فى الحرب والسلم، من خلال السماح للأفراد والشركات الخاصة، بدلاً من الجهات الرسمية الحكومية، بأداء المهام الحربية نيابة عن الجيش الأمريكي)، وذلك ما يفسر حرص الولايات المتحدة على رفض التوقيع على الاتفاقية الدولية التى أقرتها الأمم المتحدة عام 1981، لمناهضة تجنيد المرتزقة، واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم. إنه نهج الأمركة التى تفرض هيمنتها فوق الحدود كافة استبدادًا؛ بل وتنطعًا بالدفاع عن حقوق الإنسان.



قبل الكشف عن العلاقة السرية لداعش بالإدارة الأمريكية، صرح الرئيس أوباما بأن تنظيم داعش ليس إسلاميًا، وعلق الكاتب الصحفى جرايم وود على ذلك بقوله (إن الولايات المتحدة تكذب بخصوص الدين كى تخدم مصالحها)، إذ كان جرايم وود يرى أن داعش حركة ( دينية متعصبة جامدة ترتكز على تعاليم وتقاليد الإسلام الذى ظهر فى القرن السابع، تنفذه بحرفية شديدة وخطيرة)، ويمثل هذا التشخيص تيارًا فى الصحافة الأمريكية والأوروبية. لا شك ان فظائع ممارسات داعش التوحشية، قد تخطت الحدود كافة، شرًا وعنفًا غير معهودين، من ذبح لرقاب، وحرق لأجساد رهائن من جنسيات متعددة، وغيرها من ممارسات الفتك المفاجئة، التى ليست هناك ثمة مسئولية تعادل اقترافها من أعضاء التنظيم، انفلاتًا وانفراطًا وانفتاحًا على الاستباحة المشاعة، والمنقولة للعرض إعلاميًا بوسائل الميديا المعاصرة العالية التقنية، بوصفها ممارسات مؤهلة لتعطيل حق الفهم وطرح السؤال، إذ عندما تبدى الإفراط فى الهول والتهويل والقتل غاية فى ذاته، عندئذ أصبح الإسلام فى قفص الاتهام. ولأن العنف المطلق أصبح موجودًا وبارزًا لدى تنظيم داعش، ويحتاج إلى تعليلات حضوره الراهن؛ لذا فإن صحيفة الإندبندنت البريطانية نشرت تقريرًا تضمن آراء لجنة من الخبراء الدوليين، يحدد مسارًا متتابعًا لأهداف سبعة تؤسس لبناء الدولة التى يدعيها قادة داعش، وهي: التوسع كما فعل النازيون فى أوروبا- توطيد حكمها- إنشاء دولة فاعلة- حكم العالم- تحدى أعداء الماضي- تصدرها لقمة هرم الإرهاب- الوصول إلى جيل من المسلمين. صحيح ان اللجنة طرحت مشروع داعش، دون حامل واقعى يلقى سبله المفتوحة للتحقق، حيث تبدت تلك الأهداف وكأنها أحلام وأوهام يتقمصها أو يدعيها التنظيم؛ لذا أقرت اللجنة أنه يمكن تفادى قدرة التنظيم على الوصول إلى أهدافه، بالرهان على إيمان الجميع تساندًا وتجمعًا ببذل أقصى اقتداراتهم لوقف مخططه، لكن الصحيح كذلك أنه قد تبدى فى تقرير اللجنة الإصرار على استدعاء الإسلاموفوبيا؛ إذ أبدت اللجنة أن تخوفها ليس من تهديدات داعش فقط؛ بل أيضًا من الشريحة الديمغرافية التى تتأثر به، فهى الشرط الحاسم لاستمرار الفكر حتى بعد ذهاب داعش، ويفند التقرير تصوره بأنه من بين تعداد المسلمين فى العالم الذى يبلغ مليارًا وستمائة مليون مسلم، هناك نسبة 62 % منهم تحت سن الثلاثين، وذلك ما يشكل وفقًا للتقرير تخوفًا مستقبليًا. ترى أليس ثمة إصرار على الإفراط فى تهويمات تفلت من التحديدات، بفيض من التضليل يسرق الوعى ليصب فى العقول أن العنف العارى لصيق بالإسلام؟ لا يستطيع الراصد أن يتغافل المبادرات التى جاءت ثمرة صدمة ممارسات داعش مع حقيقية الإسلام، إذ من أبرزها مبادرة مؤسسة دينية كبرى كالأزهر الشريف، ممثلاً فى هيئة كبار العلماء، فى سبتمبر 2014، وكذلك هيئة علماء السعودية بالتبرؤ من ممارسات داعش ورفضها، وأيضا توقيع 126 عالمًا ومفكرًا إسلاميًا من الشرق والغرب، على رسالة وجهوها لزعيم داعش، يتبرأون فيها من أفعال داعش، ويؤكدون عدم صوابها إسلاميًا، وعدم شرعيتها، حيث حرم الإسلام قتل الرهائن، والسفراء، وترويع الناس، والقتل للمدنيين. ترى هل أفعال بعض المسلمين تعد حجة على الإسلام؟



وقد نشرت مجلة اتلانتيك الأمريكية مقالاً مطولاً للكاتب جرايم وود، أثار عددًا من الرؤى السالبة؛ إذ أقر الكاتب بأن ( الحقيقة أن تنظيم داعش إسلامي؛ بل إسلامى للغاية)، ثم أشار إلى الولايات المتحدة تستطيع هزيمته التى بعدها لن يتعافى منها أبدًا، كما يؤكد أن داعش أكبر مؤيد لذلك الغزو الأمريكي، بما يشكله من نصر دعائى كبير للجهاديين، إذ الجميع مؤمنون بأن الولايات المتحدة تريد شن حملة صليبية عصرية وقتل المسلمين، ثم يؤكد أن الحروب بالوكالة هى أفضل الحلول. أليس واضحًا أنها دعوة تبرير آمن لما تمارسه الأمركة تصيدًا للفائدة، وذلك باحتراب المسلمين ضد المسلمين فى إطار الحرب بالوكالة؟ إن ما يثير الدهشة التى تستولد الاستفهام، أن نجد كتابًا إليكترونيًا باللغة العربية، بقلم جون يونان، الحصول عليه مجانًا عبر الانترنت، بعنوان (هل الدولة الإسلامية تمثل الإسلام)، يضم صورًا وتبريرات بالنصوص لكل ممارسات التجاوزات المتوحشة لداعش، التى يؤمن المسلمون بحرمتها، وفى نهاية الكتاب ثمة تحد مفتوح، يعلن بأنه ليس هناك من فعل واحد اقترفته داعش ولا يوافق عليه الإسلام. وذلك ما ينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى فى سورة آل عمران (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون). ترى أبعد الكذب على الله من ذنب؟