أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الفخرانى يضىء القومى بــ «ليلة من ألف ليلة»
18 أغسطس 2015
محمــــد بهجــــت

بعد أن رحل شاعر الشعب بيرم التونسى قبل أكثر من خمسين عاما رثاه تلميذه النابغ فؤاد حداد قائلا: ياعم بيرم اقول وانشد على ضيك مين اللي زيك .. مغنى شمس الأصيل..


القافية بتطاوع معاه والنيل..


والفكر بيطاوع.. ولا عمر كلمة فى بقه بتلاوع..



هو اللى رافع للحوارى ديوان..



هو اللى قايل قبل هذا الأوان..



الفلاحين والشعب عين أعيان..



مجمع فنون القول ومغنى الأدب..



وما ينتهيش العجب..



والشيخ زكريا بيغنى يا صلاة الزين..



على بيرم يا صلاة الزين..



ادهش فؤاد حداد كيف تطاوع اللغة قلم أستاذه بيرم التونسي.. وكيف لا تلاوعه كلمة ولا يراوغه معنى ولا تتحكم فيه قافية فيستطيع أن يصوغ بالكلمات البسيطة أعمالا فنية بالغة الصعوبة والتعقيد..



هذا ما سوف يراه ويستمتع به جمهور المسرح القومى بعد اعادة افتتاحه بأوبريت «ليلة من ألف ليلة» تأليف بيرم التونسى والحان احمد صدقى واخراج المبدع محسن حلمى ولن يشعر المشاهد على الاطلاق بأن النص كتب قبل أكثر من سبعين عاما بل سيجد نصا يخاطب عقله وقلبه ويستشعر مشاكله الانسانية العميقة ويمتعه بقدر ما يحثه على التفكير ـ ولعل ما زاد من حالة التوهج الفنى فى ذلك العرض هو التقاء عبقرية بيرم التونسى بأصالة وبساطة الموسيقار أحمد صدقى بأستاذية وتلقائية الدكتور يحيى الفخرانى الذى يرسخ قاعدة الصدق فى الاحساس والأداء السهل الممتنع الذى يجعل للفخرانى على خشبة المسرح بصمة فنية كبصمة الأصبع يستحيل تقليدها او تكرارها... ولعلها أيضا علاقة العشق الخاص بين يحيى الفخرانى وبين خشبة وكواليس المسرح القومى فبعد أن أعلن عن عدم رغبته فى اعتلاء خشبات المسارح بعد النجاح الهائل« للملك لير» أعاده نص بيرم وذكاء اختيار محسن حلمى ليتألق فى تجربة لا تقل قيمة عن سابقتها وان كانت تحمل المذاق المصرى الشعبى القريب الى وجدان ملايين المشاهدين.. هذا على الرغم من أن المسرحية مأخودة أصلا عن نص أجنبى يحمل عنوان «لو كنت أنا الملك» لكن بيرم استطاع أن يصبغها بالطابع المحلى الأقرب الى شكل الحدوتة الشعبية وأكد لنا نجم العرض أنه كان حريصا على تقديم ما كتبه بيرم دون تغيير لفظة واحدة فعندما اقترح عليه المخرج تغيير لفظة «دانق» بمليم او قرش ليسهل فهمها بين الجمهور كان رأى الفخرانى هو أن اللفظ سيفهم من سياق الكلام ولنحتفظ بالنص التراثى كما هو دون تغيير واقتنع المخرج بهذا الرأى والحدوتة المصاغة كلها بالشعر والغناء كثيرة التفاصيل متشابكة الأحداث سريعة الايقاع تحكى عن شحاذ اعتاد الاحتيال على لقمة العيش كما نقول بالتعبير الدارج وساقه هذا الاحتيال إلى التعامل مع كبار المحتالين فى بلاط الخليفة العباسى ليصادف مشاكل كثيرة تورطه هو وابنته الرقيقة فى خطر كبير ينجو منه بأساليب وحلول درامية طريفة وجذابة.



وتألق فى العرض النجم الشاب الكروان محمد حسن الذى لم يبتعد عن خط الغناء الوطنى والانسانى منذ عرفناه صوتا لشباب الثورة الحر المناضل بل وضع نفسه أكثر على الطريق الصحيح للغناء الجاد الهادف بإعادة كنوز التراث المسرحي. كما تألق كعادته نجم الكوميديا المتميز لطفى لبيب مستغلا اسلوبه الخاص فى الاداء الصوتى لمنح المزيد من الحيوية والضحك للعرض.. ولعل أكبر المفاجآت هى النجمة الشابة هبة مجدى التى تميزت بحضور طاغ على خشبة المسرح وتمكن شديد فى الغناء والتمثيل معا وإظهار الانفعالات المختلفة ببساطة وعفوية وكأنها صاحبة خبرة طويلة فى التمثيل المسرحي.



وقدم ضياء عبد الخالق دور الوزير الماكر والماجن والشرير بأسلوب خاص ربما يذكرنا بنجوم الشر المحبوبين من أمثال استيفان روستى وتوفيق الدقن وعادل أدهم حيث تختلط الشراسة بالسخرية بخفة الظل.. واحتشدت سلمى غريب لدورها الصغير حجما والكبير قيمة فى شخصية قوت القلوب زوجة الوزير التى لا تقل عنه خبثا وتطلعا للمتعة وللثراء ونجح هانى عبد الحى فى لفت الأنظار فى دور الجندى ومى حمدى ابنة مركز الابداع بالأوبرا فى دور صديقة نجف بطلة العرض وخالد جمال وهشام الشربينى فى مشاجرة تجار الاقمشة بالسوق ورغم صغر مساحات باقى الأدوار الا أنها تشير بقوة إلى مجموعة موهوبة ومتناغمة من الفنانين أصحاب الامكانات الكبيرة وتشير أيضا إلى مهارة محسن حلمى فى اختيار سفرائه وتوظيف أدواته لتقديم عرض مسرحى يليق باسم وتاريخ المسرح القومى, ولعل من حق القارئ علينا أن يتعرف على أسماء النجوم خلف الكواليس وهم محمد الغرباوى مصمما للديكور والقديرة نعيمة العجمى مصممة للملابس والشباب الواعد فاروق ومحمد فى عمل استعراضات الباليه والموسيقار يحيى الموجى فى التوزيع الموسيقى وفؤاد السيد وجمال حجاج مدير دار العرض وأخيرا الفنان يوسف اسماعيل مدير المسرح والذين تضافرت جهودهم جميعا خلف قيادة القدير العاشق للتراث محسن حلمى ليقدموا تلك التحفة الفنية الفريدة «ليلة من ألف ليلة» والتى أهداها نجم العرض دكتور يحيى الفخرانى إلى روح زميل الكفاح والصداقة والصدق الفنى الراحل نور الشريف فى أول أيام العرض ليؤكد لنا أن الخير والود الخالص بين الناس هو ما يبقى وينتصر فى النهاية.